كتاب عربي 21

إيران والسعودية: صراع مفتوح أم تسوية تحفظ مصالح الجميع؟

1300x600
تصاعد الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية في الأيام الماضية على خلفية كارثة الحج وسقوط المئات من الشهداء والجرحى بين صفوف الحجاج ولا سيما الحجاج الإيرانيين.

وقد تبادل المسؤولون في إيران والسعودية الاتهامات والسجالات حول مسؤولية ما جرى في الحج وكيفية معالجة تداعيات هذه الكارثة الكبرى، مع أن الصراع بين البلدين لا يقتصر على ملف الحج بل هو يشمل العديد من الملفات والقضايا في العالم العربي والإسلامي ولا سيما ما يجري في سوريا واليمن والعراق والبحرين ولبنان وأفغانستان وباكستان، كما أن الصراع السياسي والإعلامي والفكري والديني بين البلدين وما يمثلان من مرجعيات دينية ومذهبية موجود في العديد من مناطق العالم ولا سيما في العالم الإسلامي وأماكن انتشار المسلمين.

وللأسف فإن هذا الصراع، رغم أنه صراع سياسي ومرتبط بدور البلدين الإقليمي والدولي، فإنه يأخذ في معظم الأحيان بعدا دينيا – مذهبيا - قوميا، كون إيران تشكل إحدى أهم الدول الإسلامية التي تتبنى مذهب التشيع أو المذهب الجعفري أوالمذهب الإمامي الاثنا عشري وهي دولة ذات غالبية فارسية رغم وجود مجموعات دينية ومذهبية وقومية أخرى، وأما السعودية فإنها تعلن أنها حامية لمذهب الوهابية وأنها الدولة الإسلامية السنية الفاعلة كونها تشرف على الحرمين في مكة والمدينة المنورة ولديها عشرات المؤسسات الإسلامية وتملك قوة مالية ونفطية كبرى وهي إحدى الدول العربية الكبرى، مع أن التنوع المذهبي في السعودية كبير وهناك أتباع لكل المذاهب، والسعودية ليست الدولة الكبرى عدديا على المستوى الإسلامي أو العربي ، لكن فيها مقر منظمة التعاون الإسلامي والرابطة الإسلامية العالمية.

والعلاقة بين إيران والسعودية لم تكن سيئة دائمة وخصوصا خلال فترة حكم الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي حيث قامت علاقات وثيقة بين البلدين نظرا للعلاقات السياسية والاستراتيجية والنفطية التي ربطت بينهما ونظرا لعلاقة البلدين الوثيقة بكل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وقد تعاونا في مواجهة الحكم الناصري في مصر ، وقد تدهورت العلاقات بعد قيام الجهورية الإسلامية وانتصار ثورة الإمام الخميني، وهناك أسباب عديدة أدت لتدهور هذه العلاقات وإن كانت هذه العلاقة مرت بمرحلة هادئة خلال عهدي الرئيس هاشمي رفسنجاني والدكتور محمد خاتمي، مما يؤكد أن المشكلة ليست مذهبية أو دينية أو قومية بل لها علاقات بالصراع السياسي والصراع على النفوذ في العالم العربي والإسلامي.

وقد تدهورت العلاقات بين البلدين في السنوات العشر الأخيرة ولا سيما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتزايد النفوذ الإيراني في العراق ومن ثم بعد التطورات التي حصلت في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والعدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وأخيرا بعد التطورات في البحرين وسوريا واليمن بعد الثورات العربية، و بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني بين إيران والدول الكبرى وصولا لكارثة الحج الأخيرة.

واليوم تمر هذه العلاقات بأسوأ مراحلها رغم أن الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي باراك أوباما يعملان منذ فترة لتحسين العلاقات بين البلدين لا سيما بعد الاتفاق حول الملف النووي، لأن أوباما يريد ترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط للتفرغ لملفات أخرى.

لكن يبدو أن كل المحاولات لتخفيف الصراع ودفع البلدين للجلوس على طاولة الحوار لم تنجح حتى الآن، بل الخوف أن يشتد الصراع مجددا وتدخل عليه العوامل المذهبية والدينية والقومية، مما يعني أننا سنكون أمام حرب أهلية سنية – شيعية – عربية – فارسية قد تمتد لعشرات السنين وهذه هي الكارثة الكبرى.

فهل بالإمكان البحث عن حلول سياسية بين البلدين قائمة على أساس احترام المصالح المتبادلة واحترام التنوع الديني والمذهبي والقومي في المنطقة والعمل المشترك لوقف مختلف الصراعات، أم أن الاحقاد والسجالات والحروب ستزداد وتستمر لفترة اخرى.

إن من مصلحة البلدين وكل العالم العربي والإسلامي وقف هذا الصراع لأننا جميعا ندفع الثمن وهذا يحتاج لمبادرة سياسية واقعية وعملية من أجل العودة إلى طاولة الحوار والبحث عن حلول عملية، فمن يتصدى لهذه المهمة التاريخية قبل فوات الأوان؟