نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا من إعداد هيو تايلور وسوزان هيدموس، حول المعتقلة لدى السلطات اللبنانية
سجى الدليمي، الزوجة السابقة لأبي بكر
البغدادي، وما رشح من معلومات نتيجة التحقيق معها، وكيف تقمصت شخصية لاجئة سورية بينما كانت تقوم بتحويل آلاف الدولارات إلى تنظيم
الدولة الإسلامية، بحسب مسؤولين عسكريين لبنانيين.
ويشير التقرير إلى أن الدليمي قامت بتزوير وثائق تبين أنها سورية اسمها ملك عبدالله، واكتشف المسؤولون بعد ذلك بأنها سجى الدليمي، عراقية تزوجت من أبي بكر البغدادي لفترة قصيرة قبل ست سنوات، وكانت قوات الأمن قد اعتقلت الدليمي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر مع ابنتها.
وتبين الصحيفة أن هذا الاعتقال والتحقيق كشف عن نظرة نادرة تجاه المرأة في حياة المتطرفين الإسلاميين، حيث يعرف عن التنظيمات المتطرفة، مثل الدولة الإسلامية، أنها تحدد مهام النساء في الدور التقليدي كالطبخ للرجال والتنظيف وما إلى ذلك من أعمال منزلية، ولكن التهم الموجهة للدليمي تشير إلى أن النساء بدأن بأداء أدوار خطيرة داخل تلك التنظيمات.
ويرجح التقرير أن تكون الدليمي تزوجت من ثلاثة أزواج على الأقل، وعاشت في عدة بلدان في المنطقة، بحسب المسؤولين العسكريين. وتوصف بأنها قوية الإرادة ومستقلة، ويقول المسؤولون العسكريون إنها حولت مئات آلاف الدولارات على مدى السنة المنصرمة للمتطرفين السنة على الحدود مع لبنان.
وتنقل الصحيفة عن أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة "لندن سكول أوف إكونومكس"، فواز جرجس، قوله إن الدليمي ليست المرأة النمطية، ووصفها بأنها "بدرجة شرف جهادي" في نظر مثل تلك التنظيمات. مضيفا أن هناك نساء أخريات يقمن بعمليات انتحارية، أو يساعدن في جمع المعلومات، أو توزيع الأموال لمثل تلك المجموعات المتطرفة.
ويذكر التقرير أنه تم توجيه تهمة تمويل الإرهاب للدليمي في محكمة عسكرية، ومنعت من تعيين محام للدفاع عنها.
ويقول ضابط المخابرات العسكرية، الذي يحقق مع الدليمي، إن أعضاء المنظمات الإرهابية يرسلون عائلاتهم للعيش في لبنان؛ لأنه مكان آمن، ومن السهل الدخول إليه بشكل غير شرعي، والسلطات اللبنانية قلقة من أن البلاد قد تتعرض للمزيد من العنف، الذي يعصف بشعوب المنطقة، بحسب الصحيفة.
ويعتقد الكاتبان أن عائلات المتطرفين تمكنت من الذوبان بين 1.1 مليون لاجئ سوري دخلوا لبنان، الذي لا يزيد عدد سكانه على أربعة ملايين نسمة.
ويعلق المسؤول العسكري للصحيفة أنه "لذلك كان من السهل على الدليمي، وهي في الثلاثينيات من العمر، الدخول إلى لبنان، حيث تقمصت شخصية لاجئة سورية في مدينة
عرسال شمال لبنان".
ويورد التقرير قول أحد سكان المدينة إن الدليمي عاشت مع اللاجئين السوريين، ولم يكن الناس يعرفون هويتها الحقيقية، فالمدينة الجبلية تزخر بالخيام للاجئين السوريين، الذين يعتقد بأن عددهم في المدينة فاق عدد سكانها الأصليين، والبالغ حوالي 350 ألف لبناني.
وتنقل "واشنطن بوست" عن إحدى ساكنات المدينة، وقد اشترطت عدم نشر اسمها، قولها إن الناس هناك يعلمون أن زوجات المقاتلين المتطرفين وعائلاتهم موجودون بين اللاجئين في عرسال؛ لأنه ليس هناك مكان آخر يستطيعون تركهم فيه.
ويذهب الكاتبان إلى أن قصة حياة الدليمي تعطي لمحة عن ثقافة التطرف في
العراق وسوريا في السنوات القليلة الماضية. ويشيران إلى أن الدليمي تزوجت البغدادي قبل ست سنوات، الذي أصله من سامراء شمال بغداد، وليس واضحا إن كانت هي أيضا من سامراء، أو من إقليم الأنبار المجاور.
ويقول الشيخ حسن الدليمي، من العشيرة ذاتها، إن زواجهما لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر، ولم يكن متأكدا من تاريخ زواجهما.
ويلفت التقرير إلى أنه، بحسب المسؤولين اللبنانيين، فإن والد سجى يدعى حميد الدليمي، وهو من دفعها لهذا الزواج، وقد يكون لأسباب سياسية، كما يحصل بين العشائر هناك.
وتستدرك الصحيفة بأن المحلل لبيب القمحاوي في الأردن يقول إنه قد يكون البغدادي هو من دفع باتجاه هذا الزواج؛ بسبب سمعة عشيرة الدليمي، مشيرا إلى أن العادات العراقية التقليدية تسمح بسهولة بالطلاق.
ويقول المسؤولون العسكريون اللبنانيون إن الدليمي امرأة جميلة، وكانت في نفسية قتالية خلال التحقيق معها "فهي ملتزمة بما تعتقد به". مضيفين أنها كانت متزوجة من رجل آخر قبل البغدادي، ولها منه ولدان، أما ابنتها البالغة من العمر خمسة أعوام فهي ابنة البغدادي، وفق التقرير.
ويتابع المسؤولون اللبنانيون للصحيفة أن عددا من أعضاء عائلة الدليمي يشاركون في أنشطة المتطرفين في العراق وسوريا، وأن والدها قد أعطى البيعة للدولة الإسلامية، وأنه قتل قبل حوالي عام، وهو يقاتل بالقرب من مدينة حمص.
ويذكر التقرير أن سجى تم اعتقالها في سوريا في تلك الفترة، بالقرب من حمص، حيث كانت تعيش مع أبيها وأختها، وفي شهر آذار/ مارس 2014، كانت من بين 150 شخصا أطلقت الحكومة السورية سراحهم، في تبادل مع راهبات كن بيد جبهة النصرة، وانتقلت بعدها إلى لبنان.
وتورد الصحيفة أنه، بحسب السلطات اللبنانية، فإن الدليمي نقلت الأموال على الحدود السورية.
وفي آب/ أغسطس قامت مجموعة تابعة لجبهة النصرة بمحاصرة عرسال، وعادوا إلى سوريا بعد أن اختطفوا عشرين جنديا.
وبحسب مسؤول كبير في المخابرات العسكرية اللبنانية، أشرف على التحقيق مع الدليمي في مقر وزارة الدفاع في بيروت، فإن الدليمي "كانت تستخدم البنوك لتحويل الأموال للمتطرفين".
ويوضح الكاتبان أن المخابرات اللبنانية اكتشفت نشاط الدليمي من خلال إشارة من مؤسسة استخبارات غربية، بحسب المسؤولين الأمنيين الذين رفضوا الكشف عن هوية تلك المؤسسة.
وينقل التقرير عن المسؤول الأمني الكبير قوله إنه أجريت فحوص الحمض النووي "دي إن إي" على الدليمي والطفلة التي وجدت معها، وأن المخابرات حصلت على عينة حمض نووي من البغدادي بمساعدة المخابرات الأمريكية، حيث كان البغدادي مسجونا قبل عشرة أعوام لدى القوات الأمريكية، التي كانت تأخذ عينات الحمض النووي من المعتقلين كلهم، وأكد وزير الداخلية اللبناني الشهر الماضي نهاد مشنوق أن الدليمي هي زوجة سابقة للبغدادي، وأن الطفلة الصغيرة هي ابنتهما.
وتذكر الصحيفة أن السلطات اللبنانية اعتقلت أهالي مقاتلين متطرفين آخرين، وبينهم زوجة وأولاد مقاتل في تنظيم الدولة الإسلامية اسمه أنس شركس، ويعرف بـ "أبو علي" الشيشاني، وقد اعتقلت عائلته منذ وقت قريب، حيث كانوا يقطنون قرية ذات غالبية مسيحية في شمال لبنان، ولم توجه أي تهمة للزوجة، ويبدو أنه ليس لديها نشاط متطرف، وقد تحتفظ السلطات بالعائلة للتفاوض حول الجنود المختطفين، حيث يقال إن الشيشاني كان متورطا في عملية الاختطاف.
ويفيد التقرير بأن الشيشاني قد هدد الأسبوع الماضي بأن يختطف نساء وأطفالا لبنانيين، إن لم تطلق السلطات سراح عائلته. أما البغدادي فلم يصدر عنه تهديد مشابه بخصوص زوجته السابقة وابنته.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه، بحسب المسؤولين اللبنانيين، فإن الدليمي انتقلت إلى علاقة أخرى، حيث اتصلت برجل فلسطيني في المخيمات، عرف عنه تورطه في الأنشطة المتطرفة، وذلك بعد وصولها إلى لبنان العام الماضي، وألقت السلطات القبض عليه بتهمة مساعدتها في تمويل المتطرفين، وقالوا إن الدليمي حامل منه الآن.