"أريد
ابني يرجع"، بهذه الكلمات المختصرة والدقيقة ناشد أب عراقي ليلة أمس، الخميس، الجهات
الأمنيّة بعد
اختطاف ابنه من قبل مسلّحين بمحافظة ديالى الشرقيّة واقتياده إلى جهة مجهولة!
وتعتبر قضيّة
المختطفين والمغيّبين من الملفّات الغامضة والقلقة والمرهقة والمتجددة في
العراق،
خصوصا مع ضعف الأمل بالعثور على آثار غالبيّتهم مع مُضيّ السنوات والأيّام.
وكارثة الاختطاف الجماعيّ
مرّت بثلاث مراحل: الأولى بعد الاحتلال الأمريكيّ في العام 2003، والثانية خلال الحرب
ضدّ "داعش" بين عامي 2014 و2017، والثالثة بعد مظاهرات تشرين الأوّل/ أكتوبر
2019، وهذا التقسيم الزمنيّ لا يعني أنّ السنوات الباقية كانت آمنة ومستقرّة.
تعتبر قضيّة المختطفين والمغيّبين من الملفّات الغامضة والقلقة والمرهقة والمتجددة في العراق، خصوصا مع ضعف الأمل بالعثور على آثار غالبيّتهم مع مُضيّ السنوات والأيّام.
والاختطاف والتغييب
يكون عبر شبكات الجريمة المنظّمة التي تتابع أسماء وجنسيّات الداخلين للعراق من
المنافذ الحدوديّة، وفي يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أعلن الأمن
تحرير مختطفة "عراقيّة تحمل الجنسية الأستراليّة"، والقبض على خاطفيها
ببغداد.
ومنتصف كانون
الثاني/ يناير الحالي، عادت للواجهة قضيّة طالبة الدكتوراة "الروسيّة
الإسرائيليّة"، إليزابيث تسوركوف، التي اختفت في
العراق في آذار/ مارس 2023، وذلك بعدما التقى مبعوثو خمس دول غربيّة بأسرتها!
وكانت "تسوركوف"
قد زارت بغداد في كانون الثاني/ يناير 2022، بجوازها الروسيّ، لتستكمل أبحاثها
الميدانيّة عن الفصائل المسلّحة كجزء من أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة
برينستون الأمريكيّة. وتتّهم "إسرائيل"
"كتائب حزب الله"، القريبة من إيران، باختطافها!
وفي أثناء كتابة
المقال، الخميس، كشف وزير الخارجيّة العراقيّ فؤاد حسين أنّ "تسوركوف" "محتجزة
لدى جماعة مسلّحة عراقيّة، وتعمل بغداد على تحريرها"!
وهنا نتساءل، إن
كانت "تسوركوف" قد "يُعثر عليها بصعوبة" رغم مطالبات الدول
الكبرى بمعرفة مصيرها، فمَنْ سيبحث عن مصير مئات آلاف العراقيّين الذين ضاع أثرهم
منذ العام 2003 وحتّى الساعة؟
والمؤلم، أنّه لا
أحد يعرف الأعداد الدقيقة للمغيّبين والمختطفين في العراق، وسبق للسفيرة الأمريكيّة
في بغداد "إلينا رومانوسكي" أن ذكرت نهاية آب/ أغسطس 2024، وقبل نهاية
مهام عملها بثلاثة أشهر، أنّ "لجانا دوليّة مختصّة بضحايا الاختفاء القسريّ تُقدّر
الضحايا بنحو مليون شخص"! فيما تقول اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر؛ إنّ "العراق
يضمّ أحد أكبر أعداد الأشخاص المفقودين في العالم، وأعدادهم قد تتراوح بين ربع
مليون ومليون شخص"!
وهذه النسبة التي تتراوح بين الربع مليون والمليون غريبة، وهذا يؤكّد فوضى الإحصائيات للكثيرين، ومنهم منظّمات عريقة مثل الصليب الأحمر!
وانضمّ العراق في
العام 2010 للاتّفاقيّة الدوليّة المتعلّقة بالاختفاء القسريّ، وفي المقابل، ومنذ ستّ
سنوات، فشل البرلمان في إقرار قانون "حماية الأشخاص من الاختفاء القسريّ"!
ومنذ العام 2005
كانت هنالك شهادات مروّعة عن السجون السرّيّة، وسبق للنائب السابق محمد الدايني أن
قدّم شهادته في جنيف يوم 30 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2008 عن "وجود سجون سرّيّة
في العراق، وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"! ونأمل ألا تكون هنالك
معتقلات سرّيّة خارج العراق في دول متحالفة مع بغداد!
وبخصوص مصير المختطفين،
أعلن "أبو عزرائيل"، القيادي في الحشد الشعبيّ، يوم 23 أيلول/ سبتمبر 2022
أنه "تمّ قتلهم، لا تبحثوا عنهم"!
وهنالك، منذ
سنوات، مخاوف من وجود سجون ومقابر سرّيّة وأفران لحرق الجثث، تماما مثل سجن
صيدنايا السوريّ الرهيب!
وقبل عشرة أيام، كانت هنالك محاولات لترتيب موقف سياسيّ "سنّيّ" موحّد يهدف لبناء
التوازن في قيادة الدولة، وتعديل قانون العفوّ العامّ بما يتيح خروج الأبرياء،
ومعرفة مصير المغيّبين، وتعويض أهاليهم وغيرها من الحقوق، وفقا لتصريح السياسيّ
خميس الخنجر!
ورغم إقرار قانون
العفوّ العامّ الثلاثاء الماضي، إلا أنّ قضيّة المختطفين والمغيّبين لم تُحْسم
وبقيت من أكبر أسباب التوتّر الشعبيّ، والغريب أنّ قانون العفوّ شمل
جرائم الخطف
التي "لم ينشأ عنها موت المخطوف أو مجهوليّة مصيره أو إحداث عاهة مستديمة". وبهذا، فإنّ بعض فقرات القانون شملت
عصابات الجريمة المنظّمة التي تعتبر من العوامل
المرهقة للأمن مستقبلا!
الدولة التي تُقيم حكمها على تضييع آثار المواطنين لا يُكتب لها النجاح، وها هو نظام بشار الأسد، ورغم بطشه وبراميله المتفجّرة، لم يقف بوجه الثورة الشعبيّة، وصار لاجئا في روسيا، بعد أن كان يتحكّم بغالبيّة المدن السورية.
وهكذا، فإنّ الدول
التي تسعى للحفاظ على هيبتها وسمعتها ينبغي عليها حسم ملفّ المغيّبين والمختطفين، عبر
تشكيل لجان رسميّة وشعبيّة وأمنيّة للبحث عنهم في عموم البلاد، وبالذات في المناطق
الزراعيّة الشاسعة، والصناعيّة المهجورة، والمصانع والمعامل المتروكة، وكذلك
المقابر الضخمة، وتفتيشها بعناية. ويمكن الاستعانة بالدول المتقدّمة في عمليّات
البحث عن المفقودين عبر الأجهزة الحديثة.
وفي حال عدم وجود
أثر للمختفين، تتحمّل الدولة "ديتهم" بما لا يقلّ عن 100 ألف دولار تدفع
لورثتهم، وذلك لإنهاء الجدل بهذه القضيّة الإنسانيّة والشعبيّة الحسّاسة.
إنّ الدولة التي
تُقيم حكمها على تضييع آثار المواطنين لا يُكتب لها النجاح، وها هو نظام بشار
الأسد، ورغم بطشه وبراميله المتفجّرة، لم يقف بوجه الثورة الشعبيّة، وصار لاجئا في
روسيا، بعد أن كان يتحكّم بغالبيّة المدن السورية.
وعليه، فإنّ الدول
التي تتجاهل مأساة المغيّبين والمختطفين من مواطنيها وغيرهم ضمن أراضيها هي دولة
إرهابيّة فاشلة، أما الدولة التي تُشارك في عمليّات الاختطاف والتغييب فهي "عصابة
رسميّة"، ولا علاقة لها بالأنظمة الدوليّة.
مَن يحبّ العراق، عليه أن يُحافظ على الإنسان، فهو الثروة الأغلى، والكنز النفيس لبناء الحاضر
والمستقبل.
x.com/dr_jasemj67