كشفت تجربة 25
يناير 2014 عن التحولات المهمة والحقيقية في طبيعة الصراع ونوعيته وماهيته والتي تمنع على وجه الحقيقة من تكرار نموذج 25 يناير 2011 ، فهناك محددات كبرى اختلفت خلال هذه السنوات جعلت محاولة تكرار التجربة هو ضرب من عدم الوعي بالتحولات الحاصلة في جسد المجتمع وفي خارطة توزيع القوى والرأي العام الشعبي، و عدمإادراك للتحول الكبير الذي أصاب القضية ذاتها، فالقضية الباعثة لـ 2014 مختلفة عن تلك التي أنتجت 2011.
إن خريطة قوى المجتمع في يناير الأولى جميعها كان متفقا على إنهاء مرحلة مبارك بما فيها القوات المسلحة، فقد تحدثت أغلب دوائر السياسة المحلية والعالمية أن الجيش لا يقبل برئيس مدني ذي امبراطورية اقتصادية تنافس احتكارية الجيش، ولذلك كانت يناير 25 على هوى الجيش وتوجهاته، بينما في يناير 2014 يقف الجيش كطرف أصيل في المواجهة بسلاحه وعتاده وجنوده بل وبسيطرته على إعلام المجتمع وأدوات الرأي العام ويوظف كامل الدعم الخارجي والدخل القومي المحلي لصالح مشروعه السياسي لحرب أي محاولة مقاومة للوضع السياسي المترتب على يناير .
الخصم السياسي في 2011 كان مختلفا، فنحن كنا أمام دولة هزيلة مترهلة يحكمها عجوز ضعف أمام شهوات زوجته وطموح ابنه وجيش يحكمه عجائز على شاكلته، وكانوا هم متصدري السلطة والثروة و القرار، وبالتالي كانوا مسؤولين مسؤولية ظاهرية كاملة عن كل مستويات التدني والتأزم والاضطراب والانهيار في المجتمع وبالتالي كان الرأي العام في المجتمع مهيأ لمثل تلك الانتفاضة التي تلامس تأزم الجميع وحتى أنصار هذا لخصم لم يكونوا يمتلكون من الحجة والجاهزية ما يحاربون به في ميادين الرأي العام إذ أن 30 عام من السلطة تكفي بشكل مطلق لتحميل صاحبها مسؤولية كافة الظواهر السلبية في المجتمع.
أما في 2014 فنحن أمام نظام فتي يحكمه رجل في وسط العمر مجنون بالسلطة ومهووس بالقمع وقادم من جهاز أمني يشكل العصب الثالث في الأجهزة الأمني
المصرية، يفهم جيدا الرأي العام وطبيعته وتحولاته ووثيق الصلة بعمل الشؤون المعنوية، متحرر هو و من حوله من المسؤولية الظاهرية للفساد وإن كانت مؤسسته أحد أهم رموزه في الوطن إلا انه أجاد توجيه أنظار الشارع لمسؤولية أخرى حملها لجماعة الإخوان والرئيس مرسي حيث استطاع أن ينسحب بمنظومة الأمن خلف الستار ليحمل مرسي وجماعته كافة الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تفتعلها تلك الأجهزة الكامنة خلف الستار، ومن خلال سيطرته على الإعلام تمت له عملية التشويه كاملة لخصومه الذين سينقلب عليهم والتلميع كاملا له ولنظامة المختبئ في رحم
انقلاب ليخرج للعلن وقد ضمن أرضية المعركة .
في يناير 2011 كانت لقوة الشباب المتلبرلة ومن خلفها الكيانات القريبة من الولايات المتحدة ومن خطاب الغرب السياسي قوة ناعمة في حسم المعركة وإمكانية أن تكون غطاء أيضا لحشد شعبي في شق كبير منه اسلامي استطاع الاستفادة من هذا الخطاب المتلبرل في الدفع بعجلة التغيير للأمام وكسب ضغط دولي وأمريكي للقبول به، أما في حالة 2014 فنحن أمام تكتل إسلامي ظاهر وواضح مهما حاول التستر خلف خطابات عامة مائعة إلا أن من أسباب إسقاطه هو توجهاته التي تشكل خطرا على أنظمة إقليمية، نجد على الصعيد الآخر أن تكتلات الشباب العلماني وأحزاب المعارضة جميعها في صف الانقلاب
العسكري بل وتقوم منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني بدور رئيسي في تبرير القمع وتغطيته إن أمكن، والتسوية أحيانا بين الضحية والجلاد تبعا لطبيعة توجهات التمويل لهذه الجهات وهوى أصحابها المعلمن .
نكمل في المقال القام بقية الفروق الجوهرية ومحاولة استشراف النموذج الجديد.