كتاب عربي 21

جَمَل المخابرات العسكرية

1300x600
كيف يتذكر الثوار الذين حضروا معركة الجمل في الثاني من فبراير 2011 هذا اليوم بعد مرور خمسة أعوام؟

إنها مجزرة أعدها ورتبها وأشرف عليها جهاز المخابرات العسكرية بقيادة اللواء عبدالفتاح "سيسي".
لقد أصبح سَفَّاحُ معركة الجمل رئيسا للجمهورية، وأصبح بلطجيتها أغلبية في البرلمان، وها هم رجال الأمن الذين أشرفوا على دخول البغال والحمير والجمال للميدان قد عادوا إلى مناصبهم في الأجهزة الأمنية كافة، عادوا منتقمين، متوحشين، راغبين في إبادة واستئصال كل صوت يدعو إلى الحرية أو الكرامة، يُصَفُّونِ حساباتهم مع الشعب الذي لقنهم درسا في جمعة الغضب 28 يناير 2011، ويُصَفُّونَ الشباب الثائر تصفية جسدية.

أما الثوار الذين صمدوا في ميدان التحرير في ذلك اليوم، فبعضهم شهيد نحتسبه عند الله، استشهد بعضهم في معركة الجمل نفسها في ميادين التحرير المختلفة، واستشهد بعضهم في مجازر أخرى، في ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، ومسرح البالون، وبورسعيد، والعباسية، ورابعة (وأخواتها) ... وصولا إلى التصفيات الممنهجة التي تتم الآن في ربوع مصر.

وبعضهم سجين في معتقلات العسكر، الآلاف ممن حضروا معركة الجمل مكانهم اليوم سجون الانقلاب.
وبعضهم مطارد في وطنه، عشرات الآلاف لا يستطيعون دخول بيوتهم إلا خلسة، ليروا أهلهم وأحبابهم سويعات ثم ينطلقون إلى اللامكان، في الظل، حيث لا يصل إليهم إلا الثوار المطاريد، أو فرقة الاغتيال المكلفة بالتصفية.

وبعضهم في منفى إجباري خارج حدود الوطن، مئات الآلاف خرجوا من أوطانهم وتركوا أحبابهم، وأموالهم، وأعمالهم، ومستقبلهم، وألقوا بأنفسهم في المجهول، عليهم أحكام غيابية، أو أوامر ضبط وإحضار، أو تتعقبهم فرق اغتيالات منظمة، تخطفهم وتصفيهم، ثم تلقيهم على قارعة الطريق بعد اختراع تهمة كاذبة، خلاصتها أن المجرم تمت تصفيته لأنه قاوم السلطات.

كل ذلك نراه بعيوننا ... ولكن الحقيقة التي لا يراها كثيرون أن معركة الجمل لم تنته بعد، وأن الثوار لا زالوا في الميادين رغم إغلاقها، ولا زالوا على العهد وإن بعدوا عن الوطن.

انظر إلى شباب الألتراس في ذكرى مجزرة بورسعيد في قلب القاهرة، رغم كل البطش الأمني، أعلنوا أن المعركة مستمرة، وأن جَمَل المخابرات العسكرية سيهزم عاجلا أو آجلا.

شباب مصر من سائر الاتجاهات، يجمعهم حب مصر العظيمة، ورغبتهم الأكيدة وتصميمهم الواثق في تحقيق الخير للشعب الصابر المناضل.

ستجمع الأيام في القريب العاجل هؤلاء الشباب، من حكم عليه ظلما بالإعدام، ومن حكم عليه بالحبس، ومن ذاق ويلات سجون العسكر، ومن حكم عليه بالغربة والنفي، ومن طرد من مدرسته أو جامعته، إنه جيل قد حُكِمَ عليه باليأس، لكي يلجأ للعنف، ولكنه يعلن أنه يرفض هذه الأحكام جميعها، وأنه سيعمل لاستعادة ثورته العظيمة، فهو على يقين من النصر، وأمله في هذا الشعب وثقته فيه تتجدد كل صباح، بل كل لحظة.

ذكرياتي في موقعة الجمل لا أول لها ولا آخر، كان يوما عصيبا، وكانت ساعات فاصلة في عمر الثورة، والحقيقة أن الثوار ربحوا الجولة الأولى التي انتهت مع طلوع فجر يوم الثالث من فبراير، ولكننا لا زلنا حتى اليوم نصارع الجمال والحمير والبغال من أجل أن ننتزع عالما أفضل لأبنائنا وأحفادنا.

ثورتنا اليوم في تحد كبير، فبعضنا يريدنا أن نلجأ لأسلوب خصمنا، وأن نركب الجمال والحمير والبغال، وأن نفكر بالطريقة التي يفكر بها عدونا، أي إنهم يطالبوننا بعسكرة الثورة، وهذا أمر مرفوض، لأسباب أخلاقية أولا، ولأسباب واقعية ثانيا.

وبعضنا غارق في مطالب لا علاقة لها بمطالب الثورة الحقيقية، ويريد أن يفني العالم من أجل مكاسب فصيله أو حزبه أو جماعته.

وبعضنا وصل حد اليأس واللامبالاة، وهزيمته أصبحت من داخله.

هذا الظلام الدامس ... ينتظر طليعة شبابية تتصدر المشهد، تجمع الثوار على المتفق عليه، وتقصي المتطرفين من جميع الاتجاهات، وتتفق على شكل الدولة المصرية المنشودة، وتتوافق على الخطوط الرئيسية للمرحلة الانتقالية بعد إسقاط النظام، وتتعهد بتطبيق برنامج عدالة انتقالية يحيي دولة القانون.

هذه الطليعة الشبابية (في الداخل والخارج) لا بد أن تتواصل سويا، وأن تتصل بالعالم كله، ليدرك الجميع أن مصر تملك البديل القادر على الحكم، وأن إسقاط النظام ليس بداية الفوضى، بل إن استمرار هذا النظام اللعين هو الفوضى بعينها.

هذه الطليعة الشبابية تحترم أجيالا سبقتها، وتستشير سائر الخبرات في المجالات كلها، ولكنها تعلم أن لكل زمن رجاله، وأن هذا الزمن لشبابه.

هذه الطليعة تعلمت عشرات الدروس، بالدم والعرق، وعرفت أن الطريق إلى التغيير ممهد، ولكنه ليس مفروشا بالورود.

ستظهر هذه الطليعة الواعية قريبا، وستتوحد الجهود، وسيقف من خلفهم شعب مصر العظيم بكل طوائفه وتكويناته.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع