انكبت بعض الفضائيات والمقالات في الاسبوعين الماضيين على تصريحات
زياد الرحباني حول حب امه للسيد. تبدو
فيروز سورية اكثر منها
لبنانية، ربما بعثية ايضا. أحيانا تذكّر، باللات والعزىَ! الاطرف أن تصريحا ‘عاطفيا’ مثل هذا اثار كل هذه ‘الاسكا’ السياسية؟
في البرهان على تبعيثها: اصدر محافظ احدى المحافظات السورية، وليس اللبنانية، منذ سنوات، قرارا يلزم سائقي باصات السياحة والسفر اسماع الركاب أغاني فيروز بالقوة، لإيهام الشعب الكريم أنهم شعب سياحي ويعيشون على ‘جسر اللوزية’.
محافظ آخر من البعثيين الاتقياء الورعين الفدراليين، الذين يتجرأون على قرارات مستقلة تحت اوراق ‘الفي’، فرض على بائعي قناني الغاز الإعلان عن بضاعتهم في الشوارع بأغنية من أغاني فيروز، بدلا من الدقّ على الجرة بالمهباج الحديدي. الغاز طبعا لم يكن مسيّلا للدموع، و لا الدماء، وإنما يستخدم للطبخ المنزلي مثل السارين تماما، فكان السوريون يشمون عطر الغاز المنزلي الفواح مع أغنية ‘نسم علينا الهوا’ وأغنية ‘دكوا المهابيج’ حتى بات الهوى ‘جنوبيا’ تماما.
لم يصل الحد لتحوّل فيروز الى كبسولات أو حقن. اعرف قلة تكره فيروز، ربما تكثر هذه الايام بفضل التوريث الفني، شخصيا لم أحبها او ضجرت منها، لأنّ بعض اغانيها مسروقة الألحان وغريبة عن المزاج الموسيقي المحلي ومستوردة من بلاد بعيدة، مثل ‘حنا السكران’، او أنّ أغنية ‘حبيتك بالصيف’ كئيبة، او لحبّ السلطات لها، او بسبب اغنية ‘خبطة قدمكن’ الهدارة التي تخبط الشام الآن.
عقيدة الاكراه تسبب الكراهية وتأتي بنتائج معاكسة. مرة اصدرت هيئة الاذاعة والتلفزيون البعثية قرارا يأمر بالتقشف في أغاني فيروز دعما للأغنية السورية ثم طوي ولم ينفذ. كانت فيروز وثنا
سوريا، ولها محبون حتى العبادة، فيروز اول ‘أرب ايدول’ مبكر صنعه اعلام الانقلابات العربي الّمقاوم لإسرائيل. محافظ حلب اعتبر في تصريح مبثوث أنّ من يكره السيد والسيدة فهو مع اسرائيل! فيروز كانت المحافظة الخامسة عشرة المعادية لاسرائيل!
فيروز كانت زعيمة مثل عادل إمام، أم كلثوم ايضا رفعت الى مقام الكوكب، وكان العرب يعبدون الكواكب ولا يزالون يعبدون الأبراج ويبحثون من يقرأون لهم سطورها البعيدة أو القريبة.. في الكف أو الفنجان، لكن ام كلثوم مطربة، بنت بلد، جاءت ألحانها من التخت الشرقي والموالد وتلاوة القرآن الكريم، لكني أعتقد أن فيروز قابلة للعقائدية السياسية أكثر من أم كلثوم مع حرص فيروز على التقية.
اشار كاتب لبناني ليبرالي منكرا حبه ‘للراحلة’ بسبب النغمة الكنسية في ألحانها. الدليل على انّ فيروز ‘زعيم’ لها هيبة وكاريزما، هو أنها عندما زارت دمشق في سنة 2008 نشأ جدل سياسي كثير، فزيارتها ‘المباركة’ قد تسبغ الشرعية على النظام السوري، وتمت الزيارة، على السجاد الاحمر من غير احدى وعشرين طلقة، بعد أن عقمت، فقد ازيلت صور الرئيس السوري من طريقها خشية من شوكه! محمود درويش كان اقل حصافة، اذ كان يلقي قصائد عن فلسطين والحب وصورة الرئيس وراءه والنظام لا يريد اكثر من هذا. احيانا تبث نهاد رزق شعورا بأنها ‘ماما’ مثل بابا.. الفاتيكان.
يدور صراع ثقافي وعقائدي اسمه ‘فدا الصرماية’، الذي لا يذكّر ابدا بالحب العذري العربي، فهو حب دموي القصة هي أن الولد المدلل اعلن قصة حب غير معلن بين سيد وسيدة، ولا ‘يقدر أحد أن يخدم سيدين’، في زمن الثورات العربية. الفضائيات المذهبية الموالية للنظام السوري مثل ‘الميادين’ تكرر بث صور لجمال عبد الناصر القومي محاولة عصر ما بقي فيها من ثمالة، وتبحث عن مناضلة مثل جميلة بوحيرد وتحولها الى ايقونة.. الولد الخمسيني الذي يتاجر بحب السيدة للسيد، ليس مؤمنا اصلا، مثل السيد بالله، ولما سئل في احدى المقابلات عن سبب إلحاده برره بجواب وجيه؟ وهو انه لا يمكن ان يكون هنالك اله فكل هذه المذابح التي تحدث لـ’التوتسي والهوتو’ تؤكد غياب الاله! بهذا القياس الفاسد سوريا… أولى؟
فيروز ذات الاسم المستعار مغنية لبنانية، فالأسماء العلمانية المعقمة أفضل في بلاد الطائفية.. السيدة ولدت من عائلة ماردينية مارونية ارثوذكسية سريانية، وروجت لها ألة اعلامية جبارة، اضرى من الآلة الاعلامية التي جعلتنا نهوى شعبان عبد الرحيم! فيروز غنت لفلسطين مطلقا، ولـ’بستان هشام’ و’اجراس القدس′ وتجنبت مديح الزعماء العرب، هاهي الاحداث تدفع الابن الى بيع العسل من كوارة، بعد أن ارتفعت اسعاره. المؤكد أن الابن اصيب بالضرس مع أن امه تجنبت اكل الحصرم.
في تفسير الحب والعقائد يربط مجتهدون بين المسيح المصلوب والحسين الشهيد، فالحسين هو المسيح الاسلامي شيعيا. مجتهدون اكثر رومانسية يرون أنّ قصة حب ‘روميو وفيروزيت’، تطيح بقصة حب بينها وجمهور عريض. تكسب حبا وتخسر احبابا. تؤخذ الدنيا غلابا. الحب أعور ايضا.
ربما قريبا نسمع عن ‘مقام السيدة’، او كتيبة ‘حيطان النسيان’ او ‘عصائب حنا السكران’!
انتخابات فوسفورية!
تحقق اول انجاز للانقلاب وشاهدنا رئيسا مصريا مؤقتا يزور الكنيسة زيارة خالدة، ونتمنى ان تكون الزيارة ودية، لكن اغلب الظن انها زيارة سياسية، الغرض منها ارسال ‘اس ام اس′ للغرب، الزيارة ثمنها الاف الضحايا.
رامي جان اكد ان لا مكسب حتى الان للاقباط من الانقلاب – سوى مكسب حذف المادة 219 من الدستور- المكسب الثاني للانقلاب سيكون ‘الانتخابات الفوسفورية’، فالدستور بالنسبة لمصر حياة او موت، كما يؤكد محمد حسنين هيكل، الذي انضم الى جوقة المنجمين. الرجل يتحدث عن ‘جينات الاخوان’ في دم حسين اوباما، وكرر ملاحظته القديمة عن اصل تسمية اوباما التاي هي ابو عمامة، الرجل بات يشبه الفلكيين في الفضائيات الانقلابية، نعى ايضا اردوغان، الذي تحتفل ‘العربية’ هذه الايام بسقوطه وكأنه حقيقة واقعة. ضاحي خلفان وليس محمد البوعزيزي!
في التبشير بالدستور يظهر خالد يوسف كأحد ابطال الثورة، يظهر ومن ورائه تشع الانوار وهالات التقديس، الانتخابات الفوسفورية ستجعل من الصوت مظاهرة. الفضائيات السورية ذكرتنا بأنها سبقت
مصر بأربعين سنة باعلان الاخوان جماعة ارهابية، وربما يجبر التلاميذ في مدارس مصر على ترديد شعار كالذي كان تلاميذ سورية يرددونه. الاعلامي مجدي شندي يباهي بأنّ حزب الكنبة خرج في الشوارع كرها في الإخوان، المؤكد أنّ حزب الموتى وسكان المقابر سيصوتون الان في صناديق الدجل الفوسفورية.. أعل هبل.. أعل هبل.. لكن الله اعلى وأجل.
(عن صحيفة القدس العربي)