كتاب عربي 21

الدلالات الرمزية لأحكام الإعدام "المصرية" على شهداء وأسرى المقاومة الفلسطينية

1300x600
لم يكن قد مضى أربعة أيام على مقالتي الموسومة بـ "في جذور أزمة المقاومة الفلسطينية"، حينما حكم القضاء المصري بالإعدام على عدد من شهداء وأسرى المقاومة الفلسطينية، كان بعضهم فقط من المنتمين لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وهو ما يتسق مع تأكيدي المستمر بأن مشكلة عبد الفتاح السيسي مع حماس لا تتعلق أبدًا بمرجعيتها الإخوانية، وإنما تتعلق أساسًا بكونها العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة، والحركة التي أدارت قطاع غزة على نحو حوّله إلى قاعدة للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، ومن ثم فإن العامل الإخواني مجرد ذريعة يتغطى بها هذا النظام في حربه على المقاومة الفلسطينية.

 إن كسر العمود الفقري للمقاومة، ونسف البيئة التي أوجدتها حماس لعمل بقية فصائل المقاومة، يغني عن اتخاذ موقف عدواني مكشوف تجاه بقية فصائل المقاومة، وأكثر من ذلك يمكن في المقابل لهذا النظام بناء علاقات مع بعض فصائل المقاومة تقوم على قاعدة النكاية والكيد واللعب على التناقضات، دون أن تتحول أبدًا عن طابعها الإعلامي اللفظي التافه إلى علاقات إيجابية تفضي إلى رفع الحصار عن قطاع غزة، وغض الطرف عن تسلح تلك الفصائل، بل إن هذا النظام في لحظة ما يعجز عن اللعب المرن في سياق وظيفته الأساسية، فيرتد إلى الأداء الوظيفي الصارم الذي يجعل كل المقاومة وحدة موضوعية واحدة لا يمكن التمييز بين مفرداتها طالما أنها تؤذي العدو الصهيوني، ومن هنا جاء الحكم بالإعدام لا على شهداء وأسرى حماس فقط، بل وأيضًا على الشهيد حسام الصانع، الذي ينتمي لحركة الجهاد الإسلامي!

ما هو ضروري قوله، أن سياسات نظام عبد الفتاح السيسي تتجاوز التناقض الحتمي بين الدولة العربية والمقاومة الفلسطينية الذي حاولت المقالة الماضية شرحه، إلى الارتباط العضوي بالكيان الصهيوني. ودون هذا الارتباط المفترض تبدو كل المحاولات التفسيرية  لممارسات نظام السيسي هشة ولا تقوى على حمل هذه الممارسات، بما في ذلك تلك التفسيرات التي تذهب إلى أن السيسي يعمل على تسويق نفسه لدى الصهاينة بهدف الاستفادة من نفوذهم في دعمه لدى القوى الغربية، فالاستفادة من النفوذ الصهيوني لا تتطلب الوصول إلى هذا المستوى الذي بلغه عبد الفتاح السيسي ولم يصله أحد قبله من حكام مصر، وهو الأمر الذي يدعو إلى التوسل بفرضيات أخرى تدعمها الوقائع الصارخة، وتفيد أن هذه الممارسات لا يمكن أن تصدر عن شخصية تنتمي إلى التراب العربي، ولا تتورط بعلاقات مريبة وغامضة مع العدو الصهيوني.

ما يدعو للعجب، ليست ممارسات نظام السيسي، فهي مستهجنة من حيث الأصل، من حيث ما ينبغي أن تكون عليه الأمور، لكنها ليست مستغربة من حيث ما هو واقع، وبالنظر إلى طبيعة الصراع، وإلى الاشتغال الاستخباراتي التاريخي للصهاينة على المنطقة العربية، والذي كان يطمح دائمًا، وبكل تأكيد، إلى وضع أشخاص محددين على رأس هرم السلطة في هذا البلد العربي أو ذاك، ومن ثم وبملاحظة ظروف التجزئة العربية، ومستوى الانحدار والتردي في المؤسسات الدولانية للدول العربية، ولا سيما مصر التي كشفت أحداثها من بعد الانقلاب عن اهتراء مرعب في كامل أنسجتها، فمن المحتمل جدًا أن يكون الصهاينة قد حققوا نجاحات لافتة في هذا الصدد، وبالتالي فإن المستغرب في الحقيقة تغييب هذا العامل تمامًا عن محاولة تفسير عدوانية النظام الانقلابي تجاه المقاومة الفلسطينية.

إن المتتبع لمسار هذا الانقلاب، وخاصة من جهة سلوكه المعادي للمقاومة الفلسطينية، وجرأته على الولوغ في الدم المصري، وحرصه على تحطيم كل عناصر القوة والمناعة في الأمة، لا يمكنه إلا أن يحذر مما هو أخطر وأبعد، فهذه الفرصة لا يمكن للصهاينة ومن موقع قلقهم الوجودي المزمن إلا العمل على استنفادها في أكثر الأشكال كثافة.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الصهاينة للاستفادة من فرصتهم هذه بأقصى طاقتهم، وبأشد ما تحتمله الفرصة، يعلنون وعلى نحو رمزي بأنهم اليوم يحكمون على المقاومة الفلسطينية بالإعدام من القاهرة، وبالرغم من كل ما يمكن قوله عن اهتراء المؤسسات الأمنية والقضائية المصرية التي تدين مقاومين فلسطينيين استشهدوا أو اعتقلوا بسنوات قبل الأحداث محل الحكم، فإن النظام المصري الراهن يعلن وعلى نحو رمزي عن هويته ووظيفته، وربما عن خطواته القادمة التي يؤسس لها بمثل هذا الحكم.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع