كتب الباحث والمحلل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة بلندن، إتش إي هيللر، تقريرا حلل فيه قصة
مراجعة الإخوان المسلمين، التي أصدرت الحكومة البريطانية نتائجها بعد طول انتظار.
وجاء في التقرير، الذي نشره المعهد الأطلنطي على موقعه، أن صدور نتائج التقرير الرئيسة يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر "يضع حدا لملحمة طويلة حول التقرير، ولكن بالمعنى العام، كانت المراجعة فرصة ضائعة".
ويقول هيللر إن المراجعة رافقتها التكهنات من الدوائر كلها، وهو ما يعني وضع حد لهذا كله، فقد قال البعض إن المراجعة تمت بناء على اشتراط من السعودية، دون تقديم أدلة على هذا غير التكهنات الإعلامية. وعلى الصعيد المحلي، كانت المراجعة تعبيرا عن حالة الإحباط التي عانى منها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون نفسه، حول المعرفة القليلة التي تملكها
بريطانيا حول الإخوان المسلمين، وهو حال بقية الوزراء. وأما في الخليج، فالبلد الذي كان نشطا حول الإخوان المسلمين، وحتى قبل صعود الملك سلمان للعرش السعودي، هو أبو ظبي وليس الرياض.
ويعتقد الكاتب أن اختيار سفير السعودية في الرياض في حينه سير جون جينكنز، زاد من المشكلات، حتى قبل أن تتعرض السعودية للكثير من التدقيق في الإعلام البريطاني، كما هو الحال الآن.
ويشير التقرير إلى أن مدير دائرة الأمن ومكافحة
التطرف في وزارة الداخلية تشارلز فار، قام بالنظر لشبكة الإخوان في بريطانيا، ولم يلتفت الكثيرون لحقيقة أن جينكنز كان حتى تقاعده من وزارة الخارجية من أكثر الدبلوماسيين خبرة ومعرفة بالعالم العربي.
ويقول هيللر: "كما هو مطلوب، أنجز كل من فار وجينكنز التقرير في تموز/ يوليو 2014، أي بعد أشهر من أمر كاميرون بالمراجعة، أي في نيسان/ أبريل. وكانت وثيقة ضخمة، ولكنها لن تنشر؛ لأنها تحتوي على معلومات سرية. ولكن الحكومة البريطانية أكدت أنها ستنشر النتائج الرئيسة للدراسة، وهو ما كان بداية لملحمة انتهت هذا الشهر".
ويضيف الكاتب: "فمن آب/ أغسطس 2014، حتى نشرها هذا الأسبوع، حفلت الصحف بين الفترة والأخرى بالتسريبات، التي قالت إنها تعبر عن (نتائج) التقرير".
ويواصل هيللر قائلا إن "داعمي الإخوان المسلمين زعموا في مرة من المرات أن مراجعة الحكومة لن تصف الجماعة بأنها إرهابية. ومع ذلك كانت هناك الكثير من الأوصاف المشكوك بها يمكن أن ترتبط بالجماعة".
ويعلق الكاتب بأن "القيام بالمراجعة كان في المقام الأول بسبب أن الإخوان المسلمين جماعة مهمة ويجب فهمها، وبسبب علاقاتها الواسعة في مرحلة ما بعد 11/ 9، فمراجعة كهذه تقوم بها الحكومات في كل وقت، وتكون للاستهلاك المحلي".
ويمضي هيللر للقول إن "الإعلان عن المراجعة بطريقة علنية، كما فعل المتحدث باسم رئيس الوزراء داونينغ ستريت، لم يقدم الكثير من المنافع، إلا أنه قدم نجدة لنقاد الجماعة في العالم العربي ولمعارضيها المحليين. وطالما حدث الضرر، فقد كان من المناسب، ومن أجل تقليل المصاعب التي واجهتها الحكومة، الإعلان والتأكيد لإكمال المراجعة، وعوضا عن هذا فقد استمرت التكهنات، وطوال العام الماضي تم الإعلان عن نشر الوثيقة، لكن تم التأجيل، وهو ما زاد من عجلة التكهنات".
ويلفت التقرير إلى أن الحكومة تكتمت على الوثيقة، ورفضت السماح للدول الغربية والمؤسسات بالاطلاع على المراجعة. ولم يطلع عليها الكثيرون من داخل المؤسسة البريطانية "وايت هول"؛ نظرا لحساسيتها.
ويذكر الموقع أنه في النهاية تم تقديم صورة عن محتويات المراجعة، وأهمها أن الجماعة "ليست إرهابية"، فلم تحظر الحكومة الجماعة باعتبارها إرهابية؛ لأن هذا يعني تحديا قانونيا من محامي الجماعة في بريطانيا، ولم تكن الحكومة مستعدة لخسارة القضية قانونيا. وهناك ما يشير في المادة التي نشرت إلى إمكانية إعادة النظر وتصنيفها بأنها إرهابية، لكن هذا لن يتم في الوقت الحالي، إلا إذا تغير الإخوان المسلمون أنفسهم.
ويوضح الكاتب أنه على الجانب الآخر، وهو الأمن المالي، فإنه دون نشر المراجعة، ستكون هناك مشكلات تتعلق بالتمويل المالي للجماعة، والشفافية حول الحسابات المصرفية للإخوان، أو تلك المرتبطة بها. مشيرا إلى أن الرقابة ستستمر على هذه الحسابات، إن لم تزدد.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه في هذا السياق لن يتغير الكثير على السياسة الحالية، حول من يدعم هذه الجماعات، وما هي الصلات التي تقيمها في الخارج. وقد يربط بالقلق حول التمويل الذي تقدمه الجماعات المحافظة في السعودية للجماعات في بريطانيا، مع أن النقاش حول النشاط المالي هذا منفصل بشكل تام.
ويبين هيللر أن النقطة الثالثة التي تتحدث عنها المراجعة، هي "إمكانية التحول للتطرف". لافتا إلى أن الجماعة وصفت بوصف يعني أنها إشكالية، حيث جاء في التقرير أن "عضوية الإخوان المسلمين والتعاون معهم والتأثر بهم يجب اعتباره علامة على التطرف".
ويعلق الكاتب قائلا: "إن الإعلام العربي والغربي اهتما بهذه العبارة، ومن المتوقع تكرارها في المستقبل. فالتداعيات السياسية لوصف الإخوان بأنها جماعة إسلامية متطرفة، على خلفية المخاوف المتزايدة من تنظيم الدولة، ليست بالقضية البسيطة، ولن يرضى الإخوان بهذا الوصف، حتى بالنسبة لسمعتهم وطريقة إدارتهم وماركتهم في أوروبا والغرب بشكل عام".
ويجد هيللر أن السياسة النابعة من التقرير والمثيرة للاهتمام هي "مسألة (وسم) الجماعة، فرغم أنها غير ممنوعة من العمل في بريطانيا، إلا أن النظرة لها لن تكون إيجابية. ومع ذلك، فإن هناك فارقا بسيطا في الوصف للجماعة، حيث لاحظت المراجعة أن حركة النهضة التونسية المتأثرة فكريا بالإخوان أدت دورا في الديمقراطية الناشئة في تونس".
وينوه الموقع إلى أن التقرير تحدث عن علاقة معقدة بين الإخوان والعنف، بدلا من التأكيد أنها جماعة عنف بشكل مطلق، وقال التقرير إن العنف السياسي يعد أمرا شائعا في المنطقة العربية. ومن هنا يفترض أن الإخوان تم اختيارهم للمراجعة، وليس الجماعات الأخرى أو قوى الدولة، التي تمارس أفعالا من القمع في المنطقة. ولم يشر التقرير إلى أن العنف السياسي سيظهر من الإخوان المسلمين.
ويقول الكاتب إن "الحكومة البريطانية قد تكون واعية للظروف السياسية التي تنشط فيها جماعة الإخوان المسلمين، سواء كانت في المناطق الفلسطينية المحتلة التي تعاني من احتلال إسرائيلي عسكري، أو في مصر التي وثقت المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان المصرية سجلها في مجال حقوق الإنسان. وفي تقرير عام كان من المفيد لو تم وصف الظروف السياسية التي تحيط بالإخوان المسلمين، وذلك لفهم السياق الذي يردون عليه".
ويعتقد هيللر أن "التقرير (يشوه سمعة الجماعة)، ولكنه يذهب أبعد من هذا، فهو وإن لم يحظر أي جماعة مرتبطة بالإخوان المسلمين أو متأثرة بها، ولكنه وضع الخطوط العامة التي تربط الجماعة بالتطرف. ولأن المراجعة ذكرت عددا من المنظمات الإسلامية البريطانية المرتبطة بالإخوان المسلمين، فسينعكس ذلك سلبا عليها؛ لأن مجرد ربط هذه المنظمات بمنظمة لها علاقة بالتطرف، وعلى خلفية التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة، سيكون لذلك، دون أدنى شك، أثر سلبي على نشاطاتها في بريطانيا. وكان من الأولى (تسييق) هذه المنظمات أو فهمها بالسياق، بدلا من ربطها بالجماعة مباشرة".
ويحسب التقرير، فإنه تم نشر نتائج التقرير الكبير في صفحات لا تتعدى السبع، وإنه لن يرضي من لهم مصلحة فيه، ولن يسعد أحدا في الوقت ذاته.
ويرى الكاتب إيجابية من ناحية النظرة العميقة التي توليها الحكومة البريطانية ومؤسسات صنع القرار في الغرب للأرضية الأيديولوجية وعمل جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد الجماعة الرئيسة في حركات الإسلام السياسي، مستدركا بأن هناك دائما رغبة في النظر لها، إما بكونها جماعة إرهابية أو تعددية ومعتدلة وديمقراطية، وكلاهما موقفان يعبران عن بساطة في الفهم.
ويخلص هيللر إلى أن "نشر نتائج المراجعة، لا يدفع بالضرورة نقاش الحكومات الغربية المتعلق بالسياسات إلى موقف أكثر فهما؛ لأن النقاش هو نتاج الضرورة السياسية، والظهور بمظهر من يعمل شيئا ضد التطرف. وفي الوقت الذي تتصارع فيه معظم الحكومات الغربية وتلك في العالم العربي مع موضوعات الإسلامية وتنظيم الدولة والتطرف، فنحن بحاجة إلى انخراط أعمق وليس أقل. وكان هذا من المفترض أن يكون نتاج جهد جينكنز- فار، وعلى ما يبدو فإن هذا ليس هو الحال".