رصدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي٬ انتهاكات النظام
المصري في عدة مجالات، لا سيما
حقوق الإنسان.
وقالت المنظمة الحقوقية، إن حكومة رئيس النظام المصري عبد الفتاح
السيسي دخلت عقدها الثاني في السلطة وسط مواصلة سياسة القمع الشامل، حيث واصلت اعتقال ومعاقبة المنتقدين والنشطاء السلميين بشكل ممنهج، وتجريم المعارضة السلمية عملياً.
وشملت الاعتقالات عشرات المتظاهرين والنشطاء الذين شاركوا في أحداث تضامنية مع فلسطين، بينما ظل آلاف المحتجزين يعانون من ظروف قاسية في الحبس الاحتياطي المطول أو بموجب أحكام صدرت بحقهم إثر محاكمات جائرة.
ولأول مرة منذ عام 2016، سمحت السلطات لعدد من الحقوقيين البارزين بالسفر خارج مصر. ومع ذلك، ظل الحيز المدني مقيداً بشدة، حيث واجهت المنظمات المستقلة التي تعمل بموجب قوانين صارمة مضايقات قضائية وأمنية مستمرة.
ومنذ كانون الثاني/ يناير الماضي، وقّعت مصر على صفقات إنقاذ اقتصادي بلغت قيمتها حوالي 57 مليار دولار أمريكي. إلا أن الأزمة الاقتصادية واستجابة الحكومة لها أدت إلى إعاقة حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في الغذاء والصحة والكهرباء.
تواصل انتهاكات حقوق الإنسان
استمرت قوات الشرطة و"قطاع
الأمن الوطني" التابع لوزارة
الداخلية في ممارسة انتهاكات جسيمة بحق المعارضين والمنتقدين، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، سواء في أماكن الاحتجاز الرسمية أو غير الرسمية.
ففي تموز/ يوليو الماضي، احتجز أفراد الأمن الوطني رسام الكاريكاتير السياسي أشرف عمر والصحفي خالد ممدوح بشكل تعسفي وبمعزل عن العالم الخارجي. وأفادت عائلة عمر بأن عناصر الأمن الوطني عذبوه وهددوه بالصعق بالكهرباء أثناء احتجازه في مكان سري.
وفي سياق متصل، يبدو أن السلطات المصرية قد أبرمت في السنوات الأخيرة صفقات عفو غير شفافة مع مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم (داعش) في شمال سيناء، دون الكشف عن المعايير التي استندت إليها. ورغم أن قوانين الحرب الدولية تشجع على توسيع نطاق العفو في نهاية النزاعات المسلحة غير الدولية، إلا أنها تستثني أي مشتبه به أو متهم أو مدان بارتكاب جرائم حرب أو جرائم دولية خطيرة أخرى. ولم توضح السلطات ما إذا كانت تنوي محاكمة المشتبه في ارتكابهم انتهاكات خطيرة مثل القتل الجماعي للمدنيين والإعدام خارج نطاق القضاء.
توسيع الولاية القضائية العسكرية
في كانون الثاني/ يناير الماضي، وافق البرلمان المصري بسرعة على قوانين جديدة اقترحتها الحكومة، تمنح الجيش سلطات واسعة تتيح له أن يحل كلياً أو جزئياً محل مهام الشرطة والقضاء المدني والسلطات المدنية الأخرى، مع توسيع اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين.
وينص القانون رقم 3 لسنة 2024 على منح العسكريين المشاركين في عمليات معينة الصلاحيات القضائية نفسها التي تتمتع بها الشرطة في التوقيف والاحتجاز. كما يُلزم القانون بأن تخضع جميع الجرائم المرتكبة ضد المنشآت والمباني العامة، التي تم تعريفها بشكل فضفاض بأنها "حيوية" أو مرتبطة بها، للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية.
وقد استُخدمت هذه القوانين التعسفية في السنوات الأخيرة لمحاكمة آلاف المدنيين، بما في ذلك الأطفال، أمام المحاكم العسكرية، مما أثار انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان بسبب انتهاكها للمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمات العادلة.
قمع حرية التعبير والتجمع
تُعتبر "نيابة أمن الدولة العليا"، وهي فرع من النيابة العامة المصرية، مسؤولة عن احتجاز آلاف النشطاء السلميين والصحفيين لفترات طويلة تصل إلى شهور أو سنوات دون تقديم أدلة كافية على ارتكابهم أي تجاوزات. وقد تم احتجاز العديد من الصحفيين بتهم زائفة غالباً ما تكون مرتبطة بعملهم الصحفي.
فعلى سبيل المثال، لا يزال رسام الكاريكاتير السياسي أشرف عمر والصحفي خالد ممدوح رهن الحبس الاحتياطي منذ تموز/ يوليو دون تقديم أدلة على ارتكابهم أي مخالفات. وقال محامون إنهما يواجهان تهمًا مثل "نشر أخبار كاذبة" و"الانضمام إلى جماعة إرهابية" و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، في إطار حملة قمعية تستهدف حرية التعبير.
انتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان
سمحت السلطات المصرية لعدد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان، مثل جمال عيد وحسام بهجت، بالسفر إلى الخارج للمرة الأولى منذ عام 2016، عندما تمت مقاضاتهم ضمن قضية "التمويل الأجنبي" المعروفة بالقضية 173، والتي شملت عشرات الحقوقيين والمنظمات الحقوقية.
وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن قاضي التحقيق إغلاق التحقيقات وإسقاط التهم لعدم كفاية الأدلة. كما رفع القاضي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أوامر تجميد الأصول التي استمرت ثماني سنوات وطالت أربعة حقوقيين بارزين على الأقل.
ومع ذلك، لا يزال العديد من المتهمين السابقين يواجهون عواقب قاسية، بما في ذلك تجميد الأصول. كما لا يزال الحقوقيان البارزان ناصر أمين وهدى عبد الوهاب ممنوعَيْن تعسفياً من السفر إلى الخارج، ويواجهان تحقيقات مستمرة من قبل نيابة أمن الدولة العليا.
قمع المعارضة السياسية
في شباط/ فبراير الماضي، أصدرت محكمة مصرية حكماً بسجن السياسي البارز أحمد الطنطاوي، ومستشار حملته الانتخابية، و21 من أنصاره المحتجزين، لمدة عام بتهم مزعومة مرتبطة بتحديه الرئاسي لرئيس النظام عبد الفتاح السيسي في انتخابات كانون الأول/ ديسمبر 2023.
كما منعت المحكمة الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات. واستند الحكم بالكامل إلى النشاط السياسي السلمي للطنطاوي وجهود حملته لجمع التوكيلات قبل الانتخابات.
وفي 27 أيار/ مايو الماضي، أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر بسجن الطنطاوي لمدة عام واحد، إلى جانب نحو 20 من أنصاره، وأكدت منعه من الترشح للانتخابات النيابية.
انتهاكات نظام العدالة
واصلت السلطات المصرية استخدام نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديوكونفرنس) بشكل تعسفي لإجراء جلسات استماع عن بُعد لتجديد الحبس الاحتياطي، دون عرض المحتجزين على قاضٍ. ويُضعف هذا النظام بشكل كبير الإجراءات القانونية الواجبة، ويمنع القاضي من تقييم مدى شرعية الاحتجاز وظروفه، بالإضافة إلى تقييم سلامة المحتجزين. كما ينتهك النظام العديد من ضمانات المحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في الاستعانة بمحامٍ.
تأثير السياسات الاقتصادية على الحقوق الأساسية
ما يزال النهج الاقتصادي للحكومة المصرية، الذي يركز على الإنفاق الضخم في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك تلك التي يقودها الجيش، يقوّض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين. ويأتي ذلك في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة التي تشهدها البلاد، والتي تشمل ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الأساسية، وتزايد معدلات الفقر، وتراجع فرص الحصول على الغذاء والكهرباء.
ومنذ شباط/ فبراير الماضي، قدمت جهات مانحة مثل الإمارات و"صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" وبريطانيا و"الاتحاد الأوروبي"، أو تعهدت بتقديم، ما يقارب 57 مليار دولار أمريكي في شكل منح وقروض.
ومع ذلك، لم يكن لهذه المساعدات تأثير كبير في تحسين أوضاع المواطنين، حيث يعيش ما يقارب ثلثا سكان مصر، الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، في فقر أو على حافته. كما يوفر نظام الضمان الاجتماعي تحويلات نقدية محدودة لحوالي 21 مليون شخص فقط، مما يعكس فجوة كبيرة في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.
انتهاكات حقوق اللاجئين والمهاجرين
حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، استضافت مصر أكثر من 841,922 لاجئاً وطالب لجوء مسجلين من 65 دولة، بينهم حوالي 565 ألف شخص فروا من النزاع المسلح الدائر في السودان منذ نيسان/ أبريل 2023.
ووفقاً لـ"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، أعلنت الحكومة المصرية أنها استقبلت 1.2 مليون سوداني منذ نيسان/ أبريل 2023، وقد يشمل ذلك طالبي لجوء غير مسجلين وآخرين غادروا مصر إلى بلدان أخرى.
بين أواخر عام 2023 وآذار/مارس 2024، اعتقلت السلطات المصرية آلاف طالبي اللجوء السودانيين بشكل تعسفي وطردتهم بشكل غير قانوني، رغم المخاطر الجسيمة التي قد يتعرضون لها في السودان، مما ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، وفقاً لتقارير "منظمة العفو الدولية" ومنظمات حقوقية أخرى.
وبحسب المفوضية، فإن التحاق الأطفال اللاجئين بالمدارس الحكومية "على قدم المساواة مع المصريين" متاح فقط لمواطني السودان، وجنوب السودان، واليمن، وسوريا. ومع ذلك، يواجه الأطفال من هذه الجنسيات عقبات بيروقراطية وعقبات أخرى تحرمهم من الوصول إلى التعليم، مما يعكس تحديات كبيرة في حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين في مصر.
مقررة أممية تنتقد استخدام قانون مكافحة الإرهاب
وفي نفس السياق٬ أعربت ماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، عن قلقها البالغ من استمرار مصر في استخدام قانون مكافحة الإرهاب لسجن المدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي بيان صحفي، أكدت لولور أن "مصر، ورغم تحقيقها بعض التقدم مثل الإفراج عن عدد من المعتقلين وإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، لا تزال تسيء استخدام قانون مكافحة الإرهاب بشكل متكرر، وتعيد تدوير التهم الجنائية ضد النشطاء الحقوقيين".
وأبرزت المقررة الخاصة قلقها من ممارسة تُعرف باسم "إعادة التدوير"، والتي تتمثل في احتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان مجددًا بعد انقضاء مدد أحكامهم، عبر توجيه اتهامات مشابهة تتعلق بالإرهاب. ولفتت إلى قضية المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم التي، بعد إنهاء عقوبتها البالغة خمس سنوات في نوفمبر 2023، وجهت إليها تهم جديدة وأُعيد احتجازها، مما يعد انتهاكًا لمبدأ عدم المحاكمة مرتين.
كما سلطت الضوء على حالة عائشة الشاطر، التي تواجه تهمًا مشابهة في قضية تتعلق بعقوبتها الحالية البالغة 10 سنوات. وأشارت أيضًا إلى حالة المحامي إبراهيم متولي، المحتجز تعسفيًا منذ 2017، رغم صدور أمرين قضائيين بالإفراج المشروط عنه، إذ وُجهت إليه مرارًا تهم جديدة.
وأكدت لولور أن ظروف السجن التي يعاني منها هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان تُثير قلقًا بالغًا، مشيرة إلى مشكلات صحية خطيرة واجهها المعتقلون بسبب الإهمال الطبي المتعمد، الذي قد يصل إلى حد سوء المعاملة الجسدية والنفسية.
وختمت المقررة الأممية بالقول إن السلطات المصرية مُلزمة دوليًا بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، داعية إلى إنهاء مثل هذه الانتهاكات واحترام الالتزامات الدولية ذات الصلة.