كتاب عربي 21

إعلان فبراير يمثلني

1300x600
في يوم السابع والعشرين من شباط/ فبراير صدر "إعلان فبراير"؛ قلب ذاكرة الثورة بأحداثها ورمزيتها التي تعبر عن طاقات شعب وأمة في حماية الثورة وبلوغ أهم أهدافها. في هذا الشهر استرد الشعب إرادته ليقاوم الاستبداد وكل الذي يحكم شبكته، رمزية تلك الأحداث في ثورة يناير كانت تعلن أن ثورة لن تخبو أو تنطفئ جذوتها ولن تفقد زخمها، ثورة يناير– فبراير كانت تعني أن أجهزة حماية هذه الثورة والحفاظ عليها ضرورة تحقق لهذه الثورة استمراريتها وفعاليتها، كيانها وإمكاناتها، أهدافها ومكتسباتها.

رمزية الثورة طاقة واستمرار مثّله الإعلان في شخوصه ورموزه، في تنوع مشهود يقدم هؤلاء الشباب أكبر رسالة لأهل الثورة من ضرورة "الاستمرار في بذل الجهود، دون يأس أو ملل، لتحقيق الاصطفاف الفعلي على مبادئ يناير وتجاوز الخلافات والمعارك الصغيرة بين الأفراد والكيانات التي تؤمن بها".

رسالة تضع يدها على كل ما يعوق ثورة عن تحقيق أهدافها والحفاظ على قدراتها لترى ضرورة استئناف جهود الاصطفاف محققة أصول قاعدة تربط من أن الاختلاف مهما كانت تنوعاته يمكن أن يمثل طاقة ائتلاف حقيقية، لتمارس إدارته وتوجيهه لممارسة فن الخروج من الاختلاف إلى الائتلاف. الاصطفاف أهم مسلك لاستعادة الثورة على قاعدة من مبادئ هذه الثورة.

الاصطفاف لا يستثني أي فعالية لكنه يأخذ في هذا الاعتبار أن الشباب آن الأوان أن يتصدر المشهد ويحركه طالبا الدعم والمساندة من كل أحد يمكن أن يدفع في هذا الاتجاه ويمكنه، "نمد أيادينا إلى المناضلين الصامدين في الداخل، ونتعاون مع هؤلاء الذين اضطرتهم سلطة الانقلاب العسكري إلى الخروج، ونحترم تجربة من سبقنا وخبراتهم، ونطلبها، ونقدرها، ونستضيء بها، لكننا نرى أن جيلنا قد أنضجته تجربة السنوات الماضية، وآن له أن يكون في صدارة المشهد".

إنه الشباب الذي خرج من رحم الخبرة السابقة ولكنه حين عركها وكابدها اشتد عوده وامتد أفقه واستند إلى واقعية مشهودة يحسب لكل فعل حسابه ويقدر لكل أمر خطابه:

"نحن مجموعة من شباب مصر الذين عاشوا تجربة ثورة يناير العظيمة، آلامها، وآمالها، أحزانها، وأفراحها، كبواتها وانتصاراتها.. ثورتنا المستمرة رغم كل شيء، نحن مجموعة من الشباب الذين شهدوا مجازر العسكر في معركة الجمل، وماسبيرو ومحمد محمود، ورابعة، والنهضة، وبورسعيد والدفاع الجوي ورمسيس والقائد إبراهيم، وسائر مجازر العسكر بحق المصريين في كل ربوع الوطن من 28 يناير 2011 إلى الآن، والآن، عادت قوى الاستبداد لاحتلال ميادين الحرية، وأصبح السفاح الذي أشرف على أكثر من مجزرة رئيسا للجمهورية، وأضحى فلول النظام السابق أغلبية البرلمان، فيما عاد الذين أشرفوا على كل تلك المجازر إلى مناصبهم في كافة الأجهزة الأمنية، أو كفل لهم النظام خروجهم الآمن سالمين بما احتملوه من جرائم وآثام في حق الشعب المصري. أما الثوار الذين صمدوا في الميادين وناضلوا من أجل حقوق المصريين، فهم بين شهيد ومعتقل ومطارد في وطنه، ومشرد في منفى إجباري، نحن أبناء هذه التجربة القاسية، نعلن أن معركة الثورة لم تنته، وأننا كما أخرجنا من الميدان في يوم الخامس والعشرين بالقوة ثم عدنا، سنعود مرة أخرى، قريبا".

استعادة ثورة يناير هو الهدف الأكبر، هذه الاستعادة لا يمكن أن تتم إلا بفحص الذاكرة وما امتلأت به من أحداث دالة، موقعة الجمل التي أريد لها أن تطمس بكل قوة، وأن تُوأد بكل بطش وعنف، لا لشيء سوى أن مدبرها هو الآن الذي يعتلي عرش السلطة يوجهها كيف يشاء، مدبر موقعة الجمل هو الذي يحكمكم الآن يا أهل الثورة؟!، وإن منظومة مبارك الذي خلع بفعل الثورة في الحادي عشر من شباط/ فبراير، وكان تتويجا لعمل احتجاجي ثوري وشعبي، هي التي تحكم وتتحكم، بل ازدادت سوءا وخطورة وبطشا، هذا الإدراك وهذا الوعي الذي يؤشر على معركة الثورة المضادة التي اضطرت أن تخوضها في المواجهة ليست إلا المعركة الأخيرة، وأن معركة أهل الثورة في المقابل هي معركة النفس الطويل، الثورة ملحمة ممتدة وليست مجرد جولة، ستشهد يوم الحشد الأكبر واليوم المشهود عودة واعية قادرة على الفعل والفاعلية.

"نعلن أن طريقنا هو طريق ثوري جماهيري، ونؤكد على أن سلمية الثورة هو طريقها الصحيح والوحيد، وأننا لن نقبل بأن يجرنا إرهاب النظام الحالي إلى مستنقع العنف، الذي لا تحتمله الثورة، ولا يحتمله الوطن، ولا يريده سوى النظام القمعي، الاستبدادي، الذي يقتل مواطنيه. طريقنا هو الحفاظ على وظائف الدولة لصالح المجتمع، صاحب السيادة والشرعية والحق في تقرير المصير، طريقنا هو بناء دولة يناير، ونحن نرى أن الحفاظ على حقوق العاملين والموظفين لا يتعارض بحال من الأحوال مع إعادة هيكلة المؤسسات بشكل فوري وحاسم، لتطهيرها من الفساد والتخريب حتى تؤدي دورها الوطني المنشود في المستقبل. نتواصل مع حراك الداخل، ونحاصر مصالح النظام المستبد في الخارج، كما نتواصل مع محيطنا الإقليمي والدولي، ونمد أيادينا إلى سائر المهتمين بقضايا تحرر الشعوب لمناصرة قضيتنا العادلة".

ثورية الجماهير وسلمية الثورة والحفاظ على الدولة الحقيقية، وظائف وأدوارا، جوهرا لا زيفا، هو القاعدة لبناء دولة يناير بكل مواصفاتها وشروطها، وأن تطهير مؤسسات الضد في الدولة التي تقوم بعكس مقصودها هو مقدمة التغيير الجذري المطلوب، وأن التغيير لا يمكن أن يكون إلا داخليا بقوى الداخل وحراكه الفعال، يشكل الخارج من أهل الثورة وأصحاب المصلحة الأساسية فيها سندا داعما، وحافزا واجبا لأهل الثورة في الميادين في الداخل، إنهم يشكلون طاقات الأمل الحقيقية وطاقات العمل والتحريك في القوى الميدانية التي تتحرك في الصفوف الأمامية.

"لا نبكي على لبن مسكوب، ولا نعيش في أوهام المظلوميات العقيمة، بل نعتبر أن مظالم المجتمع المصري وحقوقه كلها دون تفرقة أمانة في أعناقنا. هدفنا إقامة دولة القانون، الحق لا الثأر، والعدالة الانتقالية لا الانتقامية. لقد تجاوز الحكم العسكري مرحلة القضاء على الثورة إلى مرحلة القضاء على الوطن ذاته، وظهرت عمالته الفجة للعدو الصهيوني، ومجاهرته بها، وتجاوزه لثوابت الشعور الوطني، والأمن القومي المصري، لذلك نرى ضرورة التحرك السريع لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق على يد جنرال معتوه، ونرى أن واجب اللحظة الراهنة هو الحفاظ على مصر قبل أي شيء آخر، وندعو كل من يستشعر هذا الخطر الوجودي إلى مؤتمر وطني جامع، للوصول إلى خطة إنقاذ الوطن، ومشروع لدولة يناير يتوافق عليه الجميع".

إن الحالة الثورية سواء من حال أهل الثورة الحقيقية أو القوى التي تمثل الثورة المضادة، وما يحيق بالوطن يتطلب استنفارا لقوى الثورة في مواجهة الثورة المضادة والدولة العميقة، بعد هذا التخريب الممنهج لموارد الوطن والعدوان على ثوابت الأمن القومي، بحيث صار الخطر على الوطن كيانيا ووجوديا، وهو ما يستأهل حالة من التنادي في مؤتمر وطني جامع، يشكل ضمير هذا الوطن الذي استهدف في مقتل، الوطن وأمانته، والشعب ومطالبه، والثورة ومكاسبها صارت هي أركان التصور لبناء دولة يناير التي نريد.

"آن لهذا الشعب أن يحظى بحاكم عادل، آن لفقر المصريين أن ينتهي، آن لكل عامل وفلاح وموظف وطبيب ومهندس ومهني وطالب ومدرس أن يحصلوا على نصيبهم العادل من ثروات بلادهم، وآن أوان القضاء على احتكار أولي الأمر للثروة والسلطة".

إن شعب مصر بكل فئاته وتنوعاته يستحق حياة كريمة بمنطق كلنا أسياد في أوطاننا لا بمنطق الأسياد والعبيد، في إطار عدالة اجتماعية وعيش كريم وكرامة إنسانية وحرية أساسية إنسانية تضمن مكانة الوطن وكرامة المواطن، إنه إعلان فبراير الذي يستعيد ثورة يناير ويهدف لبناء دولة يناير، إعلان فبراير وبأعلى صوت يمثلني ويستنهض معاني الوطن والشعب والثورة، عاشت مصر... عاشت ثورة يناير.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع