كتب عبدالله خليفة الشايجي: شن تنظيم "
داعش" الإرهابي ما يعتبره "غزوة رمضان"! ضاربا في أربع دول هي
الكويت وتونس وسوريا وفرنسا. في ثلاث قارات، في يوم الجمعة التاسع من رمضان 1436 هجري -26 يونيو 2014- موسعا بذلك نشاطه الإجرامي، ومكرسا نهجه الدموي بأن تكون أغلبية ضحاياه من المسلمين. وتحل اليوم -29 يونيو- الذكرى الأولى لإعلان التنظيم "الخلافة" المزعومة وتنصيبه المدعو أبوبكر البغدادي "أميرا للمسلمين"!
وذلك بعد سقوط الموصل ثاني أكبر مدن العراق، وقد فاق هذا التنظيم في بشاعته كل التنظيمات الإرهابية الأخرى، وزاد عليها عنفا وتمددا وخطرا وولوغا في دماء الأبرياء.
ويكمن خطر "داعش" في سعيه للتفوق في الإرهاب على "القاعدة" التنظيم الأم، بأسلوب الترهيب والتخويف وإثارة الصدمة والفوضى والنفخ في رماد الطائفية والأساليب الجنونية، وغير التقليدية، في القضاء على من يراهم خصومه، فيمارس قطع الرؤوس والحرق!
وآخر "إبداعات" بل بشاعات "داعش" كان في طريقة القتل البشعة لمن اتهمهم بالتجسس عليه بوضعهم في قفص وإغراقهم في بحيرة، ووضع آخرين في سيارة وقصفها بقذيفة "أر بي جي"! وكذلك في أخذ "سبايا" من الأقليات المسيحية والأيزيديين وبيعهم لمقاتليه!
وإثر اعتداءات
11 سبتمبر 2001، وتفاقم خطر "القاعدة"، وبعد أن ضربت في الولايات المتحدة لم تعد أي دولة أو مجتمع في مأمن من العمليات الإرهابية، خاصة من الخلايا النائمة والأفراد المتطرفين المنحرفين، أو ما بات يُعرف في مصطلحات دراسات الإرهاب بـ"الذئب المنفرد" "Lone Wolf"وهذا ما شهدته الكويت ومدينة سوسة في تونس، وسوريا، وكذلك حادثة قطع الرأس قرب مدينة "ليون" في فرنسا. وبهذا تحول "داعش"إلى تنظيم إرهابي عالمي ، يضرب أربع دول في ثلاث قارات في اليوم نفسه!
لقد صار "داعش"تهديدا خطيرا للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وهو ما يتطلب عملا جماعيا مشتركا، واستراتيجية مختلفة عن الحرب التي تُشن منذ حوالي العام على هذا التنظيم في العراق وسوريا، دون أن تنجح تلك الاستراتيجية في الحد من تمدده وانتشاره وتوسعه في البلدين، وآخر ذلك تمكن مقاتليه من دخول بلدة عين العرب -كوباني- بعد خمسة أشهر من طردهم منها.
لقد ضرب الإرهاب بقسوة يوم الجمعة الثانية من رمضان في مسجد الإمام الصادق الذي يؤمه
الشيعة في وسط مدينة الكويت، وذلك عندما فجّر مقاتل ينتمي لـ"داعش" حزامه الناسف في جموع المصلين في المسجد، وهم سجود يصلون صلاة الجمعة، فقتل 27 وجرح أكثر من 200، في أبشع وأكثر عملية إرهابية تحصد ضحايا منذ تفجيرات أحزاب موالية لإيران مطلع الثمانينيات من القرن الماضي مبنى السفارتين الأمريكية والفرنسية والمقاهي الشعبية، وصولا لمحاولة اغتيال سمو أمير دولة الكويت السابق الشيخ جابر الأحمد الصباح في مايو 1985.
والخطورة في تفجير الكويت الإرهابي ليست فقط في أنه تهديد للأمن والاستقرار في بلد نجح في أن ينجو بنفسه، ويبقى واحة أمن وسط بحر إقليمي مضطرب يعيش على وقع حروب طائفية ومذهبية في سوريا والعراق واليمن، ولكن الخطورة الأكبر في المواجهة في المشرق العربي، عموما، هي أننا أمام صراع ببعد مذهبي طائفي، مع سعي لجر الكويت إلى فتنة مذهبية تتمدد وتعكس حالة الاحتقان، وسط نفخ طائفي خطير يجتاح المنطقة بأسرها.
وقد كانت ملفتة ومميزة الهبّة الكويتية، وتكاتف وتلاحم فئات المجتمع كافة، من السنة والشيعة، لتشكيل جبهة متراصة وحائط صد قوي في وجه الفتنة. فقام حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، وقيادات حكومية وبرلمانية، بزيارة وتفقد مقر الحادث والمسجد، بعد دقائق من التفجير، ما شكّل ردة فعل إيجابية احتوت تداعيات الكارثة.
وقد تكاتفت وتلاحمت فئات المجتمع الكويتي فتبرع الكويتيون السُّنة بالدم للجرحى الشيعة، وكذلك أطلقوا وسما على "تويتر" يحثون فيه على الصلاة في مساجد الشيعة، وقد تفوق الكويتيون على أنفسهم وضربوا أروع الأمثلة على التعاضد والتعاون لهزيمة الفتنة التي يسعى لإشعالها أعداء الكويت.
وكما أن هجمات 11 سبتمبر2001 غيرت أمريكا إلى "ما قبل" و"ما بعد"، كذلك، رب ضارة نافعة، فـ11 سبتمبر الكويت -هجوم 26 يونيو- غيّر من طبيعة الكويتيين وقرّبهم أكثر بعضهم من بعض. وقد كرست الكارثة الأكبر من حيث حجمها وتأثيرها وخطورتها الوحدة الوطنية مجددا، وأكد صاحب السمو الأمير في زيارته لمقر الانفجار بعد دقائق من تفجير المسجد أن "وحدتنا الوطنية هي السياج المنيع لحفظ أمن الوطن".
وشدد سموه على أن "الكويت العزيزة وأهلها الأوفياء ستظل بإذن الله تعالى عصية على كل من يتربّص أو يريد بها شرا". أما رئيس الوزراء، فقد أكد أن المستهدف من تفجير مسجد الإمام الصادق "هو جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية، ونحن أقوى بكثير من هذا التصرف السيئ". وتماسك الجبهة الداخلية في الكويت وتشديد الإجراءات الأمنية، هما جدار الصد الأول الآن ضد خطر الإرهاب.
وحل النزاعات الإقليمية، في سوريا خاصة، والتفاهم مع
إيران في حال التوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامجها النووي، نهاية هذا الشهر، يجب أن يشمل أيضا ترتيبات مهمة تقلل من الصراع والفرز المذهبي، السني- الشيعي، لتفويت الفرصة على كل من يسعى لزرع الفتنة المرفوضة، وقد عبر الآلاف عن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي عقب تفجير مسجد الإمام الصادق.
كما أن هناك حاجة في الذكرى السنوية الأولى لتفاقم خطر "داعش" للمصارحة والشفافية في الاعتراف بعدم نجاح استراتيجية الحرب على التنظيم في تحقيق أهدافها، وعقد قمة للدول المشاركة في الحرب على "داعش" لرسم استراتيجية أمنية وعسكرية فعالة لمواجهة وهزيمة هذا التنظيم، وإن من مصلحتنا نقل هذه التصورات لتصحيح الاستراتيجية التي وصفت من صقور مجلس النواب والشيوخ الجمهوريين الأمريكيين بأنها غير موجودة، وفي أحسن الأحوال متخبطة.. وللحديث صلة.
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، 29 حزيران/ يونيو 2015)