في الوقت الذي لا يُخفي فيه قادة دولة
الاحتلال الإسرائيلي أنهم وقعوا في مزيج من الفشل المفاهيمي الأيديولوجي والإخفاق الأمني والعسكري، فإنها تبدو، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى نموذج جديد لوزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، الكفيل بتعليمها كيفية استخلاص الإنجازات السياسية والاستراتيجية من هذا الفشل.
السفير والدبلوماسي الإسرائيلي السابق، ميخائيل هراري، أكد أن "فشل السابع من أكتوبر يذكّر الإسرائيليين بكثير من النواحي بفشل حرب 1973، ودون الدخول بمقارنة تفصيلية الآن، فيمكن القول إن هناك تشابهاً في الطريقة التي صمّم بها المفهوم الأمني، والفشل في تفسير المعلومات الاستخباراتية واسعة النطاق التي بحوزة الدولة بشكل صحيح، كما أن هناك تشابها، وليس تطابقا، في نتائج الحرب من المنظور العسكري، بعد صدمة المفاجأة والفشل، رغم أن الوضع الحالي في
غزة، بعد أشهر طويلة من الحرب، يشكل استثناء من القاعدة السلبية في هذا السياق".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "
معاريف" العبرية، وترجمته "عربي21"، أنه "من وجهة نظر الاحتلال، لا يوجد في هذا الوضع هدف عسكري واضح، ناهيك عن هدف سياسي، لكن ما يهمنا هو التفكير السياسي الهادف لاستغلال الإنجازات العسكرية، لتحقيق أهداف سياسية تخدم المصالح الحيوية لدولة الاحتلال، صحيح أن نتائج التحركات العسكرية في حرب "السيوف الحديدية" على جبهات لبنان وسوريا وإيران جيدة، ولو لم تكن ضمن قائمة الأهداف بداية الحرب".
وأشار إلى أن "الظروف الإقليمية والدولية، والأمريكية خصوصاً، مواتية، شرط أن يكون هناك تفكير سياسي استراتيجي وواقعي يعرف كيف يترجم الظروف الإيجابية لإنجازات سياسية، وقد أدرك هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في أثناء حرب أكتوبر الفرصة الكبرى لاستغلال المفاجأة والفشل في عام 1973 من جهة، والإنجازات العسكرية التي حققها الاحتلال بعد الصدمة على جبهتي مصر وسوريا من جهة أخرى، لتعزيز التحركات السياسية التي أدت فيما بعد لاتفاقية السلام مع مصر، واتفاقية فصل القوات مع سوريا".
وأوضح أن "كيسنجر منع الاحتلال من تطويق الجيش المصري الثالث، لأن هزيمة مصرية أخرى لن تخدم السلام بينهما، ولذلك فإن ما ينقصنا اليوم هو كيسنجر معاصر يعرف كيف يستغل الوضع الحالي لتعزيز الاستقرار الإقليمي، لأن الدول العربية التي لديها اتفاقيات سلام طويلة الأمد مع الاحتلال، وتلك المنضمة لاتفاقيات التطبيع، حريصة على الحفاظ على علاقاتها معه، وجوهرة التاج، السعودية، التي تطرق أبواب اتفاق سعودي أمريكي إسرائيلي".
ولفت إلى أن "هذه الظروف المثالية لم تكن موجودة في الماضي للدفع نحو التوصل لحلّ الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي، ما يتطلب من كيسنجر المعاصر ممارسة ضغوط حازمة وبناءة على الاحتلال لحمله على فرض ضبط النفس، والتواضع، والواقعية، في إنجازاته العسكرية، للمضيّ قدماً بحل الصراع مع الفلسطينيين، عقب توفر مصلحة مشتركة نادرة، في المنطقة وخارجها، لإضعاف
حماس جذرياً، وتعزيز البديل العلماني البراغماتي، من خلال تفكير إبداعي خارج الصندوق بعيدا عن التفكير الوهمي المسيحاني المدمّر".