أعتقد أن أدق تعريف للعولمة، هو حكاية الأميرة البريطانية الراحلة ديانا سبنسر، التي كانت مع صديق مصري (عماد الفايد)، في سيارة ألمانية، محركها هولندي يقودها بلجيكي مخمور بويسكي أسكتلندي، يطاردها مصور صحفي إيطالي، يمتطي درجة يابانية، وتصطدم السيارة بجسر في فرنسا، ويحاول إنقاذ حياتها طبيب أمريكي ويفشل في المهمة.
وأكتب مقالي هذا، مستعينا بتقنية ابتدعها الأمريكي بيل غيتس، على كومبيوتر مزود بشرائح صنعت في تايوان، وشاشة تنتجها شركة كورية مقرها سنغافورة، يقوم بعمليات التجميع فيها عمال من بنغلاديش قام بتهريبهم إلى سنغافورة سائقو شاحنات هنود.
والكلام أعلاه على طرافته التي تبدو مُتَكَلَفَة، يعطي تفسيرا دقيقا للعولمة التي تعني في ما تعني أن كل شيء قابل للبيع والشراء، عبر الحدود الدولية، بحيث لا تصبح لتلك الحدود قيمة أو جدوى إلا على الأطلس.
ظهرت في الولايات المتحدة، قبل نحو عقدين، بنوك لألبان الأمهات، تدار على أساس خيري، لتزويد الأطفال الذين تعجز أمهاتهم عن إرضاعهم لسبب أو لآخر، بلبن بشري طبيعي، يعينهم على النمو، بعد أن ثبت أن لبن الأم هو الذي يبني ويعزز جهاز المناعة عند بني البشر (أعرف أن لبن تعني عند عرب الخليج ومنطقة الشام الكبرى، ما يسمونه الحليب الرائب/ الحامض، في حين أن السائل الأبيض الذي يخرج من أثداء النساء والبهائم يسمى في صحيح اللغة "اللبن" وهكذا وردت التسمية في القرآن الكريم، وكانت العرب تقول: اللبن الحليب وتعني به "الطازج").
ولكن ما أن ذاع أمر تلك البنوك، وكيف أن مئات الآلاف من الأمهات يطعمن صغارهن بمخزونها من الألبان، حتى رأى البعض أن ألبان الأمهات سلعة قد تدر عليهم المال الوفير، وبداهة فإن أولئك البعض فكروا في شراء وتسويق اللبن النسائي عبر الإنترنت.
وإذا دخلت موقع only the breast أي "فقط الثدي"، فسترى عجبا من شاكلة: أم شابة تنتج لبنا كما بقرة هولستين. الأونصة منه بدولارين. أم رياضية نباتية لبنها كامل الدسم والأونصة بدولارين، (وكأنما هناك نساء لبنهن منزوع الدسم)، وستجد ألبانا ذات سعر عالٍ عندما يكون عمر طفل البائعة مطابقا لعمر طفل المشترية.
وهكذا صارت هناك سوق حرة للبن الأمهات، حتى صار لدى الشركة التي تدير الموقع مخزون يبلغ مليون و300 ألف ليتر بنهاية أغسطس المنصرم، ولم يعد زبائن الشركة فقط النساء العاجزات عن إرضاع أطفالهن، بل صار هواة كمال الأجسام من الرجال يشترون اللبن النسائي، بزعم أنه يساعد على بناء العضلات.
تقول جوليا وهي أم لطفلين، تقيم في فورت ويرث في ولاية تكساس الأمريكية لمجلة نيوزويك، بكل "بجاحة"، إنها تنتج اللبن بكميات تجارية تفيض عن حاجة رضيعها، وبما أنها لا تتعاطى الدهون والنشويات ولا تأكل سوى المنتجات العضوية، فإنها تبيع الأونصة منه بأربعة دولارات، وتكسب من وراء ذلك يوميا مبلغا يعينها على تغطية جانب من نفقات العيش الضرورية.
قامت الدكتورة ساره كيم ومعها فريق من الباحثين من مستشفى الأطفال في كولمبس بولاية أوهايو، بشراء 100 عينة لبن أمهات وإخضاعها للفحص، واتضح أن 15% من العينات تحوي لبن البقر وأن 75% من العينات تحوي نسبا عالية من الجراثيم والفيروسات.
ومن أعجب ما تم الكشف عنه أن كثيرا من الأمهات يبعن لبن أثدائهن، ويلجأن إلى اللبن المجفف لإطعام صغارهن، وهكذا تصبح التجارة حقارة، فمن تفعل ذلك تتاجر بعافية طفلها، ليتعافى أطفال أمهات أخريات.
ولكن ما الغرابة بعد أن صار استئجار الأرحام في الدول الغربية أمرا مألوفا؟ لو سمحت ممكن تستضيفي في رحمك بويضة مخصبة نيابة عني؟ بكل سرور واعتبري الرحم رحمك (والبيت بيتك)، ولكن الأجرة عن كامل المدة 10 آلاف دولار.. لا هذا مبلغ ضخم. يعني أجرة الرحم الشهرية أكثر من ألف دولار. ما يصير.
وبعد مساومة مطولة، والأخذ في الاعتبار أن الجنين قد يقوم بهبوط اضطراري قبل أن يكمل تسعة أشهر، يتم التوصل إلى أجرة ترضي الطرفين، وحدث أن أجّرت أكثر من واحدة رحمها لحمل جنين نيابة عن أخرى، ولكنها تمسكت بالطفل بعد الإنجاب، وقد ترد مبلغ الأجرة وقد تُنكر أنها قبضت مقابلا ماديا نظير حمل الجنين، ولهذا صار تأجير الأرحام يتم بموجب عقود موثقة من قبل محامين.
وعندهم بنوك الحيوانات المنوية، وزبائنها نساء يردن أطفالا بخصائص جينية معينة، وكشخص متخلف، لا تريد امرأة غربية جيناته، ولا هو على استعداد للتبرع لهن إلا بحيوان مفترس، فإنني أسمي التخصيب بحيوان منوي يتم شراؤه من بنك "زنا أوتوماتيكي".
حوالينا ولا علينا يا رب.