ملفات وتقارير

نقص شديد في الغذاء وتعاظم خطر المجاعة.. ماذا يأكل الغزيون الآن؟

أكدت الأمم المتحدة أن "هناك احتمالا قويا أن المجاعة تحدث أو أنها وشيكة في أجزاء من شمال غزة"- جيتي
يعاني كل قطاع غزة بشماله وجنوبه، بعدما عمل الاحتلال الإسرائيلي على تقسيمه منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى جزأين، من مجاعة شديدة تزامنا مع استمرار حرب الإبادة منذ 13 شهرا، ووصول عدد الشهداء والجرحى إلى أكثر من 146 ألف فلسطيني.

وأصدرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إنذارا أعربت فيه عن قلقها إزاء "الاحتمال الوشيك والكبير لحدوث المجاعة، بسبب الوضع المتدهور بسرعة في قطاع غزة".

وقال مدير تحليل الأمن الغذائي والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي جان مارتن باور: إن "هناك احتمالا قويا أن المجاعة تحدث أو أنها وشيكة في أجزاء من شمال غزة نتيجة للنزوح على نطاق واسع، وانخفاض التدفقات التجارية والإنسانية إلى غزة، وتدمير البنية الأساسية والمرافق الصحية والوضع الصعب المتعلق بعمل الأونروا".

وأكد باور أن برنامج الأغذية العالمي شهد "انخفاضا كبيرا في عدد الشاحنات التي تدخل غزة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر"، مشيرا إلى أن 58 شاحنة فقط تدخل يوميا، مقارنة بنحو 200 شاحنة خلال الصيف، ومعظم الشاحنات التي دخلت كانت تحمل مساعدات إنسانية.


ويستمر خطر المجاعة في أنحاء قطاع غزة خلال فصل الشتاء ما لم تتوقف حرب الإبادة وتصل المساعدات الإنسانية إلى الأسر، وذلك وفق تقييم حديث للأمن الغذائي في القطاع توقع أن 1.95 مليون شخص في غزة (91 بالمئة من السكان) سيواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي (المرحلة 3 أو أسوأ من بين 5 مراحل لتصنيف الأمن الغذائي).


وتستند الأمم المتحدة إلى وكالتيها: برنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة، اللتين تعتمدان على هيئة تقنية تعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ويحلل هذا النظام شدة انعدام الأمن الغذائي على نطاق يرتكز على معايير علمية دولية.

ويعرّف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المجاعة بأنها "مواجهة السكان سوء تغذية على نطاق واسع وحدوث وفيات مرتبطة بالجوع بسبب عدم الوصول إلى الغذاء".

يؤكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن المجاعة هي المرحلة الأخطر في مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يتكون من 5 مراحل.

وتمثل المرحلة الأولى الحد الأدنى من الضغوط المرتبطة بالأمن الغذائي أو عدم الإبلاغ عن أي ضغوط، والمرحلة الثانية هي أن بعض الأشخاص يواجهون ضغوطا في العثور على الطعام، والمرحلة الثالثة تتمثل بأزمة الغذاء.

وتأتي المرحلة الرابعة لتعكس حالة الطوارئ، والمرحلة الخامسة لتكون انعكاسا لــ "الوضع الكارثي أو المجاعة"، وتم بلوغها بعد استيفاء ثلاثة معايير وهي: أن 20 بالمئة على الأقل من السكان في منطقة معينة يواجهون مستويات شديدة من الجوع، وأن 30 بالمئة من الأطفال في المكان نفسه يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم.

والمعيار الثالث يكون بـ"تسارع الوفيات"، وحينها تكون الأرقام المتاحة محدودة، كما هو الحال عادة في مناطق النزاع.

ماذا عن الآن؟
تقول رانية (26 عاما) إن الحصول على الخضروات ليس الفواكه هو بمثابة المعجزة مستحيلة التحقق تقريبا بالنسبة للغالبية العظمى من سكان شمال قطاع غزة، وذلك بسبب ندرتها الكبيرة وارتفاع أسعارها بشكل ضخم لا يصدقه العقل.

وتضيف رانية لـ"عربي21": إنها تتذكر خلال الحرب الحالية أخبار المنوعات التي كانت تتحدث عن "أغلى بيضة أو قطعة لحم أو غيرها من مختلف المنتجات" وتتساءل في نفسها "من يمكن أن يشتري هذه المنتجات التي سعرها مئات الدولارات؟". 


وتوضح: "لم أكن أتخيل يوما أن أوضع في هذه الخانة وأشتري خضروات يصل سعر الكيوغرام الواحد منها إلى مئات الدولارات، وهي مجرد خضروات عادية وليست منتجات رفاهية مثل التي كنت أتابعها خلال أخبار المنوعات".

وتشير إلى أن الغذاء الذي يعتمد عليه سكان غزة حاليا يتكون بشكل أساسي من الخبز، وإعداد "البسكويت" من الدقيق الأبيض بأي طريقة متوفرة ولا تستهلك الكثير من الموارد سواء من المكونات أو حتى الحطب والأخشاب التي تستخدم من أجل إشعال النار.

وتشرح أنه تتوفر أحيانا بعض البقوليات التي تأتي مع طرود المساعدات حال توفرها، وفيها العدس والأرز والمعكرونة والصلصة والفول والحمص المعلب، إلا أنها تباع بأثمان عالية جدا نظرا لعدم وجود مساعدات أو طرود أخرى.

وتقول إنه حال توفر الغذاء فإن إعداده مسألة معاناة أخرى بسبب عدم توفر أي وقود أو غاز للطبخ، ولذلك يتم استعمال الزيت المحروق والأقمشة البالية والعلب البلاستيكية وغيرها من المواد القابلة للاشتعال، مؤكدة: "نعرف أننا نسمم طعامنا بأنفسنا لكن لا يوجد أي حل آخر".


من ناحية أخرى، يقول محمود (35 عاما)، وهو نازح من مدينة غزة تجاه الجنوب (بعد محور نتساريم الذي يقسم قطاع غزة لجزأين): إنه تواصل مع أحد أصدقائه في مدينة غزة يشاوره كيف يدبر أمور الغذاء نظرا لخبرته في الصمود والنجاة في شمال غزة.

ويضيف محمود لـ"عربي21" أن صديقه رد عليه بقائمة طويلة من خيارات إعداد الطعام حسب المكونات المتوفرة وجاء فيها إعداد "العدس وفتة العدس، ولانشون (لحوم مصنعة معلبة) مع بهارات شاورما، ومنها يتم إعداد فطيرة.


وتضمنت القائمة إعداد طبق "الفول أو الفول بالصلصة، وفتة الحمص، وحمص والفلافل، وإعداد طبخة البازلاء أو الفاصولياء، أو استخدام "لحمة اكسترا" (معلبة)، ضمن طبق الفتة الغزاوية (طبق بالأصل يتكون من خبز رقيق وأرز ومرق لحم ولحم وبعض المكسرات).

أما حاليا تم إعداد هذا الطبق بالخبز الرقيق والأرز فقط، أما إذا أضيف له "لحمة اكسترا"، فيصف محمود ذلك بأنه نوع من "الرفاهية والتبذير".


واختتمت القائمة طبعا بالزعتر و"الدُقة" التي تتكون من القمح والكزبرة والسماق والملح والسمسم وغيرها من المكونات الجافة، التي يتم طحنها بشكل ناعم لتصبح في قوامها النهائي تشبه مختلف أنواع البهارات المطحونة.

وقال صديق محمود في النهاية إنه طالما يتوفر الخبز "فلا يوجد خوف على أمنك الغذائي".

وعن هذا يقول سامر (40 عاما) إنه طالما "ما رجعنا لأكل أعلاف الحيوانات وطعام العصافير وغيرها من سبل النجاة التي لجأنا إليها في السابق فنحن بخير الحمد لله".


ويضيف سامر الذي قضى أكثر من عامٍ من الحرب في شمال قطاع غزة لـ"عربي21" أنه يعتبر نفسه من أكثر الناس التي رأت الأمرين في الحرب، مؤكدا أنه "طحن أعلاف الحيوانات في شمال غزة وصنع منها الخبز اليابس، وفي الجنوب اضطر إلى استخدام الطحين المسوس والمدود (دقيق أبيض فاسد من الديدان والسوس)".

ويوضح: "عندي أولاد وعائلة ولم يتوفر في السوق لدينا إلا هذا الطحين لفترة طويلة.. فأكلته، وسابقا أكلت ما يأكله الحمار والخروف والدجاج لذلك الطحين المدود هو بمثابة تحسن".

واضطر سامر للنزوح إلى الجنوب بعد بدء العملية البرية الواسعة والمستمرة حاليا ضد مخيم جباليا والعديد من المناطق في شمال مدينة غزة.