كتب راجح الخوري: ليس من عادة الرؤساء الأميركيين حضور اجتماعات على مستوى رؤساء الأركان، لكن باراك
أوباما أراد إعطاء انطباع عن أن الولايات المتحدة جادة في تصميمها على مواجهة «داعش»، ولهذا حرص على حضور الاجتماع في قاعدة أندروز الذي ضم ممثلين عسكريين من 20 بلدا مشاركا في
التحالف الدولي لمواجهة الإرهابيين!
لكن المقارنة بين التطورات الميدانية في محافظة الأنبار
العراقية كما في مدينة
كوباني السورية حيث يواصل «داعش» تقدمه، ونتائج الاجتماع العسكري، بدت صادمة ووسعت دائرة التساؤل والحيرة: كيف لا يمكن لتحالف دولي يضم أربعين دولة أن يتمكن - بعد شهر كامل من بدء عملياته الجوية ضد هذا التنظيم الإرهابي - إلا من إعلان أنه أبطأ تقدم «داعش» في كوباني، في وقت كان الدواعش يقرعون أبواب العاصمة العراقية بغداد؟
لم يكن أحد بحاجة إلى تصريح العقيد ايد توماس، المتحدث باسم الجنرال مارتن ديمبسي، بأن البنتاغون أطلق على الحملة الدولية اسم «العزم التام» [إنهيرنت ريزولف]، لأن ما هو أهم من التسميات العمل الميداني الذي يمكن أن يثبت فعلا وجود مثل هذا العزم. وبغض النظر عن الحاجة إلى قوات تقاتل على الأرض في النهاية للتمكن من إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، فإن عمليات القصف الجوي بدورها افتقرت حتى الآن إلى العزم والحزم!
في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي وبعد يومين من بدء العمليات الجوية الأميركية على محيط الموصل، سألت وكالة «فرانس برس» الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي ديفيد ديتبولا، الذي شارك في اجتياح أفغانستان عام 2001، عن رأيه في كيفية التصدي للإرهابيين، فقال إن استخدام القوة الجوية الأميركية يجب أن يكون أشبه بعاصفة وليس برذاذ مطر، يجب أن تكون عملية واسعة على مدى أربع وعشرين ساعة طيلة أيام الأسبوع. يجب شل حركة الإرهابيين كليا!
منذ ذلك الحين إلى الاثنين الماضي، كانت عمليات القصف أشبه برذاذ المطر المتقطع رغم أن «داعش» كان يتقدم لمحاصرة كوباني ويتوسع في الأنبار، ولكن من الواضح أن واشنطن تعمدت عشية الاجتماع العسكري في ضاحية واشنطن، تكثيف الغارات إنقاذا للاجتماع، فأعلن تنفيذ 21 غارة ضد مواقع «داعش» حول كوباني، سمحت بالقول إنه تم وقف تقدم الإرهابيين، وهو ما يدفع إلى التوغل في التساؤل: هل من المعقول بعد شهرين من بداية القصف الجوي، أن يكون الإنجاز الوحيد هو تأخير المذبحة في عين العرب، وهل يقاتل التحالف الدولي تنظيما إرهابيا أو دولة عظمى اسمها «داعش»... غريب!
نهاية الأسبوع الماضي، ألقى المتحدث باسم البنتاغون، الأميرال جون كيربي، ظلالا من الشك حول فاعلية العمليات الجوية ضد «داعش» عندما أعلن أنه «لم يقل أحد أن الأمر سيكون سهلا أو سريعا، ولا يجوز أن يتكون عند أي شخص وهم أمني خاطئ بأن هذه الضربات الجوية قد تؤتي ثمارها... ورغم أننا نتقاسم الشعور بالعجلة، فيجب أن نتقاسم الشعور بالصبر الاستراتيجي»!
الصبر الاستراتيجي؟
غريب! ما معنى الصبر الاستراتيجي؟ ثم كيف يكون العنصر الاستراتيجي متوافرا حيال الصبر في واشنطن، ومجهولا حيال الحرب على «داعش»، ذلك أن أوباما كرر مرارا أن أميركا لا تملك استراتيجية لهذه الحرب. وما يثير العجب أكثر أن ينتهي الاجتماع في قاعدة أندروز بإعلان جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض: «نحن لا نزال في الأيام الأولى من وضع هذه الاستراتيجية، إلا أن العناصر التي نملكها حتى الآن تفيد بأن هذه الاستراتيجية تحقق نجاحا»!
غريب أيضا وأيضا! أين ملامح النجاح، عندما يفيد تقرير - نشر بالتزامن مع بيان البيت الأبيض - بأن تنظيم داعش يستخدم غاز الخردل السام في قتاله مع الأكراد، وأن هناك 2500 صاروخ قادر على حمل رؤوس كيماوية اختفت من المستودعات العراقية في المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون! وفي هذا السياق، تذكر صحيفة «واشنطن تايمز» أن «داعش» استولى على غاز الخردل من منشأة الحكومة العراقية في المثنى، حيث كان هناك 65 طنا من هذا الغاز ونحو ألفين من قذائف المدفعية من عيار 155 مليمترا؟
وأين ملامح النجاح إذا كان الإرهابيون قد باتوا على أبواب بغداد، بعدما تقدموا من مدينة هيت ومعسكرها الذي أخلاه الجيش العراقي إلى عامرية الفلوجة - أحد آخر معاقل هذا الجيش في الأنبار، وهو ما لم تنكره وزارة الدفاع الأميركية عندما أعلنت أن «داعش» يتقدم في تلك المنطقة ويزيد من ضغطه على الحكومة العراقية بما يهدد بغداد وكربلاء.
واشنطن التي أعلنت أن مطار بغداد كاد يسقط في أيدي الإرهابيين لولا تدخل مروحيات الأباتشي، تلقت عشية الاجتماع العسكري نداءات استغاثة من المسؤولين العراقيين تطلب إرسال قوات برية لمنع سقوط العاصمة، لكن المراقبين أجمعوا على أن هذه الاستغاثة ستبقى يائسة لأن واشنطن لن تستجيب للطلب، فهي لن ترسل أي جندي أميركي إلى الميدان وتكتفي بأنها أوفدت مئات من الخبراء العسكريين الذين يحاولون لملمة صفوف الجيش العراقي المنهار!
تقدم «داعش» في الأنبار باتجاه بغداد ليس مفاجئا، المفاجئ أن يعلن رئيس مجلس المحافظة صباح كرحوت أن المحافظة وصلت إلى طريق مسدود بسبب ضعف الإمدادات للمقاتلين من أبناء العشائر السنية وكذلك للشرطة من قبل الحكومة المركزية وقوات التحالف الدولي، وهذا يعني أن كل مساعي منسق عمليات التحالف الدولي الجنرال جون آلن مع حكومة حيدر العبادي، لكي تواصل العمل مع العشائر وتشكل الحرس الوطني، ما زالت تصطدم بعراقيل تسمح للإرهابيين بالتقدم في الأنبار، على خلفية حسابات تتصل بالوقف الإيراني تحديدا!
في كوباني التي تقاتل منذ شهر ونيف يمكن معاينة ملامح «عزم تام» تركي على عدم استجابة كل المطالبات الدولية بالتدخل وإنقاذ تلك المدينة، وقد عبر عنه أحمد داود أوغلو بالقول إن تركيا لن تشرع في مغامرة بسوريا ما لم يستجب التحالف لمطالبها بإقامة المنطقة العازلة والسعي لإسقاط الأسد!
هذا يعني أن في وسع المقاتلات التركية أن تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في حين يقصف التحالف «داعش»، أما حرائق كوباني فيمكن التفرج عليها إلى أن يحترق حلم الأكراد بقيام دولتهم وأن يتعلموا أن «ليس هناك من يحميهم غير تركيا»، كما قال بولند إرينج نائب رئيس الوزراء التركي!
والعزم تام، لكن على إدارة الحرب المذهبية!
(عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2014)