سياسة عربية

الاحتلال تسبب بأكبر عملية نزوح في الضفة الغربية منذ نكسة عام 1967

يخشى الفلسطينيون من محاولة إسرائيلية مبطنة لتهجير الفلسطينيين بشكل دائم- منصة "إكس"
بلغ تشريد الفلسطينيين في الضفة الغربية أعلى مستوياته منذ حرب عام 1967، وهذا بينما يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة منذ الشهر الماضي ضد عدد من المدن في الضفة الغربية شرد فيها حتى الآن حوالي 40 ألف فلسطيني من بيوتهم.

وجاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن "الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل في ثلاثة أجزاء من الضفة الغربية، أجبرت آلافا من المواطنين على اللجوء إلى منازل أصدقائهم وأقاربهم أو النوم بقاعات الزفاف والمدارس والمساجد وبنايات تابعة للبلديات وحتى الحظائر في المزارع".

وأكد التقرير أن "الجيش الإسرائيلي يزعم أن العملية ليست إلا محاولة لضرب المسلحين في جنين وطولكرم وبالقرب من طوباس، بينما يخشى الفلسطينيون أن تكون هذه محاولة مبطنة لتهجير الفلسطينيين بشكل دائم من منازلهم وفرض سيطرة أكبر على المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية، التي شنت في الشهر الماضي حملة في مخيم جنين".

وأشار إلى أن معظم المشردين في العملية الإسرائيلية المستمرة هم من أبناء وأحفاد اللاجئين الذين فروا من منازلهم وقراهم خلال النكبة الفلسطينية عام 1948.

وأكد أنه "بالنسبة لهم فالتشريد الجديد، وإن كان مؤقتا فهو يعيد إليهم قصص النكبة والتي تعيد استحضار ذكريات مؤلمة للصدمة المركزية في التاريخ الفلسطيني، وبينما عاد ما يقرب من 3,000 شخص إلى منازلهم، لا يزال معظمهم بلا مأوى بعد أكثر من ثلاثة أسابيع، وهو نزوح أكبر مما حدث خلال  الحملة العسكرية في الضفة الغربية عام 2002، حسب خبيرين فلسطينيين واثنين من الإسرائيليين في تاريخ الضفة الغربية".

وفي ذلك العام، شنت قوات  الاحتلال الإسرائيلي هجمات ضد عدة مدن في ذروة الانتفاضة الثانية، بينما تعتبر الأرقام الحالية، أقل بكثير من النزوح الذي حدث عندما حاولت قوات الأمن الفلسطينية السيطرة على مخيم جنين، في وقت سابق من هذا العام، حيث غادر ما يصل إلى 1,000 من سكان جنين منازلهم، حسب المجالس المحلية هناك. 

وكما حدث في عام 2002، لن يجد  بعض النازحين خلال هذه الحملة الجديدة منازل لكي يعودوا إليها، فقد هدم جيش الاحتلال عشرات المباني في المناطق التي دخلها، ودمر الطرق وأنابيب المياه وخطوط الكهرباء، بزعم تدمير مفخخات زرعها المسلحون. 

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أنظمة المياه والصرف الصحي دمرت في أربعة مخيمات للاجئين، مضيفا أن بعض البنية الأساسية للمياه تلوثت بمياه الصرف الصحي. 

ويقول حكيم أبو صفية، مدير لجنة الطوارئ في بلدية طولكرم: "لقد وصلنا إلى نقطة لم يعد فيها نظام في المخيمات" و"هي غير صالحة للسكن، وحتى لو انسحب الجيش، فنحن لسنا متأكدين مما يمكن إصلاحه".

 وفي الوقت الذي لم يتضح فيه الحجم الكامل للأضرار نظرا لاستمرا ر العملية العسكرية في كل المناطق التي يستهدفها الجيش، إلا أن الأمم المتحدة سجلت أضرارا جسيمة لأكثر من 150 منزلا في جنين. 

وبحلول أوائل شباط/ فبراير، اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بتفجير ما لا يقل عن 23 مبنى، لكنه رفض تأكيد عدد المباني الجديدة التي هدمت. 

وقال رامي أبو سرية، 53 عاما وهو حلاق أجبر على ترك منزله في طولكرم في 27 كانون الثاني/ يناير: "يسيطر الجيش على منطقة بعد الأخرى ويدمر البيوت والبنى التحتية والشوارع". 

وأضاف أبو سرية بحسب ما نقل التقرير أن "الإسرائيليين لديهم هدفان، الأول هو دفع اللاجئين من شمال الضفة الغربية نحو المناطق الوسطى، بهدف محو مخيمات اللاجئين بالكامل. والهدف الثاني هو القضاء على المقاومة وإضعاف قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم".

وقال متحدث باسم جيش الاحتلال إن هدف العملية هو "القضاء على المسلحين بمن فيهم حماس والذين شنوا هجمات ضد الإسرائيليين"، بينما اعترف المتحدث باسم الجيش بصدور أوامر في بعض الحالات للناس بمغادرة مبان محددة بالقرب مما قال إنها "مخابئ للمسلحين".

وأكد النازحون الفلسطينيون أن الجنود في كل من جنين وطولكرم أصدروا لهم أوامر بالمغادرة باستخدام مكبرات الصوت طالبتهم بالإخلاء.


 وقال أوس خضر (29 عاما)، وهو صاحب متجر فر من مخيم طولكرم في 27 كانون الثاني/ يناير: "لقد اضطررنا إلى مغادرة المخيم، فقد هددنا الجيش بإطلاق النار علينا". وأضاف خضر: "لقد استخدموا مكبرات الصوت، وأمروا الناس بالمغادرة وإلا أطلقوا النار عليهم". 

وتسارعت الجهود الإسرائيلية الرامية لترسيخ السيطرة على المنطقة بعد تولي الحكومة  الحالية السلطة في عام 2022، ومنح بتسلئيل سموتريتش، المستوطن الذي أوكلت إليه وزارة المالية، سلطة على جزء من وحدة عسكرية مؤثرة تسيطر على مشاريع البناء الفلسطينية في معظم المنطقة.  وأدى تمكين سموتريتش إلى زيادة الشكوك حول نوايا الحكومة، كما فرضت الحكومة قيودا متزايدة على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وترى مها نصار، المؤرخة الفلسطينية الأمريكية في جامعة أريزونا: "ما يجعل هذه اللحظة غير مسبوقة ليس حجم النزوح فقط، بل وأيضا الخطاب المصاحب، الذي يعمل بشكل متزايد على تطبيع فكرة النزوح القسري الدائم". وأضافت: "يمثل هذا تصعيدا كبيرا في الصراع الطويل الأمد، وهو ما يهدد بتغيير المشهد السياسي والديموغرافي في المنطقة بشكل جذري".