قضايا وآراء

هل إيران دولة مارقة تتحدى النظام الدولي؟

هل تتبنى إيران سياسة متهورة؟- إكس
من المثير للاهتمام كيف تُصوَّر إيران على المسرح الدولي، خاصة في الخطاب الإعلامي الغربي، كتهديد دائم وخصم لا يمكن الوثوق به. هذا التصور، الذي يهيمن على السردية الغربية، يتناقض بشكل لافت مع تحليل الصحفي الأمريكي الحائز على جائزة بوليتزر، غلين غرينوالد، الذي قدم رؤية مختلفة تماما حول سياسات إيران ودوافعها الإقليمية.

ضمن مناظرة نظمتها مؤسسة "Soho Forum"، ناقش غرينوالد أستاذَ القانون البارز آلان ديرشوفيتز، الذي دافع عن فكرة ضرورة ضرب المنشآت النووية الإيرانية. في المقابل، قدم غرينوالد حججا قوية تؤكد أن إيران دولة عقلانية تُدير سياستها بحسابات دقيقة، بعيدا عن التصرفات المتهورة التي تُلصق بها في الإعلام الغربي. هذا الطرح أضاف بُعدا جديدا للنقاش حول طبيعة إيران وسياستها الدولية.

إذا كانت إيران تمتلك قدرات عسكرية بدائية كما يدعي خصومها، فلماذا تخشاها إسرائيل؟ وإذا كانت هذه الادعاءات غير صحيحة، لماذا لم تستخدم إيران صواريخها الأكثر تطورا، والتي تُقدَّر بعشرات الآلاف لدى حزب الله، لضرب المدن الإسرائيلية؟ الإجابة التي يقدمها غرينوالد بسيطة: إيران دولة تدرك العواقب الكارثية لأي تصعيد غير محسوب

يشير غرينوالد إلى نقطة بالغة الأهمية: إذا كانت إيران تمتلك قدرات عسكرية بدائية كما يدعي خصومها، فلماذا تخشاها إسرائيل؟ وإذا كانت هذه الادعاءات غير صحيحة، لماذا لم تستخدم إيران صواريخها الأكثر تطورا، والتي تُقدَّر بعشرات الآلاف لدى حزب الله، لضرب المدن الإسرائيلية؟ الإجابة التي يقدمها غرينوالد بسيطة: إيران دولة تدرك العواقب الكارثية لأي تصعيد غير محسوب، وتتحلى بضبط النفس لتجنب اندلاع حرب عالمية.

هذه الحجة تعكس تناقضا في الرواية الغربية: فمن جهة، تُصوَّر إيران على أنها دولة تسعى للحرب بأي ثمن، ومن جهة أخرى، يتم التقليل من شأن قدراتها العسكرية ووصفها بأنها "بدائية". الحقيقة، كما يوضح غرينوالد، أن إيران قادرة ولكنها حكيمة وتختار عدم التصعيد، وهو دليل على سياسة عقلانية وليست اندفاعية.

كما يُسلط غرينوالد الضوء على ازدواجية المعايير في الإعلام الغربي الذي يصف إيران، وروسيا، وحتى حماس، بـ"هتلر الجديد"، في حين يغض الطرف عن السياسات العدوانية للولايات المتحدة وإسرائيل. هذه الدول، وفقا لغرينوالد، هي التي بدأت معظم الحروب في العقود الأخيرة، من العراق إلى أفغانستان، ومن فلسطين إلى سوريا.

إن تصوير الدول غير الغربية دائما كأعداء "غير عقلانيين" يُعزز الدعاية التي تخدم المصالح الإمبريالية. ويُذكّر غرينوالد مشاهديه بأن العالم ليس حكرا على "العقلانية الغربية"، بل إن هناك دولا أخرى تتخذ قراراتها بناء على مصالحها الوطنية دون السقوط في مغامرات عسكرية متهورة.

إذا نظرنا إلى سلوك إيران من هذا المنظور، يمكننا أن نرى دولة تعمل وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تراعي التوازنات الدولية والإقليمية

إذا نظرنا إلى سلوك إيران من هذا المنظور، يمكننا أن نرى دولة تعمل وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تراعي التوازنات الدولية والإقليمية. هذه هي الصورة التي يسعى الإعلام الغربي لتشويهها من خلال تأطير إيران كدولة متهورة وعدوانية.

ما قاله غلين غرينوالد يجب أن يدفعنا إلى إعادة التفكير في الروايات السائدة حول إيران. هل هي فعلا الدولة "المارقة" التي تسعى للحرب، أم أنها ضحية حملة دعائية ممنهجة تهدف إلى تبرير التدخلات الغربية في المنطقة؟ إذا كنا نبحث عن الحقيقة بعيدا عن الدعاية، فإن الإجابة قد تكون أقرب إلى الثانية.

فإيران، على الرغم من كل الاستفزازات، تظل مثالا لدولة تُمارس ضبط النفس وتُحافظ على سيادتها أمام الضغوط الخارجية، في وقت يبدو فيه أن العقلانية أصبحت عملة نادرة في السياسة الدولية.