منذ بدء
العدوان على
غزة قبل أكثر من عام، ثم اتساعه ليشمل
لبنان، انتظر الكثير من المنتمين للطائفة الشيعية مواقف المرجعية العليا للشيعة في
العراق والعالم السيد علي
السيستاني.
وكانت مواقف السيستاني محل جدل ونقاش، خصوصا أنها ركزت على إدانة العدوان، والدعوة لوقفه، ومطالبه المجتمع الدولي بالتحرك.
والسيستاني، هو مرجع ديني للشيعة الاثني عشرية، ويقيم في مدينة النجف العراقية، التي تعتبر مركزا لمدارس العلوم الدينية الرئيسية، وتسمى "حوزة النجف"، وهو من أكثر الشخصيات تأثيرا في البلاد؛ نظرا لامتداد مرجعيته الدينية.
صمت تقطعه البيانات
بداية العدوان على غزة، أصدر مكتب السيستاني بيانا، دعا فيه لوقف العدوان الذي "يجري على مرأى ومسمع العالم كله، ولا رادع له ولا مانع، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية ويبرّرها بذريعة الدفاع عن النفس".
وأضاف أن العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع، ومنع تمادي قوات
الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم، مبينا أن "إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم - المستمرة منذ سبعة عقود - بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين، وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة".
وتلت ذلك عدة بيانات تدين المجازر الإسرائيلية في القطاع، كمجزرة مدرسة "التابعين" في آب/ أغسطس الماضي، غير أن البيان حمل تحذيرات من مصادمات كبرى في المنطقة "تتسبب بنتائج كارثية"، خصوصا بعد اغتيال الاحتلال قادة المقاومة، في إشارة لرئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب إسماعيل هنية الذي استشهد في طهران أواخر تموز/ يوليو الماضي.
ومع بدء العدوان على لبنان في أيلول/ سبتمبر الماضي، عبّر السيستاني عن تضامنه مع اللبنانيين، كما طالب "ببذل كل جهدٍ ممكن لوقف هذا العدوان الهمجي المستمر، وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة، داعيا المؤمنين إلى القيام بما يساهم في تخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية ".
هل كانت مواقف السيستاني ترقى لحجم الحرب في غزة ولبنان؟
في الجواب عن هذا السؤال، يقول الباحث الإسلامي العراقي أحمد الكاتب، إن "السيد السيستاني بالحقيقة حتى بالنسبة للاحتلال الأمريكي للعراق عندما بدأ الغزو، أصدر بيانا يحث على عدم مواجهة الاحتلال أو التعاون معه".
وأضاف في حديث على إحدى منصات التواصل الاجتماعي: "عندما وقع الاحتلال، لم يصدر السيستاني أي فتوى بوجوب مثلا مقاومة الاحتلال. فكيف بالنسبة لفلسطين أو لبنان، هو لا يتدخل رغم أنه يقول في رسالته العملية إنه نائب الإمام المهدي، وهو الحاكم الشرعي وولي أمر المسلمين في العالم".
واستدرك الكاتب بأن السيستاني "عمليا لا يمارس هذه الولاية في العالم إلا بالعراق وبقدر محدود، وحتى في العراق يتدخل بصورة غير مباشرة،، دستوريا لا يوجد منصب أو موقع للمرجعية في الساحة العراقية. ولكن عمليا هي تتدخل، فمثلا فاز إبراهيم الجعفري بالانتخابات الأولى عام 2005، وكان من حقه أن يصبح رئيس الوزراء، لكن بعض الأحزاب العراقية بطلب أمريكي رفضت الجعفري، فتدخلت، كذلك حدث مع نوري المالكي، وعندما أجبرت عادل عبد المهدي على الاستقالة عام 2019.
وتابع: "مرجعية السيستاني تتدخل أحيانا وتصمت أحيانا، فعشر سنين مثلا لم يكن هناك توجيه، بل بيان يتيم بين كل سنة أو في العشر سنوات مرة واحدة يعبر السيستاني فيه عن رغباته أو عن تمنياته، وهذا لا يؤثر في الناس".
"تهدئة ضمنية"ومع تصاعد العدوان والحديث عن ضربة إسرائيلية وشيكة للعراق ردا على هجوم بطائرة مسيرة قتل اثنين من جنود الاحتلال في الجولان الشهر الماضي، وبالتزامن مع التقارير عن احتمالية هجوم إيراني تجاه الأراضي المحتلة ينطلق من العراق، أصدر السيستاني بيانا يدعو فيه للتهدئة ضمنيا، مطلع الشهر الجاري.
ودعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، إلى تحكيم سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة العراقية، مشددا على أنه من المهم للشعب العراقي "أخذ العبر من التجارب التي مر بها".
وقال السيستاني خلال لقائه مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الجديد لدى بغداد العماني محمد الحسان، الاثنين، إنه "ينبغي منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد على جميع المستويات للوصول بالعراق إلى الازدهار".
كما وجّه السيستاني انتقادا لاذعا للمجتمع الدولي إزاء عجزه عن فرض حلول ناجعة لإيقاف الحرب في غزّة ولبنان وتحييد المدنيين من ما وصفها "مآسي العدوانية الشرسة" التي يمارسها الكيان الإسرائيلي، فيما دعا العراقيين إلى العمل على تحقيق مستقبل أفضل لبلادهم يكون فيه خالياً من الفساد والتدخلات الخارجية، وحصر السلاح بيد الدولة.
فتوى الجهاد
ومن المواقف البارزة للسيستاني في العراق، كانت فتواه بـ"الجهاد الكفائي" منتصف عام 2014، عندما سيطر تنظيم الدولة على عدة مدن عراقية.
وأسس وفق الفتوى "الحشد الشعبي" المكون من عدة فصائل مسلحة شيعية، ثم أقر البرلمان العراقي قانونا للحشد جعل منه رديفا للقوات الأمنية في البلاد.
وينتشر الحشد الشعبي في عدة محافظات عراقية، ويواجه اتهامات عديدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الحرب على التنظيم.