عندما علمت بملابسات اعتقال "حذيفة"، وشقيقه "محمد"، نجلي صديقنا الدكتور "حمزة زوبع"، قلت إن الاعتذار للأول بات واجبا ولا يسقط بالتقادم.
أصل الحكاية، أن "حذيفة"، سبق له أن أصدر بيانا في ديسمبر الماضي، اتهم فيه جماعة
الإخوان بالعجز والفشل، وسخر من كلام قيل عن أن الانقلاب يترنح، ونسبه للإخوان. ولأن الأذرع الإعلامية احتفت بالبيان، ولأن الثورة المضادة روجت له، ولأن الكلام جاء في سياق حملة تستهدف السخرية من الثورة، في شكل الهجوم على الإخوان، لاسيما من الذين يؤمنون بالثورة على حرف، ومن المتذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء، فقد كتبت مقالا حادا في الرد عليه، وهي حدة عن طبع لا عن قصد، يشفع لها أنها كانت موجهة لمن يمثلون تيار الانبطاح الثوري، وإن بدت بظاهر المكتوب موجهة لشخص "
حذيفة زوبع".
عندما كتبت ما كتبت، كنت أظن أن "حذيفة" ممن هم أيديهم في الماء مثلي، ويعطون دروساً من مقاعد المتفرجين، فلست مشغولا بالدفاع عن الإخوان وعن ممارساتهم، وقد كنت ضد كثير من هذه الممارسات وهم في السلطة، كما أن ممارساتهم بعد الانقلاب يؤخذ منها ويرد، لكن كثير من الهجوم عليهم، لا يبتغي وجه الله والثورة، لكنه ينطلق ليخدم أهداف الانقلاب ويكمل رسالته الإعلامية، فقد كنت من خصومهم سياسيا، وعندما ظننت أن "ميدان التحرير" وحد بين كل من احتشدوا فيه على مدي ثماني عشرة يوما، جاءت ممارستهم محبطة.
لكنهم الآن هم من يقودون الثورة، ومن يتصدرون المشهد دفاعا عن الشرعية، ولو آثروا السلامة لتوقف الحديث كلية عن الثورة، ولصار جل مطالب من كانوا ثوارا هو تعديل قانون التظاهر، بما يسمح لهم بأن يمارسوا نضالهم في القاعات المكيفة، وليس في الخلاء!
ملابسات اعتقال "حذيفة" وشقيقه "محمد"، أكدت أن النقد الصادر عن الأول جاء من خندق الثورة، وإن احتفى به إعلام الثورة المضادة واعتبره رمية بغير رام، والفتى الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، كان يكتب بعاطفته، فلم يعلم من سيوظف رسالته وفي أي اتجاه!
بيان المتحدث الإعلامي باسم وزارة الداخلية، جاء ليؤكد بأن القبض على "حذيفة" وشقيقه لم يكن على سبيل الاشتباه والتحري، لكن لمشاركتهما في مظاهرة ضد الانقلاب في أحد أحياء القاهرة، على نحو كشف أنه عندما كتب نقده للإخوان، واتهامه لهم، كان يفعل هذه من مواقع الثوار ومن أرض المعركة، فلم يكن من الذين يبغون عرضاً قريباً وسفراً قاصداً، بما كتب.
وما يعنيني هنا هو الموقع الذي اعتقل منه "حذيفة زوبع"، فقد كان يشارك في مظاهرة ضد الانقلاب وداعية لعودة الشرعية، لكنه لم يكن هو وشقيقه وحدهما، فقد كان هناك المئات من المتظاهرين لم يتم اعتقالهم، وجاء بيان وزارة الداخلية، ليكشف عن الدوافع وراء استهدافهم بعملية القبض عليهما، وهذا هو "بيت القصيد"!
البيان، لم يتجاهل الهدف بل أكده، وليس كل معتقل تصدر وزارة الداخلية بياناً بملابسات اعتقاله. وجاء البيان كاشفاً عن أننا أمام تطبيق لنظرية "الرهائن"، وباستغلال وجود "حذيفة" وشقيقه في مظاهرة، للانتقام من شخص والدهما الدكتور "حمزة زوبع"، حيث قال البيان إن المقبوض عليهما هما "نجلي القيادي الاخواني الهارب ومقدم البرامج في قناة مكملين الإخوانية".. يكاد المريب أن يقول خذوني!
لا أعرف كيف هرب "زوبع"، وهل كان هروبه بأن ركب الناقة وشرخ من الصحراء الغربية لصحراء نجد، ولماذا هرب ولم يكن مداناً وقت خروجه من مطار القاهرة؟!
لم أكن أعلم حقيقة أن "زوبع الأب" هو قيادي بجماعة الإخوان المسلمين، وإن كنت أعلم أنه ينتمي لها، بيد أنه الأكثر قدرة على هزيمة الانقلابيين، ربما لأنه ليس ملتزماً بالخطاب الإخواني الدعوي المتسامح، الذي لا يصلح في زمن الثورة.
ولم يكن يتخلى القوم عن هذا الخطاب سوى في التعامل معي في جريدتهم "آفاق عربية"، التي كانت تصدر قبل
ثورة يناير، وأغلقت قبلها أيضاً، فانحزت للعاملين فيها ضد قرار الأمن بإغلاقها، وكانت لا تصدر في كل أسبوع دون أن تحمل نقداً لاذعاً ومتجاوزا للتقاليد الصحفية ضدي، بعد ذلك عرفت أن من كان يحرر هذا النقد، هو "محب" وليس من الجماعة، لكنهم كانوا يستملحونه وفق قاعدة: "رب منا وليسوا فينا.. ورب فينا وليسوا منا" المنسوب للإمام حسن البنا.
اللافت في بيان وزارة الداخلية، ليس فقط في أنه جعل من "زوبع الأب" قياديا في جماعة الإخوان، ولكن في القول إن قناة "مكملين" إخوانية، مع أن الجنين في بطن أمه يعلم أن الجماعة لا تملك سوى قناة "
مصر الآن"، أما "مكملين"، و"الشرق"، و"رابعة"، فقنوات لا علاقة لها بالإخوان.
لكن لا بأس، فقد كان إعلام الثورة المضادة يتحدث عن صاحب "الشرق" الدكتور "باسم خفاجي" على أنه قيادي بجماعة الإخوان، في وقت كنا نعلم أن بينه وبين الجماعة ما صنع الحدادون في مصر والشرق الأوسط، وقد أغلقت قناته أكثر من مرة بسبب تعثرها مالياً، وأكدت الأزمة الأخيرة أنها ليست فضائية إخوانية!
ولاشك أنني كنت اعتقد أن الفضائيات الداعمة لقضية الشرعية، ليست مؤثرة، على نحو يزعج سلطة الانقلاب، لكن عملية القبض على "نجلي زوبع" أكدت أنها مزعجة، كما أن البرنامج اليومي على "مكملين" للدكتور حمزة يزعجهم كثيراً فكان الانتقام منه باعتقال نجليه.
لقد تملكت داخلية الانقلاب شهوة الانتقام، بشكل كان سبباً في أنهم أكدوا لنا أن "حذيفة" الذي احتفوا ببيانه سالف الذكر، منا وليس منهم، وأن قسوته كانت مدفوعة بإيمانه بالثورة ورفضه للانقلاب، فكان كنزار قباني، وهو يهجو عروبته هجاء المحب، الذي عبر عنه بالقول:
فإذا صرخت في وجه من أحببتهم/ فلكي يعيش الحب والأحباب
وإذا قسوت على العروبة مرة/ فلقد تضيق بكحلها الأهداب
شكرا وزارة الداخلية. وأرجو من "حذيفة" في محبسه أن يتقبل اعتذاري.