نيويورك تايمز: أميركا وإيران تعاون مؤقت أم دائم؟ - أ ف ب
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن طائرات إيرانية قامت بالإغارة على مواقع متطرفين في العراق أخيرا، بحسب تأكيدات لمسؤولين إيرانيين وأميركيين، معلنة بذلك استعدادها للقيام بعمليات عسكرية خارج حدودها بنفسها بدلا من استخدام وسطاء.
وتشير الصحيفة في تحليل لـ "تيم أرانغو" و"ثوماس إردببنك" إلى أن هذا التحول لم يأت فقط من تعمق الدور الذي تلعبه إيران في الحرب ضد هذه الحركة السنية المتطرفة، ولكنه يعكس تحولا في الاستراتيجية الإيرانية من اللعب خلف الستار إلى استخدام القوة المباشرة في سبيل تعزيز النفوذ الشيعي في المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إيرانيين وأميركيين تأكيدهم أن إيران رفعت من وتيرة عملياتها في العراق الأسبوع الماضي، مستخدمة طائرات حربية تعود لحقبة السبعينيات من القرن الماضي في منطقة عازلة تمتد 25 كيلومترا داخل العراق.
وتقول الصحيفة إن هذه العمليات العسكرية تعكس أيضا التقاء غير عادي في المصالح الإيرانية والأميركية في العراق وسوريا، حيث يجد الطرفان نفسيهما يحاربان العدو نفسه وبشكل علني، ولا يوجد هناك أي تنسيق مباشر بين البلدين، ولكن هناك اتفاق عدم اعتداء مشتركا فرض نفسه، ولا يريد أي من الطرفين الاعتراف به.
وينقل التقرير عن الأدميرال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون، قوله: "لدينا عمليات جوية فوق العراق، وهذه نقوم بها بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وهي المسؤولة عن إبقاء أجوائها خالية من أي صراعات".
ويلفت التقرير إلى أن إيران استمرت لأشهر عديدة تستعرض مخالبها العسكرية في المنطقة؛ من عرضها تسليح الجيش اللبناني إلى دعمها للحوثيين الذين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء، حيث انفجرت سيارة مفخخة في مسكن السفير الإيراني يوم الأربعاء.
ويتابع التقرير أنه في سوريا قام حزب الله، الذي تدعمه إيران وفيلق القدس الإيراني بمساعدة بشار الأسد في البقاء في الحكم. وفي العراق ظهر الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس علنيا بعد أن كان يعمل في الخفاء في تخطيط عمليات إرهابية، كان جنود أميركيون في العراق بعض ضحاياها.
وترى الصحيفة أن التحول الواضح في الاستراتيجية الإيرانية كان أوضح ما يكون في العراق، حيث يعترف المسؤولون الأميركيون بالدور الحاسم الذي تلعبه الميليشيات المدعومة إيرانيا هناك، وتحديدا حماية بغداد من هجوم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى مساعدة الحملة الجوية التي تقودها أميركا.
ويجد الكاتبان أنه رغم أن الدور العسكري الذي تلعبه إيران أثبت ضروريته في وقف تقدم الدولة الإسلامية، إلا أن المسؤولين الأميركيين قلقون من أن يتسبب هذا التدخل بزعزعة الاستقرار في العراق وتعميق الخلافات الطائفية، فالسنة العراقيون يتهمون الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا بارتكاب جرائم طائفية؛ ولذلك فهم مترددون في دعم الحرب ضد المتطرفين السنة.
وبحسب الأدميرال كيربي:"رسالتنا لإيران هي ذاتها اليوم كما كانت عندما بدأت، وهي ذاتها لأي جار في المنطقة يحارب تنظيم الدولة، وهي أننا لا نريد فعل شيء يزيد من التوترات الطائفية في البلاد"، وفق التقرير.
ويبين التقرير أن الأدميرال كيربي أقر بحصول الغارات الجوية الإيرانية بشكل غير مباشر، حيث قال: "ليس هناك سبب للاعتقاد بأن التقارير حول الموضوع غير صحيحة"، مضيفا "إنها تبدو إلى الآن محدودة".
وتفيد الصحيفة أن تلك الغارات تمت في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في منطقة ديالي شرق العراق، حيث الأراضي الإيرانية هي الأقرب لساحة المعركة، بحسب ما أكده السياسي الإيراني حميد رضا تاراغي. كما أكد وجود منطقة عازلة وافق عليها العراقيون.
وقال تاراغي "لا نحتمل أي تهديدات داخل المنطقة العازلة، وهذه التهديدات كانت في محيط المنطقة العازلة"، مبينا أن "الغارات قتلت العشرات من المقاتلين المتطرفين".
ويعتقد الكاتبان أنه من الضروري أن يكون هناك المستوى الأدنى من التنسيق العسكري بين أميركا وإيران، ولكن التنسيق يحرج الطرفين، فيتم هذا التنسيق عن طريق الضباط العراقيين.
وتذكر الصحيفة أن القادة العراقيين يقولون إن إيران في العادة أسرع من أميركا في تقديم المساعدة، حيث كانت الدولة الأولى التي ألقت بثقلها عندما احتلت الدولة الإسلامية الموصل، فقامت إيران بتسلح الأكراد في الشمال، ودعمت الميليشيات الشيعية الموالية لها في حماية بغداد، بينما اشترط أوباما إصلاحات سياسية قبل أن يلتزم بتقديم أي مساعدة.
ويورد التقرير قول حيدر العبادي في مقابلة تلفزيونية: "عندما هددت بغداد لم يتردد الإيرانيون في مساعدتنا، ولم يترددوا في مساعدة الأكراد عندما هددت أربيل"، مقارنا بين ردة فعل إيران وما فعله الأميركيون، فقال: "على عكس الأميركيين الذين ترددوا في مساعدتنا عندما كانت بغداد تحت طائلة الخطر، وترددوا في مساعدة قواتنا الأمنية".
وأضاف العبادي "والسبب في عدم تردد إيران في مساعدتنا هو أنها ترى في (داعش) تهديدا لها وليس لنا فقط"، بحسب "نيويورك تايمز".
وتنقل الصحيفة عن علي خضيري، المسؤول الأميركي السابق في العراق، قوله: "بالنسبة لإيران فالحقيقة أنها خلعت قفازاتها"، وعلق على الدور المتنامي للجنرال سليماني قائلا: "سليماني هو القائد للبنان وسوريا والعراق واليمن.. العراق ليس ذا سيادة، بل يديره سليماني ورئيسه آية الله علي خامنئي".
ويذهب التقرير إلى أنه مع أن إيران وأميركا عدوان تقليديان، إلا أن أي اتفاق نووي سيتوصلان إليه سيعني علاقات طبيعية أكثر وتعاون أكبر ضد الدولة الإسلامية، وهذه النقطة التي أراد أوباما إيصالها من خلال رسالته لآية الله الشهر الماضي يحضه على توقيع الاتفاق النووي.
ويستدرك الكاتبان بأنه وبرأي أحد المحللين فإن هذه الرسالة ورسالة سابقة من أوباما يتمنى فيها لخامنئي شفاء عاجلا من عملية أجراها قد تكونان أدتا إلى مفعول عكسي أظهرتا أميركا في حالة ضعف، ما جرأ إيران على استعراض عضلاتها بشكل مكشوف.
ويؤكد التقرير ما سبق بعرض قول صحافي إيراني قريب من الحرس الثوري: "عندما يرسل أوباما رسالة لقائدنا يتمنى له شفاء سريعا، فهذا بالنسبة لنا علامة ضعف، وعندما تناقش الرسالة خلال الاجتماعات نستنتج أن أوباما يحتاج إلى صفقة، إنه يحتاجنا.. نحن لا يمكن لنا إرسال رسالة شبيهة له".
وتعلق الصحيفة بأن السياسيين العراقيين يأملون بإتمام اتفاق نووي بين البلدين، الأمر الذي سيساعد في التنسيق بينهما في الحرب على الدولة الإسلامية، فبحسب السياسي العراقي وقائد الميليشيات الشيعية حكيم الزاملي: "لو كان هناك تنسيق بين أميركا والمستشارين الإيرانيين كان يمكن تحرير العراق خلال أسبوع واحد".
وفي المقابل يرى التقرير أن السنة يخشون حصول اتفاق قد يعطي الإيرانيين شرعية دولية، ويزيد من نفوذهم في المنطقة. فبحسب النائب السني مثال الألوسي فاتفاق بين إيران وأميركا يعني أن "أميركا تسلم العراق لإيران".
وتختم الصحيفة بالإشارة إلى أن إدارة أوباما أوضحت أنها ترحب بمشاركة إيران ضد الدولة الإسلامية، ولكنها أكدت عدم وجود تنسيق بين الطرفين.