مثّل 2013 عام صدمة لجماعة
الإخوان المسلمين في
مصر، بما شهده من مجازر بشعة ارتُكبت بحق أنصارها، راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين، لكن الإخوان نجحوا في
2014 في تجاوز تلك المحنة، التي ربما كانت الأصعب على الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، وفق مراقبين.
وعلى عكس توقعات الكثيرين بأن ينفرط عقد الجماعة، وتنتهي بلا رجعة، تمكّن الإخوان من الحفاظ على تماسكهم، وأعادوا هيكلة الجماعة، لتعويض غياب الصفين الأول والثاني، بعد اعتقال ما يقارب خمسين ألفاً من أعضائها وقياداتها.
وعادت الجماعة إلى مزاولة أنشطتها الداخلية، حيث انتظمت الأسر الإخوانية واللقاءات التنظيمية من جديد، مع العودة لما يجيده الإخوان من العمل السري، والتخفي بعيدا عن أعين أجهزة الأمن، بحسب ناشطين من الجماعة.
التحالف يترنح
وشهد عام 2014 انسحاب أربعة تكتلات كبيرة من التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب -الذي يتزعمه الإخوان- ففي يوم 28 آب/ أغسطس، أعلن "حزب الوسط" انسحابه، تلاه "حزب الوطن" يوم 17 أيلول/ سبتمبر، وأكدا أن خروجهما من التحالف تم بعد تشاور مع الإخوان، لرغبتهما في العمل من خلال أفق سياسي أرحب، وأكدا عدم تنازلهما عن الشرعية ومناهضة الانقلاب.
وفى 5 كانون الأول/ ديسمبر، انسحبت الجبهة السلفية بعدما اتهمت الإخوان بخذلانها في دعوات التظاهر يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، التي عرفت باسم "انتفاضة الشباب المسلم".
وأخيرا جاء انسحاب حزب "الاستقلال" الأكثر صخبا، حيث شن رئيسه مجدي حسين -من داخل المعتقل- هجوما على "الإخوان"، واتهمها بالسيطرة التامة على التحالف، وأنها تهدف من وراء حراكها الثوري إلى عودة الرئيس محمد مرسي والجماعة للحكم فقط، وفق تفاهمات مع أمريكا والغرب، على حد قوله.
وعلى عكس توقع الكثيرين -خاصة من خصوم الإخوان- بانهيار التحالف وتفككه، إلا أن هذا لم يحدث، وظل التحالف قائما حتى الآن، لكن دون تأثير حقيقي على مجريات الأحداث في مصر، ولم يبق مع الإخوان -فعليا- سوى الجماعة الإسلامية، وعدة أحزاب إسلامية صغيرة، مثل الأصالة والفضيلة، وسط تكهنات بانسحاب الجماعة الإسلامية قريبا من التحالف.
لا توافق مع الثوار
وبالتزامن مع خروج الأحزاب الإسلامية من التحالف مع الإخوان، فشلت الجماعة أيضا في إيجاد قاسم مشترك يجمعها مع رفقاء ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، رغم تصاعد دعوات التوحّد، عقب تبرئة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ورفضت الحركات الثورية الاشتراك مع الإخوان في أي فعاليات ما لم تتخلّ الجماعة عن رفع شعار رابعة، أو المطالبة بعودة الرئيس مرسي، وهو ما رفضه الإخوان بشدة.
وخلال عام 2014، حدث تراجع ملحوظ في قدرة الإخوان على حشد الجماهير للمشاركة في الفعاليات المناهضة للانقلاب، فبعد أن كانت مسيرات الجماعة تشهد مشاركة تصل إلى عشرات الآلاف في المحافظات المختلفة، نجحت قوات الأمن في تقليص أعداد المشاركين لتصبح بالمئات فقط، في مسيرات تجوب الشوارع الجانبية، لتفادي الصدام مع الشرطة التي لم تتوان عن استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين في عشرات المرات.
تأسيس المجلس الثوري
في 8 آب/ أغسطس الماضي، أسست الجماعة في إسطنبول "المجلس الثوري المصري"، بالتعاون مع عدد من القوى والشخصيات المعارضة للنظام المصري -من داخل وخارج تحالف دعم الشرعية- ليكون ذراعا سياسيا لرافضي الانقلاب في الخارج.
وأعلن البيان التأسيسي للمجلس أن الهدف من إنشائه هو تحقيق أهداف "ثورة يناير"، وإسقاط "نظام 3 يوليو"، والعمل على إدارة الدولة في مرحلة ما، بعد سقوط عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري.
وفي 7 أيار/ مايو، تم الإعلان عن "وثيقة بروكسل"، بهدف لمّ شمل "ثوار يناير"، تلاها في "25 مايو" تدشين عدد من الشخصيات المعارضة، في مقدمتهم السفير إبراهيم يسري والدكتور سيف الدين عبد الفتاح، والشاعر عبد الرحمن يوسف، لـ "بيان القاهرة"، دعوا من خلاله إلى الاصطفاف الوطني لمقاومة "الدولة البوليسية"، إلا أن الكيانين لم يحققا الهدف المنشود منهما.
وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، دعا تحالف دعم الشرعية إلى مشاورات لعقد اجتماع مشترك مع "كل قوى الثورة الفاعلة"، لمواجهة الثورة المضادة بعد تبرئة مبارك، لكن شيئا لم يتغير على الأرض.
وكانت آخر محاولات التوحّد، دعوة الدكتور أيمن نور، وهو زعيم حزب "غد الثورة"، لتشكيل كيان جديد، يحمل لواء "ثورة يناير"، إلا أن دعوته لم تجد استجابة تذكر.
قطر تتخلي عن الإخوان
وخلال عام 2014، تخلّت قطر بشكل تدريجي عن الإخوان، حيث بدأت بعد انتخاب السيسي، في انتخابات وصفت بالمسرحية، رئيسا لمصر، بطرد قيادات من الجماعة خارج حدودها، استجابة لضغوط خليجية، وفق ناشطين.
وشهد شهر كانون الأول/ ديسمبر أكبر تحوّل في السياسة الخارجية لقطر، حيث قامت بالتصالح مع نظام السيسي -بوساطة سعودية- أسفرت كذلك عن إغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر"، وهو ما مثّل ضربة قوية للجماعة.
وشهد عام 2014 أحكاما عرفت بقساوتها على قيادات وأعضاء الإخوان لم يعرف القضاء المصري طوال تاريخه مثلها، وصلت إلى حد الإعدام الجماعي لمئات المعتقلين، والسجن مدى الحياة لمئات آخرين، بتهم متعلقة بـ"ارتكاب أعمال عنف، والتظاهر دون ترخيص"، في محاكمات شكك كثيرون في الداخل والخارج في نزاهتها.
وبينما رفضت الإدارة الأمريكية اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، أخذت الإمارات والسعودية موقفا مغايرا، حيث قامتا بتصنيفها جماعة إرهابية.
فيما أعلنت بريطانيا إجراء تحقيق شامل لمراجعة مواقف الجماعة وسياستها، قبل إعلان موقفها من الإخوان، في تقرير تأخّر إصداره عدة أشهر.
وطرحت العديد من المبادرات للتصالح بين الإخوان والنظام، من بينها مبادرات للدكتور كمال أبو المجد، والدكتور حسن نافعة، والنائب البرلماني محمد العمدة، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وجميعها باءت بالفشل.