كشف تقرير حقوقي عن المعاناة التي
يواجهها السوريون العائدون لبلادهم من
لبنان، بما في ذلك الاعتقال والتعذيب.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فقد عبر الحدود من لبنان إلى
سوريا نحو 430 ألف شخص، فيما تشير الأرقام الرسمية اللبنانية إلى عبور أكثر من 500 ألف شخص منذ أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، 70 في المئة منهم سوريون، وغالبية الباقين هم من اللبنانيين.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته الثلاثاء، إنه تم اعتقال ما لا يقل عن 26 شخصا، بينهم امرأة، وتعرض أحدهم للوفاة تحت
التعذيب في مراكز احتجاز النظام السوري، خلال الفترة من 23 أيلول/ سبتمبر إلى 25
تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
وقال التقرير الذي جاء في 20 صفحة
تحت عنوان "معاناة العودة:
انتهاكات جسيمة تواجه
اللاجئين السوريين العائدين
من لبنان"، إن "اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون أوضاعا متدهورة
تجعلهم في أزمة حادة لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، والسكن، والرعاية
الصحية. ومع انعدام الخيارات الآمنة والبدائل المتاحة لهم للبقاء في لبنان، يجد
البعض أنفسهم مضطرين للعودة إلى سوريا، رغم المخاطر الأمنية وعدم الاستقرار".
وأضاف التقرير: "يقف هؤلاء
اللاجئون أمام معضلة كبيرة بين انعدام الأمان والموارد في لبنان، وغياب الضمانات
الأمنية لدى عودتهم إلى سوريا، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة تزيد من معاناتهم
وتفاقم المأساة الإنسانية".
ولفتت الشبكة إلى أن سوريا "بيئة
غير آمنة" لعودة اللاجئين، حيث "يستمر النظام السوري في ممارساته
القمعية، من اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وتعذيب". وفي المجمل، وثّقت الشبكة
اعتقال قوات النظام ما لا يقل عن 208 من العائدين قسرا منذ بداية عام 2024، بينهم
طفلان وست نساء، ولقي ستة من المعتقلين حتفهم تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز. "كما
يستمر النظام في إصدار تشريعات تتيح له الاستيلاء على ممتلكات اللاجئين والمشردين
قسرا، ضمن سياسة ممنهجة لتعزيز السيطرة على الأراضي والممتلكات التي تركها أصحابها".
ويقول مدير الشبكة فضل عبد الغني:
"في ظل غياب أي إجراءات تضمن حماية حقوق العائدين وسلامتهم، يواجه اللاجئون
السوريون العائدون من لبنان تحديات أمنية وقانونية تتطلب وضع آليات حقيقية وفعالة
لضمان حماية حقوقهم ومنع استمرار الانتهاكات، لا سيما من قبل الأجهزة الأمنية
التابعة للنظام السوري".
ومن بين الانتهاكات التي وثّقها التقرير،
الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتجنيد الإجباري على يد قوات
النظام السوري، إضافة إلى عمليات الابتزاز المالي، والتمييز في توزيع المساعدات
الإنسانية.
وأشار التقرير إلى أن اللاجئين
اللبنانيين الذين لجأوا إلى سوريا استفادوا من مراكز إيواء رسمية بلغ عددها نحو 30
مركزا موزعة على عدة محافظات سورية، بينما بقي غالبية اللاجئين السوريين، وخاصة من
تهدمت منازلهم، بدون مأوى رسمي. وقد اضطر كثير منهم للاعتماد على دعم الأقارب أو
اللجوء إلى تجمعات غير رسمية، وقضى آخرون فترات طويلة في العراء، حيث تلقت بعض
الأسر مساعدات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر شركائها المحليين المرتبطين
بالنظام السوري، إلا أن هذه المساعدات لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 50 ألف عائد توجهوا إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية
(قسد) في شمال شرق سوريا، فيما توجه نحو 6600 شخص إلى الشمال السوري.
لكن المعابر التي تربط بين هذه
المناطق شهدت حالات متكررة من الإغلاق من قبل الأطراف المسيطرة، مما أجبر اللاجئين
على الانتظار في العراء لعدة أيام وسط ظروف جوية قاسية وبدون مرافق أساسية، الأمر
الذي أدى إلى تفاقم معاناتهم النفسية والجسدية.
ويقول التقرير: "على
الرغم من أن اللاجئين يسعون لتجنب مخاطر الاعتقال والملاحقة في مناطق
النظام، إلا أنّهم يواجهون في المناطق الخارجة عن سيطرته ظروفا إنسانية
متدهورة، تتمثل في نقص البنية التحتية وضعف فرص الحصول على المساعدات
الأساسية. كما يواجه العائدون في هذه المناطق قيوداً تتمثل في إجراءات
أمنية مشددة تشمل التدقيق المتكرر في أنشطتهم السياسية، إلى جانب تعرض
البعض لعمليات ابتزاز مالي من مجموعات محلية تسيطر على المعابر، ما يضطرهم
لدفع مبالغ كبيرة لضمان عبورهم بأمان".
كما استعرض التقرير "الإجراءات
المجحفة التي اعتمدتها بعض أطراف النزاع للسماح بعودة اللاجئين إلى مناطقها، بما
في ذلك التحكم بفتح وإغلاق المعابر، وإجراء تحقيقات أمنية، وفرض وجود كفيل، إلى
جانب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي واجهها اللاجئون عند العبور بين مناطق السيطرة
المختلفة".
وتقول الأمم المتحدة إن موجة النزوح الجديدة تحدث "في ظل أزمة إنسانية قائمة في سوريا، حيث لا يزال هناك نحو 7.2 مليون نازح داخليا و16.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة".
ومن بين نحو 2700 شخص قتلوا في لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلية؛ أكثر من 200 من السوريين.