وسط حلقات الصراع الإقليمي، وعلى امتداد الحدود مع سوريا، ولكونها جزءا مهما من مكونات المنطقة، وقوة إقليمية فاعلة، تبدو
التحديات التي تحيط بتركيا حادة وكبيرة، فيما السؤال يطرح نفسه بقوة، في ظل التطورات الإقليمة وتطورات الوضع التركي؛ هو كيف يمكن أن تتجاوز
تركيا هذه المرحلة بأقل الخسائر؟
وفي هذا السياق يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، الدكتور غازي ربابعة، إنه لاعتبار تركيا ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي وأنها تمثل الإسلام السياسي المعتدل، كانت المعركة المخطط لها تفتيت تركيا.
ويلفت، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن "روسيا، تاريخيا، دخلت مع تركيا في 20 حربا دامية، لذا فهي، تاريخيا أيضا، تخشى من تركيا، وهذه إحدى أهم التفسيرات للتدخل العسكري الروسي في سوريا"، حيث يسعى الروس، كما يرى ربابعة، "للتعزيز والدفع باتجاه خلق دولة كردية لتكون شوكة في خاصرة تركيا، بالإضافة إلى عودة الثأر من تركيا، حينما ضاعت القسطنطينية من الكنيسة الشرقية".
ولا يعوّل ربابعة كثيرا على تحالف تركيا مع العرب لحفظ استقرارها، "إلا من خلال الضخ السياحي العربي في الداخل التركي، حيث تشكل السياحة رافدا مهما لاقتصاديات تركيا، باعتبارها من أول 16 قوة اقتصادية في العالم، وخلال سنوات معدودة ستصبح من أول عشر دول".
وفي المقابل، يرى أن التعويل الرئيسي على نجاة تركيا هو في قدرتها على حفظ أمنها الداخلي والاستجابة لتحديات المنطقة، وتحديات تمثيلها للإسلام السياسي المعتدل، معتبرا أن هذه ضريبة يجب أن تدفعها تركيا في سياق "الاستهداف العالمي للإسلام السياسي المعتدل وغير المعتدل"، كما يقول.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، الدكتور عبد الله النقرش إن "الفكر الأيديولوجي الراغب بالسيطرة على كل مفاصل الدولة التركية، يبدو ملتزما بمنهجية خطيرة وهي أسلمة العلمنة، بينما الطريق الأسلم أمام الدولة والنظام في تركيا هي التي تمر من علمنة الإسلام"، بحسب تعبيره.
ويرى في حديث لـ "عربي21"؛ أن البنية الاجتماعية الداخلية في تركيا، تعاني من مشكلة الأقليات، لا سيما الأكراد، معتبرا أن هذه الأقلية يمكنها أن تفعل في الداخل التركي أكثر من مجرد ممارسة "الإقلاق" لداخل الدولة وبنية النظام.
وأشار إلى أن هذه الأقليات، بالإضافة إلى بعض مكونات البنية المؤسسية في تركيا ربما تستطيع بناء تحالفات خارجية، مع الغرب أو روسيا.
وقال إن "نموذج (الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان) في إدارة الدولة نموذج فاشل، بحكم أنه ليس مرغوبا عالميا، وحتى لدى بعض الدول الإسلامية، مضيفا: "إنه أيديولوجي أكثر من دبلوماسي"، بحسب تعبيره.
ومن جانب آخر، اعتبر النقرش أن رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو "يمتلك رؤية أكثر مرونة واستيعابا للمخاطر والتحديات من أردوغان، فلكي تنجو تركيا عليها أن تنطلق في بناء تحالفات مرنة واستيعابية مع الداخل والمحيط والخارج، ومنها أوروبا، من حيث الكف عن ابتزاز تركيا بمسألة اللاجئين"، وفق تقديره.
وبما أن المسألة السورية هي الطرف الأهم في القلق التركي، يشدد النقرش على أن تركيا مطالبة بتهدئة موقفها تجاه سوريا، وأن تتعاون مع المجتمع الدولي، "وإن كنت لست مع الفهم الدولي القاصر للأزمة باعتبارها مسألة إرهاب، وتقبل فكرة الدكتاتور إذا كان البديل هو الإرهاب".
وعبر عن اعتقاده بأن سياسة أردوغان "لم تصنع صداقات لتركيا مع النظم العالمية والعربية، لكنها نجحت فقط في خلق صداقات مع الشعوب، وهذا غير كاف، ولا يحقق النجاة لها"، مشددا على أن على أوغلو والسياسيين الأكثر مرونة من أردوغان؛ الأخذ بزمام المبادرة.
أما الباحث والمحلل السياسي السوري، منار الرشواني، فقد اعتبر أن ارتدادات
الأزمة السورية ومنها أزمة اللاجئين، تشكل عبئا كبيرا على تركيا، خاصة إذا ما سمحت لهم بمغادرة أراضيها لأوروبا، حيث سيبدأ الجميع بلوم تركيا، وربما أكثر من اللوم.
وقال الرشواني لـ"عربي21" إن تركيا لا تنتمي للمعسكر الغربي الأوروبي، ولا الأمريكي، "وثمة مسألة ذات ارتباط بهذا، وهي أن روسيا وإيران من مصلحتهما زعزعة تركيا، لأنها تقف في صف التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وهو التحالف المناقض تماما للأجندة الإيرانية الروسية".
وأكد الرشواني أن طوق النجاة لتركيا يبدأ بتقوية تحالفها العربي، من جهة، ومن جهة أخرى، "فإن سر النجاح التركي، وأردوغان خصوصا، هي الإصلاحات الداخلية، وهي طوق النجاة الثاني، معتبرا أن "شخصية الرئيس أردوغان محاطة ببعض السلبية المتصلة بموضوع بطء هذه الإصلاحات وتطبيقاتها على حرية الصحافة والإعلام"، وفق تقديره.
أما طوق النجاة الثالث، بحسب الرشواني، فهو متعلق بإحياء التوافق التركي الكردي، "ولعلها مهمة ليست سهلة في ظل الواقع المثقل بالأزمات والتحالفات، إلا أنه يصب في مصلحة الأكراد بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم"، كما يقول.
كما يشير منار الرشواني إلى أن "لجم التوسعات الإيرانية على حساب المنطقة العربية "أمر مهم لاستقرار تركيا، بالإضافة إلى القضية الرئيسية الحاضرة اليوم، وهي السعي لإنهاء الملف السوري وفقا لشرط رحيل الأسد".