كتاب عربي 21

الذين هزموا "داعش" بغير قتال

1300x600
1-

قال عباس العقاد في مقاله الذي حمل عنوان "النكتة المصرية": "عندما تعرضت مصر للهزيمة على يد الرومان أغرق المصريون عدوهم بالفكاهات والنكات، مما اضطر الامبراطور الروماني إلى إصدار قرار بمنع اشتغال المصريين بالمرافعات القضائية لخلطهم بين الجد والهزل"، كما قال "الجبرتي" في أحد كتبه إن نابليون بونابرت استخدم الفتاوى الدينية لتحريم نكات المصريين ضده بعدما وصل بهم الأمر إلى صنع تماثيل من الحلوى له ولجنوده بغرض الاستهزاء بهم.

كلما كان العدو أكثر إجراما كلما كانت مواجهته بالسلاح غير كافية، فقبل أن تقابله في المعركة عليك التسفيه من قوته وهز ثقته في نفسه وتحويل الخوف منه إلى ضحك عليه، ومن هنا تصبح المواجهة العسكرية أخف وطأة عليك، وأثقل عليه.
 
2-

"صليل الصوارم" كتبت هذه الجملة على موقع "جوجل" متوقعًا ظهور عدد كبير من فيديوهات الذبح والقتل بعدما جعل تنظيم داعش هذا النشيد هو الخلفية الصوتية لغالبية عملياته الإرهابية، لكن النتائج كانت مذهلة.

(3 فتيات يرقصن على صليل الصوارم)، (أشهر 10 فيديوهات ساخرة من صليل الصوارم)، (مهرجان صليل الصوارم)، (صليل اللمبي)، (شاهد رقص أحمد حلمي وخالد الصاوي على صليل الصوارم)، (صليل الصوارم النسخة الشعبية)، (صليل الصوارم في مدرسة عاشور)..

هكذا ببساطة، حول شاب مصري النشيد الجهادي الأشهر والأكثر رعبا إلى مهرجان شعبي، ثم تلقف المصريون المهرجان الجديد وأنتجوا به كمية هائلة من فيديوهات الرقص والسخرية، وركبّوه على مقاطع الرقص في الأفلام، وكانت المحصلة أن أي إرهابي سيبذل مجهودا كبيرا للوصول إلى نشيد صليل الصوارم الحقيقي بين عشرات الفيديوهات الراقصة والساخرة.
 
3-

عندما وضع تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة داخل قفص حديدي وقام بحرقه حيا، كان يقصد أن يصل الأدرينالين إلى أعلى مستوياته عند كل من يشاهد الفيديو، ومن ثم يزرع الخوف في نفوس خصومه وأعدائه بحيث يستسلمون أمامه دون قتال خوفا من أن يلاقوا نفس المصير.

كان الفيديو صادما فعلا، وأثار الفزع في نفوس كل من شاهده أفرادا ودولا، وحرك مخاوف حقيقية من وصول التنظيم إلى درجة غير مسبوقة من الإجرام، وتحركت جيوش وطائرات حربية للرد على الجريمة، وبدأت تحالفات تتشكل وتتجاوز خلافاتها لصد خطر التنظيم، لكن كيف جاء الرد المصري؟

أحمد وشيماء عروسان من محافظة المنوفية، اختارا أن يحتفلا بزفافهما مع أصدقائهما بطريقة استثنائية، تم وضع قفص مشابه للذي أُحرق فيه "الكساسبة" داخل قاعة الزفاف، وارتدى الأصدقاء أقنعة سوداء داعشية وأمسكوا بالسيوف، ثم اقتادوا العروسين إلى داخل القفص، ثم بدأت وصلة رقص جنونية على أنغام الأغاني الشعبية المصرية.

قال أحمد، وهو طبيب حديث التخرج، في تصريحات صحفية إنه كان يبحث عن فكرة مبتكرة لتنفيذها في زفافه، فوجد المصريين يسخرون من تنظيم داعش الإرهابي من خلال الرقص على أنشودة صليل الصوارم، فأراد هو أن يسخر من فكرة "قفص الحرق"، وأضاف: "داعش لن يمنعنا من الفرحة، ولن يهمنا إرهابه".

لو أن لي أمنية واحدة يمكن تحقيقها، سأطلب أن أرى مخرج فيديو حرق معاذ الكساسبة، الذي سهر أياما ليتوصل إلى فكرة تصيب من يشاهدها بأقصى درجات الرعب والفزع، ثم رأى عصارة فكره التخويفي وقد تحول إلى مادة للسخرية.
 
4-

بعد فيديو ذبح المصريين الـ20 في ليبيا راهن تنظيم داعش أن بقية المصريين سيخاصمهم النوم ويجلسون في منازلهم انتظارا لدورهم في الذبح، لكن المصريين وجدوا أن هذا التنظيم ومجرميه أقل من أن يردوا هم عليه، فتركوا هذه المهمة لأطفالهم.

في مدينة المحلة الكبرى وقف عدد من الأطفال يمسكون سيوفا خشبية ويُجلسون أطفالا آخرين في وضع الذبح، بينما كان طفل آخر يلقي بيانا يهدد فيه أهالي المحلة بالذبح، ويتوقف بين الجملة والأخرى ليضحك ويضحك بقية أبطال الفيديو، وفي الأخير يعطي "زعيم التنظيم" إشارة للآخرين بذبح الرهائن، ويحدث ذلك وسط عاصفة من الضحك والسخرية.

لو جلس متخصصون في الحرب النفسية مع عملاء للمخابرات وقادة جيوش لإنتاج فيديو يهز ثقة تنظيم داعش في قدرة فيديوهاته على بث الرعب في النفوس، ما كانوا ليتوصلوا لشيء مختلف عن ما فعله أطفال المحلة وهو يلعبون أمام عمارة تحت الإنشاء.
 
5-

يقولون إن الحرب مع داعش صراع عسكري، وعندما يريد البعض أن يزيد فيقول إنها حرب فكرية أيضا، لكن كثيرين أهملوا أهمية الحرب النفسية في هذا الصراع.

يجيد تنظيم داعش الحرب النفسية ويمارسها يوميا بفيديوهاته وتغريدات أعضائه على مواقع التواصل الاجتماعي، يريد دوما أن يبث الرعب في نفوس خصومه ويصوّر نفسه وحشا لا يرحم من يقف في طريق مشروعه، وفي المقابل كان جانب الحرب النفسية يلقى إهمالا كبيرا من خصوم داعش الذين يكتفون بمواجهة عسكرية غير مكتملة، ومواجهة فكرية فاشلة، حتى نبه المصريون العالم إلى أهمية هذا الجانب.

القاعدة المصرية تقول: إذا بذل عدوك جهدا كبيرا وأنفق أموالا طائلة لإخافتك، فالحل بسيط، لا تخف.

هذه القاعدة يبدو أن المصريين أهدوها للغرب، فخلال اليومين الماضيين نشرت الصحف الأمريكية والأوروبية عشرات التقارير عن التجربة المصرية في السخرية من داعش، ونبهت إلى أهمية هذا الجانب في الحرب الدائرة مع التنظيم، وقد يلتقط الغرب طرف الخيط من مصر ويصنع سياسات واستراتيجيات كاملة في الحرب النفسية المضادة بعد أن يضيف إلى الفكرة العلم والتقنية.

وضع المصريون أول مسمار في نعش هيبة داعش، لكن حين تنتهي الحرب على التنظيم بالنصر، يجب أن تذكر البشرية اسم كريم فاروق، الشاب المصري الذي حوّل تنظيما دمويا إلى مجرد نكتة!