كتاب عربي 21

عن الموقف الإعلامي لحماس من الأزمة المصرية

1300x600
يأخذ البعض على حماس "تدخلها" في الشأن المصري من خلال وسائلها الإعلامية التي تظهر انحيازًا واضحًا إلى جانب مظلومية الإخوان المسلمين، هذا البعض المقصود في حديثنا هنا ليس منه ذلك الذي يتبنى الاتهامات المهينة للعقل عن تدخل حماس الميداني، وإنما هذا الحديث مقتصر على هؤلاء الذين قرروا احترام عقولهم، إلى حد ما، وتوقفوا فقط على ما اعتبروه تدخلاً إعلاميًا في الشأن المصري دون أن يتورطوا في الأكاذيب المغرقة في الخرافة عن قدرات حماس الخارقة للطبيعة في "عبثها بالأمن المصري".

 إلا أن منتقدي موقف حماس الإعلامي من الأزمة المصرية (المقصود أداء مؤسساتها الإعلامية لا تصريحاتها الرسمية)، على تعدد مقاصدهم، لم ينجحوا تمامًا في النأي بأنفسهم عن مواطن المهانة العقلية، بما في ذلك هؤلاء الذين قدموا نقدهم في مظهر الحريص على تجنيب الحركة الصدام مع النظام الانقلابي في مصر، ذلك أنهم أخذوا ما عدوه تدخلاً في الشأن المصري معزولاً عن سياقه، أو مفسرًا بانحياز حماس كجماعة إخوانية إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وهذه الطريقة في التناول مضللة، حينما تجعل للموضوع طرفًا واحدًا هو حماس، والتي لن تكون بحسب هذه الطريقة إلا معتدية أو منحازة لأسباب أيديولوجية عمياء على حساب المصلحة الفلسطينية، ما يعني براءة السلطات الانقلابية من عدوانها المعلن على حركة حماس بما تمثله من رأس المشروع المقاوم في فلسطين، وبما يخرج الانقلاب في مصر من سياقاته الإقليمية والدولية وكأنه صراع محلي محض على السلطة!

 وبصرف النظر عن الدوافع الأخلاقية والعاطفية والأيديولوجية في تشكيل الموقف الإعلامي لحماس من الحدث المصري، وهي دوافع معتبرة وليس من السهل تجريد الموقف منها تمامًا، فمن الطبيعي أن تتبنى الحركة تحليلاً مختلفًا عن ذلك الذي لا يرى في الانقلاب وتداعياته أكثر من صراع مصري داخلي على السلطة، بل أن تراه في سياق إقليمي ودولي أوسع من سياقه المحلي، على نحو تجد الحركة فيه نفسها مستهدفة لأسباب تتعلق بمشروعها المقاوم أكثر مما تتعلق بصفتها الإخوانية، وبالتالي لا يمكن إلزام الحركة بمنطلقات الآخرين في تقييم المشهد المصري. 

 بيد أن الموقف الإعلامي لحماس لم يكن نتاج تقييم ذهني في الهواء، بل كان ناهضًا على معطيات موضوعية تمثلت في استهداف حقيقي ومركز للحركة، وهذا الاستهداف المستمر منذ حقبة مبارك، وإن بصور أخف بكثير مما هو عليه الحال من بعد الانقلاب، استمر في الفترة التي تلت "ثورة 25 يناير" وسبقت الانقلاب، من خلال الأدوات الإعلامية وبعض القوى والشخصيات البارزة، ليتوج ذلك كله ومنذ لحظة الانقلاب الأولى بتبني رسمي عملي من طرف السلطات الانقلابية لكل الدعاية المعادية لحركة حماس، ابتداء من تدمير الأنفاق وإحكام الحصار على قطاع غزة، وصولاً إلى اتهام حماس رسميًا بالتدخل الأمني والعملياتي في مصر، وإن كانت تلك الاتهامات بائسة ومثيرة لسخرية العقلاء.

 بات مؤكدًا، إذن، أن كل الدعاية المعادية التي بثت ضد حركة حماس في الفترة الواقعة ما بين "ثورة 25 يناير" وانقلاب 3 يوليو، كانت بترتيب وتوجيه من الأجهزة التي أنجزت الانقلاب، ولا يقل عن ذلك وضوحًا الدور الإقليمي في هذا الانقلاب، والمتمثل في دول خليجية معادية لحماس بصفتيها الإسلامية والمقاومة، والأهم من ذلك الحضور الصهيوني الكثيف في تغطية الانقلاب وتدبر الدعم الدولي له، فضلاً عن التنسيق الظاهر على الأقل فيما يتعلق بسيناء وقطاع غزة، وأخيرًا احتضان السلطات الانقلابية لشخصيات أمنية فلسطينية على عداء مع حركة حماس وتعمل في دول خليجية تقود الثورة المضادة في العالم العربي.

 حماس التي اعتادت على كتم ما تتعرض له من اعتداءات مؤذية وقاسية من دول عربية مختلفة، تجنبًا للتصعيد مع تلك الدول، أو أملاً في معالجة تلك الاعتداءات بهدوء، بما في ذلك ما كانت تتعرض له في فترة مبارك، ما كان لها أن تخالف هذه القاعدة في الموضوع المصري، فقط بدافع من العاطفة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.

 كانت حماس تجد نفسها، من بعد أحداث الانقسام في قطاع غزة، متنفسًا لشقاء الوعي المصري الذي يبحث عن سبب خارجي يحمله مسؤولية اصطدام المخيال المصري الهش بالواقع الصلب، ومهربًا لأزمات الدولة المصرية التي لا تجد جارًا أضعف من غزة تمارس عليه دور الدولة القائد الذي لم يعد موجودًا، وتصرف إليه اهتمام شعبها عن أزماته الحقيقية التي خلقتها هذه الدولة أو عجزت في حلها، وتصرِّف به فائض النرجسية الوطنية الخطابية التي لا تجد رصيدًا في الواقع، وبهذا كانت حماس مُقحَمة في هذا الشأن المصري دون رغبة ولا إرادة منها، بل رغمًا عنها من طرف الدعاية المصرية، ومع ذلك صبرت على ذلك، تراعي قهر الجغرافيا، وتتجنب الصدام والأسوأ، وترجو تحسن الأوضاع، حتى تجاوز الانقلاب المصري ذلك كله، إلى تهديد حماس وجوديًا، والعمل على إسقاطها بالحصار، وبالأدوات الاستخباراتية، وترتيب المكائد داخل قطاع غزة، بل والتلويح الجدي بتوجيه ضربة عسكرية إليها، بعد التمهيد لذلك بحملة إعلامية واسعة، وباتهامها رسميًا بالإضرار بالأمن المصري، 

 لم يكن الأمر، إذن، متعلقًا بحماس، التي لم يكن لها أي دور في الأحداث التي جرت في مصر، وإنما الأمر كله متعلق بالسلطات الانقلابية التي اعتبرت حماس عدوًا لها، وأعلنت صراحة باللفظ والفعل نيتها إسقاط الحركة، وهو الأمر الذي ينفي إمكانية وجود موقف إعلامي محايد من طرف حماس تجاه من يصنفها كعدو، فالقضية لها طرفان، وفهم موقف الطرف الآخر ضروري جدًا لبناء تصور صحيح عن موقف حماس، وموقف الطرف الآخر هذا (أي موقف سلطات الانقلاب) ولأنه هو الفاعل الأول الذي بنى القضية كلها، لا يمكن تغييره فقط بتجنيب مؤسسات حماس الإعلامية الحديث فيما يسمى "الشأن المصري".

 إلا أن الأهم، هو دلالات تجنب انتقاد الفاعل المصري الذي صاغ العلاقة مع حماس على هذا النحو الخطير، وتوجيه النقد للموقف الإعلامي لحماس حصرًا، دون أخذه في سياقه الطبيعي، ودون قراءته كرد فعل على الإجراءات العدائية الصريحة التي اتخذتها السلطات الانقلابية ضد حركة حماس، إذ أن هذا النقد لن يكون إلا إمعانًا في المؤامرة والتحريض على الحركة، مهما حسنت نوايا بعض أصحابه، فهو في النهاية يتماهى مع دعاية الانقلاب بشكل أو بآخر، لأنه يختصر الأزمة في الموقف الإعلامي لحماس الذي يصوره كبادئ فيها، مع أنه لم يكن أكثر من رد عليها، فالأزمة لها صانع واحد هو سلطات الانقلاب المصرية.

إن الواجب بيان الحقيقة كاملة، على الأقل هذا واجب من يدعي الحرص على حماس، فهذا البيان الكامل لا يتعارض مع ما ينبغي نقده في موقفها الإعلامي، بل وهذا الواجب تجاه الشعب المصري الذي يرزح تحت هذا التضليل المدمر، ومن جبن عن بيان الحقيقة، أو كانت لديه حساباته الخاصة فيسعه السكوت، فذلك أضعف الإيمان الذي يحمي صاحبه أن يكون في عداد المجرمين!