مقابلات

برلماني إيطالي: المواقف الأوروبية من جرائم إسرائيل "متأرجحة".. وروما تدعم نتنياهو

البرلماني الإيطالي انتقد موقف حكومة بلاده من الإبادة في غزة- عربي21
انتقد النائب في البرلمان الإيطالي، أرتور سكوتو، مواقف الاتحاد الأوروبي إزاء جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة في قطاع غزة، واصفا إياها بأنها "متأرجحة وليست على نسق واحد؛ ففي الواقع هناك مواقف متقدمة نوعا ما، ولكن هناك مواقف أخرى متأخرة كثيرا".

وأشار سكوتو، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن حكومة بلاده لا تكتفي بالتأخر عن ركب بعض الدول الأوروبية التي اتخذت خطوات عملية لدعم فلسطين، بل ذهبت أبعد من ذلك عبر الاستمرار في تسليح إسرائيل ودعم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رغم جرائمه البشعة، وقال: "الموقف الإيطالي، مقارنة بالمواقف الأوروبية والعالمية، متأخر جدا وليس على المستوى المأمول مطلقا".

وأضاف: "لقد اختاروا للأسف طريق الجمود، في حين كان ينبغي أن يتخذوا موقفا أكثر حزما، لكنهم مارسوا ازدواجية معايير قد تترك أثرا عميقا على مصداقية الغرب"، متابعا: "ما نحتاجه هو المضي في طريق الاعتراف بدولة فلسطين، لأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال بوضوح: لا يمكن اعتبار الفلسطينيين شعبا فائضا عن الحاجة".

وتابع: "للأسف لم تنضمّ الحكومة الإيطالية إلى دول مثل فرنسا وإسبانيا وبريطانيا التي اعترفت بفلسطين، كما أنها تبطئ فرض العقوبات ولا تعلن حظرا كاملا على السلاح. ومع ذلك فإن المزاج الشعبي يسير في اتجاه آخر؛ فهناك ملايين الأشخاص ينزلون إلى الشوارع، ولا توجد مدرسة أو جامعة أو مصنع إلا وتُطرح فيه القضية الفلسطينية ويُعبّأ الناس حولها. هناك جيل يعيد اكتشاف الالتزام السياسي من خلال دعم شعب بلا وطن وبلا سلطة".

في حين أشار سكوتو في الوقت ذاته إلى وجود "جزء من النخب السياسية والاقتصادية يعتبر العلاقة مع إسرائيل استراتيجية وغير قابلة للتفاوض حتى في مواجهة فظائع غزة. غير أن تأثير هذا التوجّه يتضاءل يوما بعد يوم أمام رأي عام غاضب ومستاء من هول المجازر الإسرائيلية في غزة".


خطوة مهمة وإيجابية
وأشاد سكوتو بالاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطين، قائلا: "نحن ننظر إلى هذه الاعترافات بإيجابية كبيرة. إنها خطوة مهمة لأنها تعطي شرعية دولية لحقوق الفلسطينيين، لكنها وحدها غير كافية لوقف الحرب ما لم ترافقها ضغوط سياسية واقتصادية وعقوبات رادعة على إسرائيل، فإن آلة الحرب ستستمر. المطلوب اليوم هو الاعتراف مقرونا بالفعل السياسي المُلزم والجاد".

وخلال الأيام الماضية، اعترف 11 بلدا بدولة فلسطين، وهي: بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال ولوكسمبورغ وبلجيكا وأندورا وفرنسا ومالطا وموناكو وسان مارينو، ليرتفع بذلك عدد المعترفين إلى 159 من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة، وفق وكالة "وفا" الفلسطينية الرسمية.

وشدّد سكوتو على أن "إسرائيل تجاوزت بشكل فج كل الخطوط الحمراء، من الإبادة إلى الحصار والتجويع واستهداف المدنيين"، منوها إلى أن "صورتها في المجتمع الدولي تضررت بعمق، حيث لم تعد تُرى كدولة ديمقراطية تدافع عن نفسها كما تزعم، بل كقوة احتلال تمارس جرائم حرب موثقة بالصوت والصورة، وكل يوم يزداد عزلها سياسيا وأخلاقيا على الساحة العالمية".

الاعتداء على "أسطول الصمود العالمي"
واستنكر سكوتو، وهو وأحد المشاركين في تحالف "أسطول الصمود العالمي"، الاعتداءات الإسرائيلية على سفن "أسطول الصمود العالمي" المتجهة إلى كسر الحصار عن غزة، قائلا إنها تُمثل "عملا غير قانوني، ويجب مواجهتها بوضوح".

وأكد أن "ما يثير الاستغراب هو صمت المجتمع الدولي وعدم إدانته القوية لهجوم ينتهك قانون البحار وكافة الاتفاقيات الدولية"، مُشدّدا على أنه "لا يحق لأي طرف استخدام الوسائل العسكرية ضد سفن تبحر في المياه الدولية، لا سيما إذا كانت مُحمّلة بمساعدات إنسانية".

واعتبر قرار وزير الدفاع الإيطالي، غويدو كروسيتو، إرسال فرقاطتين اثنين لحماية "أسطول الصمود العالمي" بمثابة "خطوة إيجابية ومقدّرة، ورغم أن هذا أمر متأخر إلا أنه يُعدّ إيجابيا"، لكنه أوضح أنها "ليست مرافقة عسكرية تتدخل في حال وقوع هجوم، بل وسيلة للإنقاذ والمساعدة في حال حدوث حوادث، وبالطبع فإن وجود فرقاطة عسكرية يُعدّ أيضا بمثابة ردع، وهذا ليس بالأمر البسيط".

وأكد البرلماني الإيطالي، أن "إرسال سفن حربية لمساندة (أسطول الصمود العالمي) يُشكّل خطوة بالغة الأهمية وضرورة ملحّة لضمان عمليات الإنقاذ وتأمين المجموعات المتواجدة على متن الأسطول في حال التعرض لأي ظرف طارئ أو خطر محتمل".

وأضاف أن "إسبانيا قد بادرت بالفعل إلى تحرك مشابه، ونحن بانتظار خطوات مماثلة من حكومات أخرى في المنطقة وخارجها، لما يمثله ذلك من مظلة حماية ورسالة ردع واضحة؛ فالتجربة السابقة، وما رافقها من هجوم استهدفنا، خلّفت حالة من الذعر والخوف، وهو ما يفرض هذه المرة استعدادا أكبر وضمانات أقوى لسلامة المشاركين".

قرارات سياسية ملموسة
وأشار إلى أن "التحدي الحقيقي يكمن في الموقف السياسي الذي يفترض أن تتبناه الحكومة الإيطالية بقيادة رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني"، متسائلا: "هل ترى روما أن الحصار البحري المفروض على غزة قانوني؟"، مؤكدا أن "القانون الدولي واضح تماما في هذا الجانب؛ إذ يعتبر مثل هذا الحصار غير شرعي ويصنّفه ضمن الانتهاكات الجسيمة للقواعد الإنسانية".

وأضاف سكوتو أنه ينبغي "على إيطاليا، ومعها الدول الغربية، أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية عبر توجيه رسالة مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرورة فتح المعابر، وخصوصا الممرات الإنسانية التي تتيح مرور السفن الإغاثية".

وشدّد على أن "المطلوب اليوم ليس الاكتفاء بتوفير مظلة أو حماية عسكرية، بل اتخاذ قرارات سياسية ملموسة تترجم إلى خطوات عملية تضمن وصول المساعدات وحماية المدنيين وإعادة الاعتبار لشرعية القانون الدولي. ما نحتاجه في هذه اللحظة هو إرادة سياسية حقيقية وقرارات جريئة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن".

وطالب الحكومة الإيطالية بأن "تعبّر بوضوح أكبر عن الطبيعة الإنسانية البحتة لهذه المهمة، بدل الاكتفاء بمواقف ضبابية أو ملتبسة"، منتقدا موقف رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، التي "سعت إلى تصوير نفسها في موقع الضحية أو إقحام حكومتها في صراع لا علاقة له بجوهر المبادرة الإنسانية؛ فهذه المهمة لم تُنظَّم ضد إيطاليا ولا ضد أي حكومة، بل نُظّمت من أجل الإنسانية ولأجل الشعب الفلسطيني الذي يواجه خطر الإبادة الجماعية".

ولفت البرلماني الإيطالي، إلى أن "أسطول الصمود العالمي يضم العديد من المجموعات من مختلف الدول والهيئات، وجميعها لا تفكر في الحكومة الإيطالية أو غيرها، بل تضع نصب أعينها الشعب الفلسطيني، الذي يُعَدّ الضحية الحقيقية للسياسات العدوانية والجرائم المتواصلة".

كما قال إن البرلمان الإيطالي كهيئة لم يفعل شيئا ملموسا تجاه دعم "أسطول الصمود" كمهمة إنسانية موجّهة إلى أهل غزة، مشيرا إلى أن "المعارضة احتلت قاعة البرلمان مرتين خلال أسبوع مطالبةً بمبادرة من الحكومة. أما نحن النواب الموجودون على متن السفن فنحاول تجسيد الروح الحقيقية للدستور التي تدعو لنبذ الحرب وتعزيز التعايش السلمي بين الشعوب".


غطرسة إسرائيلية وقحة
وأكد أنه "في حال قيام إسرائيل بشنّ هجمات جديدة ضد (أسطول الصمود)، سيكون ذلك أمرا غير مقبول بالمرة، وسيجسّد غطرسة وقحة تدفع الحكومة الإسرائيلية خارج كل قواعد القانون الدولي؛ فقد كان من الممكن أن تقع كارثة كبيرة الهجوم الذي حدث قبل أيام، ولحسن الحظ لم تسجّل ضحايا، لكن في عرض البحر قد يحدث دوما ما هو غير متوقع".

واستطرد البرلماني الإيطالي، قائلا: "نأمل أن تدفع الضغوط المختلفة على الحكومات إلى اتخاذ إجراءات ودعم المبدأ الواضح: (لا أحد يلمس سفن أسطول الصمون العالمي)".

ونوّه سكوتو إلى أنه "في حال تعرّض النشطاء المشاركون في الأسطول لأضرار أو مخاطر سيُعد ذلك عملا خطيرا من أعمال القرصنة يعاقب عليه القانون الجنائي، وقد أعلنت الحكومة الإسبانية بالفعل أنها ستسلك هذا الطريق بالفعل".

ودعا "الاتحاد الأوروبي إلى أن تبني هذه المهمة الإنسانية بوصفها مسؤولية سياسية وأخلاقية جماعية، لا أن يتركها مقتصرة على مبادرات المجتمع المدني أو على بضع عشرات من السفن التي يقودها نشطاء ومتطوعون".

وأوضح سكوتو أن ما جرى حتى الآن من جانب بروكسل "لا يرقى إلى المستوى المطلوب؛ إذ لم يقم الاتحاد الأوروبي بالكثير، رغم أن هذه المهمة الإنسانية أساسية وملحة وتهدف بالدرجة الأولى إلى ضمان وصول المساعدات إلى غزة".

وذكر البرلماني الإيطالي، أن "مثل هذه المبادرات المدنية، وإن كانت في غاية الأهمية، لا يمكن أن تعوّض غياب الدعم السياسي الرسمي، وهو ما يجب أن يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى جانب حكوماته الوطنية من أجل حماية هذه الجهود وضمان فعاليتها".

والأربعاء الماضي، تعرّض "أسطول الصمود العالمي"، المؤلف من نحو 50 قاربا مدنيا، لهجوم باستخدام طائرات مسيرة محملة بقنابل صوتية ومواد مجهولة في البحر المتوسط. وردا على ذلك، أعلنت إيطاليا وإسبانيا إرسال سفن حربية لدعم الأسطول وحمايته.

ولم يسفر الهجوم عن إصابات، لكن بعض القوارب تعرضت لأضرار، وألقت إدارة الأسطول المسؤولية على إسرائيل، التي سبق أن أعلنت عزمها استخدام أي وسيلة لمنع وصول القوارب إلى غزة.

ونهاية آب/ أغسطس الماضي، انطلقت من ميناء برشلونة الإسباني عشرات السفن ضمن الأسطول محملة بمساعدات إنسانية لا سيما مستلزمات طبية، تبعتها قافلة أخرى فجر الأول من أيلول/ سبتمبر الجاري من ميناء جنوى شمال غربي إيطاليا.