كتاب عربي 21

لماذا أعادوهم بعد أن أخرجوهم؟

1300x600
بعد العدوان مباشرة، قام نتنياهو بتخيير أبو مازن بين إسرائيل وبين المقاومة. وجاء رد أبو مازن سريعا وواضحا وصريحا: ((لقد اخترت إسرائيل)) جاء رده من جامعة الدول العربية، في اجتماع وزراء الخارجية العربي المنعقد في القاهرة في 7 أيلول/ سبتمبر 2014، من خلال قيامه بشن هجوم على غزة وما يجرى فيها، والتهديد بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر. 

ومن الواضح أنه كان حريصا على سرعة الرد على (الإسرائيليين) حتى لا تأخذهم به الظنون، فلم يتريث قليلا حتى تجف الدماء والدموع، أو يتسرب النسيان إلى الرأي العام العربي الذي كان شاهدا على جرائم العدوان وانتصارات المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني.

هل هو العمى السياسي أم قلة الحيلة والتحليل، أم سوء التقدير، أم الاضطراب وانعدام الوزن تحت تأثير ما جرى، أم أنه لا يعدو أن يكون ممارسة معتادة للدور المرسوم له وفقا لاتفاقيات وترتيبات أوسلو وتنسيقاتها الأمنية؟

أظن أن الإجابة الأخيرة هي الاجابة الصحيحة، فيوما بعد يوم، ومعركة بعد أخرى، ومحّكَاً وراء الآخر، يتأكد لنا حقيقة الدور الوظيفي الذي تقوم به السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن لصالح الاحتلال الإسرائيلي وضد فلسطين على طول الخط. فإن لم تفعل أو تمردت أو تملصت أو تحايلت، فسيكون مصيرها مثل أبو عمار.

***
أصل الحكاية:
اجتاح الجيش الصهيوني لبنان عام 1982 ووصل إلى قلب بيروت، وحاصرها 83 يوما، ولم ينسحب منها إلا بعد أن أَجبَر القوات الفلسطينية على مغادرة لبنان إلى المنفى في أبعد بقاع الأرض عن فلسطين، إلى تونس واليمن.. الخ

وكان الصهاينة قبل ذلك وطوال فترة السبعينيات، يهددون ويتوعدون، ويطالبون بإخراج الفلسطينيين من لبنان، لأنهم يهددون أمن (إسرائيل) ووجودها.

كانوا يفعلون ذلك على غرار ما يفعلونه اليوم مع المقاومة اللبنانية في الجنوب ومع المقاومة الفلسطينية في غزة.

ولكن في عام 1994 سمح الصهاينة بدخول القيادات الفلسطينية إلى غزة والضفة، بموجب اتفاقيات أوسلو، بعد أن طردوهم من لبنان بـ 12 سنة.

أعادوهم إلى القلب من الكيان، على بعد أمتار من فلسطين التي يسمونها الآن (إسرائيل). فأصبحوا أقرب للصهاينة بكثير من الوضع الذي كانوا عليه في لبنان. أصبحوا متلاصقين. 

***
ماذا الذي تغير؟ فجعل الصهاينة يعيدوهم هنا، بعد أن أخرجوهم من هناك؟
هل غيروا من آرائهم ومعتقداتهم؟
هل أصبحوا فجأة من الأخيار؟
هل أصبحوا أقل حرصا على أمن (إسرائيل) ووجودها؟
أم ماذا؟
الإجابة واضحة وصريحة ويعلمها الجميع.
لقد أعادوهم لإنجاز مهمتين واضحتين لا ثالث لهما:
الأولى: هي التنازل لهم عن 78 % من فلسطين وإعطائهم صك فلسطيني شرعي بذلك، وهو ما تم بالفعل.
الثانية: هي تصفية المقاومة وتجريمها ونزع سلاحها. 
وهو ما كان يجرى على امتداد السنوات الأخيرة على قدم وساق بقيادة لجان التنسيق الأمني المشتركة التي أسسها الجنرال الأمريكي الخواجة "دايتون"، صاحب التصريح الشهير ((لقد نجحنا في الحيلولة دون تفجر انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية اثناء عدوان الرصاص المصبوب 2008/2009، لأننا قمنا بتربية وتدريب الشرطة الفلسطينية جيدا على التعايش مع إسرائيل وليس على مواجهتها))

***
وبعد كل عدوان، وكل جريمة ترتكبها، كانت إسرائيل تبذل جهودا مضنية لغسيل سمعتها أمام الرأي العام العالمي، وهو ما كان يستدعى استصدار شهادات رسمية فلسطينية وعربية، بإدانة المقاومة، بتهم التمرد والانقلاب والخروج عن الشرعية والتطرف واستفزاز إسرائيل وتهديد حياة أهالي غزة..الخ، لتظهر إسرائيل في النهاية وكأنها هي الضحية التي تدافع عن نفسها في مواجهة جماعات إرهابية غير شرعية. وهنا كان يأتي دور أبو مازن وجماعته!

واليوم وبالإضافة إلى ذلك تريد إسرائيل إجهاض مشروع المصالحة الفلسطينية، وحرمان المقاومة من حصاد مكاسب الحرب، حتى لا تكافئ "الارهابيين"، كما تعمل على إعادة شحن رصيد ابو مازن الذي نفذ، من خلال تسليمه المعابر، وأموال الإعمار، وإشراكه في مهمة نزع سلاح غزة بعد أن نزع لهم سلاح الضفة.

لكل ذلك هرول أبو مازن لممارسة دوره الوظيفي المعتاد في خدمة اسرائيل، فأخذ يردد تلك الكلمات عن حكومة ظل غزة التي لا يمكن أن تستمر، وعن ضرورة أن يكون هناك سلطة واحدة وقرار حرب أو سلام واحد وسلاح واحد (وهو الذي سلم سلاحه منذ زمن طويل)، إلى آخر كل هذه المعاني والرسائل التي حرص على إيصالها إلى الإسرائيليين وحلفائهم العرب قبل الفلسطينيين.