كتب الصحافي روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت" البريطانية عن وضع اللاجئين السوريين في
لبنان.
ويقول فيسك "كان عبدالله ابن الحادية عشرة يعمل في ورشة بناء، عندما ابتلع بالخطأ مسمارا صدئا، وهو واحد من 200.000 طفل سوري، بعضهم لم يتجاوز عمره الخامسة، يعملون في حقول البطاطا في لبنان، ويقطفون التين في سهل البقاع. وتعرض الكثيرون منهم للضرب بالعصي في وضع يشبه الرق".
ويضيف الكاتب أنه "عندما ستنتهي الحرب في بلادهم، فسيكونون الرجال والنساء، إنهم من سيبنونها حال عودتهم إليها". مبينا أن مشكلة هذا الجيل الباني للبلاد أنه لن يكون متعلما، اضطر للعمل في أعمال السخرة ويعيش في أقذر المخيمات الموجودة في لبنان.
ويروي فيسك أن عبدالله كان يعيش مع عائلته في تل فرحون عندما ابتلع المسمار، ولم يخبر والدته خوفا، وارتكب خطأ كبيرا، حيث توفي متأثرا بالسموم الأسبوع الماضي.
ويلاحظ فيسك أن الصحف اللبنانية لم تكتب عن وفاته شيئا، فكل الاهتمام متركز على قتال الجيش اللبناني لأنصار "داعش" في شمال لبنان، ويمكن للجيش، كما يقول فيسك، الزعم الآن بأنه يخوض حربا ضد "الإرهابيين".
ويتساءل فيسك "عند التجول في الخيام المنصوبة في منطقة البقاع مع الجمعيات غير الحكومية السورية واللبنانية، التي تعمل بشجاعة وإنسانية، يتساءل الواحد كيف يمكن حل هذه المشكلة؟".
ويذكر الكاتب أن كل مخيم يدار عبر نظام "الشاويش"، وهو عبارة عن شبكة من "المرتشين" السوريين، والذين يدفعون لكل ولد 90 قرشا في اليوم. وهو أجر لا يكفي لتلبية متطلبات الحياة اليومية؛ مثل دفع 6 جنيهات في الشهر لاستئجار مصباح متحرك، و6 جنيهات أخرى لاستئجار تلفزيون، وهناك بعض العائلات تدفع 60 جنيها للعيش في المخيم.
وينقل التقرير عن شاويش مخيم، اسمه رضوان أبو خالد، قوله إنه لا يستطيع دفع الكثير للأولاد؛ لأن تكاليف نقلهم للحقول واستئجار التراكتور والشاحنات عالية.
ويتحدث الكاتب عن جهود بعض المنظمات غير الحكومية، التي تقوم بتنظيم برامج لتعليم
الأطفال في المخيمات مثل "بيوند/ ما بعد"، وهي منظمة غير حكومية تتعاون مع منظة الطفولة العالمية (يونيسيف) ومنظمة العمل الدولية، وتديرها ماريا الآسي. وتنشئ مدارس في المخيمات، وتقوم بحملات ضد
عمالة الأطفال. وتحاول النقاش مع الشاويش، وبطريقة هادئة، وتطلب منه تقليل ساعات العمل على الأقل؛ حتى يتمكن الأطفال من قضاء بعض الوقت في مدرسة المخيم.
ويذهب فيسك إلى أنه عندما زار المخيمات هذه، وتحدث إلى الأطفال من سن 5- 15 عاما، قالوا له إنهم لا يريدون العمل في الحقول. وقال إنهم جاءوا من كل أنحاء
سوريا، وكل واحد جاء حاملا معه قصة عن الألم والدم. وتقول ماريا "تحاول مدارس بيوند إقناع الأطفال تصوير حياتهم، وقد تغيرت رسومهم بشكل بسيط من رسم الجثث التي ينبعث من رؤوسها الدم إلى الأشجار والفواكه والأطفال المرحين".
ويشير التقرير إلى أن الأطفال يقومون بعمل مسرحيات حول عمالة الاطفال، حيث قام أطفال عاملون في الحقول بتمثيل الدور، ودعي الشاويش، وحضر المسرحية 3.000 من سكان المخيم.
تقول ماريا "عندما نسأل السوريين ماذا يريدون، يكون الجواب هو التعليم، يريدون مدارس في المخيمات وخارجها، يمكن مشاهدة مدن وهي تدمر، ولكن لا يمكن أن يكون لك جيل دمرت حياته"، بحسب الصحيفة.
ويلفت الكاتب إلى أن الـ (يونيسف) تقوم بدفع تكاليف المدارس، ولكن لا يوجد اهتمام بالحالات النفسية والأطفال الذي يعانون من صدمة الحرب، فلا وجود للأطباء او المعالجين النفسيين.
ويختم فيسك بالقول إن بعض الخيام المنصوبة قرب زحلة نظيفة، ويقوم السكان بتنظيف أرضيتها، لكن تلك التي نصبت في مخيم الفيضا رقم 1 في الشمال تجد الجثث المتعفنة الملقاة قرب الخيام، ويسمح للأطفال باللعب على تل من الرمل الأحمر قرب المرافق الصحية.