مقالات مختارة

لبنان: البحث عن «بروتس السني»!

1300x600

عشية الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها الرئيس ميشال عون، بعد ترشيح رؤساء الوزراء السابقين، الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة، لكن على قاعدة المسار الذي كان الرئيس سعد الحريري قد سلكه قبل اعتذاره بعد تسعة أشهر و19 زيارة إلى بعبدا، بدا واضحا للمراقبين أن حظوظ ميقاتي لن تكون أفضل من حظوظ الحريري، بدليل أن أحد نواب التيار العوني، كان قد قال قبل الاستشارات: لن نسمي ميقاتي مرشح الأمريكان والمنظومة الفاسدة، وإن عليه ارتكابات وشبهة الإثراء غير المشروع.

لم يكن هذا كلاما شخصيا من نائب عوني، بل كان رسالة واضحة تفيد بأنه لن يتمكن من تشكيل حكومة، طبعا رد ميقاتي نافيا الاتهامات، ولكنه عندما خرج من المشاورات اكتفى بالقول «راجع»، وعندما خرج الحريري من بعده قال: «لقد سميّت نجيب ميقاتي على أساس متابعة المسار الذي اتفقنا عليه في اجتماع رؤساء الحكومات السابقين»، كان هذ الكلام كافيا ليفهم المراقب سلفا أن ميقاتي ليس براجع أبدا، إلا إذا قرر أن يؤدي دور «بروتس السني» الذي يطعن في ظهر زملائه، وخصوصا أن الرئيس تمام سلام خرج من الاستشارات ليقول أيضا: «نسمي ميقاتي بناء على الاتفاق الحاصل بيننا يوم أمس»، أي سلوك مسار الحريري.

على هامش هذا الوضع المفعم بالتعقيد، كان عون قد قال؛ إن ميقاتي يتحلى بالليونة ويجيد تدوير الزوايا، موحيا بتغيّر في مسألة توزيع الحقائب الوزارية، ولكن أي زوايا تلك المتعلقة بشروط عون، التي سبق أن أفشلت مهمة السفير مصطفى أديب رغم الأجواء الضاغطة، التي كانت سائدة بعد انفجار المرفأ وتدمير بيروت ومبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون، التي جاءت بعد فراغ حكومي طويل ولبنان ينهار بكل مقوماته الحياتية، ثم عادت وأفشلت مهمة الحريري بعد تسعة أشهر على تمسك عون بشروطه.

بعد تكليفه، خرج ميقاتي بعد أول زيارة لعون ليؤكد ما أثار ريبة المراقبين، عندما قال؛ إن لديه الضمانات الخارجية المطلوبة للخروج من الأزمة، «ولو لم يكن هناك ضمانات وتطمينات خارجية محددة، لما أقدمت على خطوتي وأنا مطمئن، صحيح أنه ليس لدي عصا سحرية ولا أستطيع فعل العجائب، إن المهمة صعبة لكننا سننجح إذا تضافرت جهودنا من دون مناكفات ومهاترات واتهامات متبادلة».

بعد أربع وعشرين ساعة سقطت كل معاني قول عون عن تدوير الزوايا، وكل ما يتعلق بكلام ميقاتي عن الضمانات والتطمينات الخارجية، ولكأن لبنان ما زال في حساب أحد، فمعظم المسؤولين في العالم يقولون إن على لبنان أن يشكل حكومة إصلاحية حقيقية، وهو لن يحصل على قرش قبل ذلك.

كان واضحا من خلال الخلفيات السياسية لمواقف رئيس الجمهورية، أن المطلوب رئيس حكومة يوافق على كل شروطه في التأليف لجهة الحصص والحقائب والأسماء، وهكذا بدأ ميقاتي يتعثر على طريق بعبدا ويخرج متجهما من اجتماعه مع عون، وفي موازاة ذلك وبعد أيام على تكليفه أطل وزير عوني سابق لشؤون رئاسة الجمهورية على محطة «أو تي في» ليقول: «إذا استمر ميقاتي على نهج الحريري وإذا أراد البقاء على شروطه بيطير مثل ما طار الحريري»، ولكأن رؤساء الحكومات الذين أناط بهم الدستور عملية تشكيل الحكومة، مجرد طيور حمام تحط وتطير على سطوح بعبدا!

يوم الأربعاء الماضي تساءل النائب العوني ماريو عون: هل الفريق المعارض للعهد يريد تشكيل حكومة أم لا؟ يبدو أنهم مهتمون بإضاعة الوقت من خلال خلق الذرائع والحجج، ولا يبدو أن هناك حكومة في المدى المنظور. إن سلوك ميقاتي مثل سلوك الحريري وتصريحاته مبهمة، ونحن نعتقد أن ليس هناك نية للتأليف.

غريب، منذ البداية قال ميقاتي إنه على مسار الحريري الذي اصطدم بالشروط العرقوبية المنافية للدستور التي يتمسك بها عون، الذي قال بدوره منذ اللحظة الأولى: «لن أعطي نجيب ما لم أعطه لسعد»، في حين قال ميقاتي؛ «إن التفويض الذي أعطي لي من نادي رؤساء الحكومات السابقين، مرتبط بعدم التنازل عن سقف المسار الذي وضعه الحريري».

والسؤال: متى يطير ميقاتي، فقد بات واضحا أن أي حكومة لا تلبي الشروط الآتية، لن تحظى بتوقيع عون، وهذه الشروط هي؛ أن يحصل على الثلث المعطل مباشرة أو مداورة. أن يسمي الوزراء كلهم بالتشاور مع ميقاتي، وأن تكون له الكلمة الفصل في تسمية كل الوزراء المسيحيين. أن تذهب وزارة العدل إلى حصة العهد لمراقبة التحقيقات في الملفات المالية، التي يفترض أن تطاول أيضا وزارات تولاها عونيون وكبّدت لبنان نصف دَيْنه العام، أي 50 مليار دولار مثل الكهرباء والسدود. والأهم من هذا، أن يحصل على وزارة الداخلية ليتمكن الفريق الرئاسي من التحكم في عملية الانتخابات النيابية المقبلة، ومن الإشراف عليها وعلى كل عملياتها بالتفصيل، خصوصا في ظل التراجع الملحوظ في شعبية العونيين. ومن الواضح أن الهدف الأهم الأول والأخير في حسابات عون لجهة تشكيل الحكومة، هو ضمان المستقبل السياسي لصهره جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر!

وقد دخل على الخط كما قيل، إصرار عون على اشتراط الموافقة على اسم وزير المال الشيعي، هذا إضافة إلى الخلاف المستجد على وزارة الشؤون الاجتماعية، التي يريدها عون، انطلاقا من أنها مسؤولة عن توزيع البطاقة التمويلية، التي ستصرف على أساسها المساعدات للأسر الأكثر فقرا وبتمويل من البنك الدولي، وليس مستغربا أن تتحول هذه البطاقة بطاقة انتخابية على أساس التمويل في بلد يتضور جوعا ومرضا وفقرا، وقد عاد فعلا إلى العصر الحجري، وهو ما دعا البنك الدولي إلى التقدير أن لبنان يحتاج إلى 12 أو 15 سنة ليعود كما كان. ولست أدري هنا تحديدا، إذا كان عون يتذكر قوله إنه سيسلم لبنان أفضل مما تسلمه، لكن من الواضح أنه صار في الجحيم كما قال أيضا.

ميقاتي لن ينتظر طويلا كما تقول مصادره، ورغم مراهنته المتسرعة على التشكيل بسرعة وصل إلى الحافة، ولن يقبل بأنه يكون «بروتس السني» الذي يطعن أولا في ظهر الدستور، وثانيا في ظهر طائفته، وثالثا في ظهر زملائه رؤساء الوزراء السابقين، واعتذاره سيعري العهد كليا أمام اللبنانيين والعالم؛ لأنه سيؤكد بالثلاثة، بعد مصطفى أديب وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، أن الفريق الرئاسي يريد حكومة يمسك برقبتها، بما يساعده على إنقاذ نفسه ووريثه باسيل!

هل يدرك العهد، من ثم أنه حامي البلاد وفق الدستور، وهل يعرف أن لبنان زينة المنطقة صار كهفا بدائيا كي لا نقول مقبرة تزدحم بالأحياء الموتى، فلا كهرباء ولا مصاعد ولا ثلاجات ولا مياه ولا بنزين ولا مستشفيات ولا أدوية ولا خبز، ولا طعام، ولا إنترنت ولا مصارف ولا اتصالات بالعالم الخارجي، فقط شعب لا يجيد سوى قطع الطرقات، والبلد في حاجة إلى ثورة تقطع الرقاب.

 

الشرق الأوسط