أفكَار

ميزوا لنا جينات أهلكم في المخابر والمقابر نميز لكم العرب من البربر في القرى والحواضر

لولا ثوابت تلك الهُوِيَّة الوطنية المتميزة (لسانا ودينا ووجدانا ) كما حددها بيان الشهداء المذكور أعلاه ما كانت الثورة الجهادية لتقوم أصلا فضلا عن أن تنجح لو كان عندنا يومها شعبان مختلفان في تصور الهُوِيَّة والتلفظ بالتحية بين أبناء الشعب الواحد..
إذا كان تعلم أي لغة وإتقان أي لسان مرتبطا بموهبة النطق، وليس بالوراثة أو الولادة في المكان، فكيف يميز بعض الناس أنفسهم على أساس الجنوب والشمال أو السهول والجبال والوديان؟ فكم من ريفي أو شلحي أو زواوي أو شاوي نزح واستقر ورابط، واستشهد ودفن في طنجة أو تلمسان؟ وكم من مسلم فارسي أو يمني أو تركي، أو مصري جاء فاتحا  واستقر وتأهل في مراكش أو بجاية أو وهران!؟

وإذا أبطلنا ربط السلالة والوراثة باكتساب أي لغة أو لهجة أو صنعة أو حرفة أو تعلم وإتقان أي لسان، فعلى دعاة العنصرية أن يثبتوا هذا التميز المتوهم، بالشفرة الوراثية خارج وسيلة التواصل الآدمي بين السكان، وهي عمليّا  في متناول كل مواطن سليم الحواس والذهن للتفاهم مع بني جنسه العاقل الناطق كإنسان، فكيف يتخذ هذا المتغير المكتسب حجة للتميز داخل الشعب الواحد الموحد عبر القرون بالدين والمصاهرة والجهاد المتواصل حتى الآن؟

إنها مغالطة استغبائية استحلالية مناقضة للواقع والعلم والدين والسياسة والثقافة ووحدة الأوطان. إن واقع شعبنا المغاربي المسلم في تحوله الثقافي، كالشعب الفرنسي بعد اعتناق المسيحية وتبني لسان  الرومان. وقِيسوا عليه شعب ألمانيا والصين وروسيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وتركيا وكوريا  واليابان وبريطانيا وإيران.

ولولا حسم الشعب الأمريكي أمره بالاستفتاء على توحيد اللسان الرسمي للدولة، لكانت الولايات المتحدة  اليوم  القطع في خبر كان.

لا يمكن القيام بعملية بتر وفصل وتقسيم الجسد الواحد، لكون العربي امتزج وتزوج بالأمازيغية، كما أن الأمازيغية تناسلت من عربي، بل أكثر من هذا، إننا نتحدى من يستطيع أن يميز من بين السكان الحاليين من هو العربي ومن هو الأمازيغي، ذلك أن مجموعة من الناطقين بالأمازيغية هم عرب، والعكس صحيح.
من  المعلوم أن سكان الشمال الأفريقي قبل الفتح الإسلامي، كانوا خليطا من كل ألوان وأعراق البشر من مختلف القارات بحكم الموقع الجغرافي، ولا يهم ما يذهب إليه بعض المؤرخين، من أن بعض هؤلاء السكان قد وفدوا من المشرق العربي حصرا، وإنما الذي لا شك فيه، أن أولئك السكان قد امتزجوا جميعا في بوتقة الدين القويم، الذي لا يفرق بين الناس إلا بالتقوى، وكل مسلم هو أخو المسلم، بقطع النظر عن أصله وفصله ومكان مولده.

وهكذا أسلموا وفتحوا البلدان وتعلموا لغة القرآن كتابة وقراءة وعقيدة وحضارة (باستثناء الأميين منهم  الذين بقوا منعزلين في الأرياف، بعيدا عن مؤسسات التعليم في الحواضر). وما يزال الوضع على حاله إلى يومنا هذا، ولا علاقة لموهبة النطق واللسان بأصل ومولد ولون بشرة الإنسان.

وهو ما يقره الباحث المغربي الأستاذ الحسن بلحسن الذي يقول: "لا يمكن القيام بعملية بتر وفصل وتقسيم الجسد الواحد، لكون العربي امتزج وتزوج بالأمازيغية كما أن الأمازيغية تناسلت من عربي، بل أكثر من هذا، إننا نتحدى من يستطيع أن يميز من بين السكان الحاليين من هو العربي ومن هو الأمازيغي، ذلك أن مجموعة من الناطقين بالأمازيغية هم عرب والعكس صحيح.".

وهو عين الحقيقة والصواب في نظرنا؛ لأنّ تحديد جنس قوم من خلال لهجة أو لغة محلية مكتوبة أو شفهية، بإمكان كل فرد (سليم الحواس)، أن يكتسب التحدث بها مثل أهلها بعد مدة من الإقامة بينهم، فضلا عن كونه مختلطا بهم (كأعمام أو أخوال) من أمشاج تلاقحت وتضاعفت أعدادها بمتواليات عبر القرون المتعاقبة دون انقطاع؛ مشرقا ومغربا (ومنها حي المغاربة في القدس المحتلة حاليا بمقابرها التي تضم رفاة المجاهدين من كل أقطار مغزبتا الكبير).

 ولا علاقة بيولوجية تربط بين الجينات واللغات على الإطلاق؛ لأن واحدة تولد مع الإنسان بلا اختيار، والثانية تكتسب من الإنسان الناطق بإرادته دون إجبار.

وهذا هو معنى قول الأستاذ بلحسن، بأن هناك بربرا تعربوا وهناك عرب تبربروا وتفرنسوا، وهو كلام مجرب صحيح في واقعنا المغاربي حتى الآن، وسيظل الوضع كذلك إلى ما شاء الله حتى تمحى الأمية (العلمية والمدرسية والدينية) من كل البلاد المغاربية، وتستبدل العربية (الفصحى والعامية) بالبربريات الحالية، التي بقيت تؤدي وظيفتها الاجتماعية مثل كل العاميات العربيات، دون أي تعارض أو تناقض وطني أو قومي.

ولتقريب معنى الهوية الوطنية واللغة الثقافية الجامعة نقول، لو نسأل أي شخص عاقل (غير أمي أو عنصري جاهل)، عن دولة النمسا الآن هل هي ألمانية؟

فالجواب يكون بالنفي بالنسبة للجنسية، ولكنه يكون بالإثبات بالنسبة للهوية الثقافية لدى كل الألمان، شأنها في ذلك شأن سويسرا الألمانية أو شأن كل بلاد المشرق العربي والشمال الأفريقي بالنسبة لوحدة الهوية الثقافية، التي ورد في شأنها بند في بيان ثورة التحرير الجزائرية (الفاتح من تشرين الثاني 1954) تقول في باب الأهداف: "تحقيق وحدة شمال أفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي"، وهو الإعلان الصريح عن الانتماء الطبيعي والهوية الوطنية ذات الأصل الثقافي (العربي الإسلامي...)، وليس العرقي الذي ينفيه البيان قطعيا في مادة أخرى صريحة أيضا تقول: "احترام جميع الحريات والحقوق الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني."، وهو عين العلم والتاريخ والحقيقة الأنثروبولوجية والسياسية، التي جعلت كل بلدان الشمال الأفريقي أعضاء في الجامعة العربية بالانتماء والاكتساب، وليس بفصائل الدماء المختلطة في الأرحام والأصلاب!!

ولذلك، يتعين علينا هنا رفع اللبس الذي يكتنف هذه المغالطة التي يرددها بعضهم (عن جهل أو قصد وفعل فاعل وتواطؤ مع عدو ماكر غير جاهل!؟) لتجريم بيان الشهداء المذكور آنفا وادعاء رفع المظلومية عن مكون أو حقبة من تاريخ الذات الوطنية، المتمثلة في ما يسمونه بالبعد النوميدي (أو البربري) للهوية الوطنية، التي أهملها البيان المذكور حسب زعمهم، وكأنهم اكتشفوا البارود بهذه الهُوِيَّة الثلاثية التركيب (عربية بربرية إسلامية) الموجودة فعلا كحلقة من أطوار التاريخ الوطني في الاتجاه العمودي عبر الزمان، (وليس في الاتجاه الأفقي عبر  المكان)، وتتمثل في كون الهُوِيَّة الوطنية الجزائرية أو المغاربية والعربية عموما هي بربرية عربية إسلامية، أو بابلية عربية إسلامية، أو سريانية عربية إسلامية، أو فرعونية عربية إسلامية، أو كنعانية عربية إسلامية، ولكنها في الاتجاه الأفقي في المكان الواحد، هي عربية إسلامية فقط.، أو بربرية إسلامية فقط أو فرنسية إسلامية فقط!؟ مثلما كانت طوال 132 سنة تحت الاحتلال الفرنسي بالنسبة للجزائر بالذات!؟

وأن أي طرح لهذه الهُوِيَّة الثلاثية المركبة والمرتبة على هذا النحو المغالط والمريب، لا تكون نتيجته الحتمية إلا تمزيق الوطن الواحد والشعب الواحد، إلى أشتات لا حصر لها من الشعوب والهويات القومية والطائفية والعرقية الفرعية على أساس اختلاف اللهجات المحلية على المدى القريب والبعيد مثل الدول الأوروبية الغربية الحالية.

ونتحدى فرنسا صاحبة هذا التركيب والترتيب الثلاثي (العرقي واللساني المغلوط)، والمرسم عندنا لتقسيم أرض الوطن الواحد أفقيًا إلى: (أرض عربية وأرض بربرية) وبشريًا إلى (شعب عربي وشعب بربري)، نتحداها أن تطبق هذا التقسيم ذاته على أرضها بتقسيمها أفقيًا إلى (أرض غالية او ظلتية  وأرض فرنسية أو رومانية)، وعلى شعبها بتقسيمه أفقيّا إلى (غولوا أصليين ورومان أو فرنسييين وشمال أفريقيين مستوطنين لاحقين يقدرون بالملايين)، ونفس المثال ينطبق على كل الدول الغربية مثلها على أرضها وكامل شعبها من أبنائنا وأبنائها المستوطنين على أرضها من كل الأخلاط البشرية، دون أي تمييز في حقوق المواطنة والجنسية أو اعتبار، لاختلاف أصولهم العرقية، واختلاف لغات أمهاتهم في أوطانهم الأصلية. ودين آبائهم وأجدادهم والمعتنقين منهم للمسيحية والإسلام وغيره من الأديان بالملايين. أيضا لأن الدين عندهم لله وحده، أما الوطن الموحد بلسانه الوطني الفرنسي الواحد والجامع، فهو للجميع، وعلى الجميع في الوطن دون استثناء جهوي أو طبقي أو قبلي.

وعند الاختلاف يحسم الخلاف بين الأطراف بالاستفتاء العام والحكم للأغلبية الشعبية، مثل الذي حدث في أمريكا حول اللغة الإنجليزية في عهد جورج واشنطن، أو الذي حدث عندنا، في الجزائر سنة 1962 الذي تم بموجب نتائجه الساحقة (97 % لصالح الاستقلال)، نتيجة اختلاف مقومات الهُوِيَّة بين الشعبين (الفرنسي المسيحي الجزائري العربي المسلم)، وقد تم اعتراف فرنسا رسميّا باستقلال الجزائر، بناء على هذا الأساس الهوياتي الثقافي الانتمائي الحضاري!؟ ولولا تمسك شعبنا بهويته الموحدة بثوابتها المقدسة المعروفة (وطنا ودينا ولسانا)، لأصبحت اليوم غرناطة فرنسية بصفة رسمية بناء على نص اتفاقيات إيفيان كما قال لي الرئيس بن يوسف بن خدة ـ رحمه الله ـ، الذي فاوض فرنسا على توقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال (انظر مقالنا في "عربي21" ليوم 9 آب/ أغسطس الماضي). والعروبة كما أثبتنا في عدة مقالات موثقة (هنا في "عربي21" وفي مؤلفاتنا المتعددة ذات الصلة) هي بالثقافة والرسالة، وليس بخرافة النقاوة العرقية للسلالة؛ لأن ديننا الحنيف الذي اعتنقناه بملكنا وقد تحررنا تحت رايته الجهادية، كلنا قد علمنا "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليس أذكاكم أو أغناكم أو أكثركم جندا ونفرا وزيتونا وتمرا! وعن نبي الإسلام الذي قال لنا بأنه "لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى"، وقال للمسلم في مسألة الزواج بالمسلمة من أي لسان أو مكان: "فاظفر بذات الدين تربت يداك."، وقال أيضا: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه".

وهذا هو العامل الأساسي في اختلاط الدماء وتماهي الأنساب والأرحام بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على مر التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا، وسيظل كذلك ما دامت أغلبية شعوبنا تدين بالإسلام عن صدق وإيمان.

ولذلك، أؤكد مسؤوليتي العلمية، أننا هنا في شمال أفريقيا، كلنا عبارة عن خليط من مختلف الأعراق والألوان البشرية من كل القارات، كما تثبت تحليلات الأحماض النووية في المخابر العلمية التي هي تحت تصرف كل المتشككين في انحدارهم من نفس واحدة في أصولها الآدمية ،لا يفصل بينها عندنا إلا الدين المكتسب.. (لكم دينكم ولي دين)، وأن الناس وإن ولدوا في أوطانهم وعائلاتهم مكرهون على الخروج إلى الحياة غير مخيرين، فإنهم أصبحوا مسلمين بالاختيار، وتصاهروا مع العرب المسلمين (كحالة الأدارسة في المغرب الأقصى) طواعية وتبركا دون إجبار، كما قال الأستاذ الفضيل الورثلاني في كتابه (الجزائر الثائرة)، ونحن نقره على ذلك وطنيا وعلميًا واجتماعيًا ودينيًا وسياسيًا.

ولذلك، فإن ما يسمى (بالقومية البربرية) تغليطا وتضليلا أيديولوجيا للعامة من الناس، هو غير القبائلية أو الشاوية أو الشلحية والتارقية والميزابية والسوسية والريفيأؤكد مسؤوليتي العلمية، أننا هنا في شمال أفريقيا، كلنا عبارة عن خليط من مختلف الأعراق والألوان البشرية من كل القارات، كما تثبت تحليلات الأحماض النووية في المخابر العلمية التي هي تحت تصرف كل المتشككين في انحدارهم من نفس واحدة في أصولها الآدمية ،لا يفصل بينها عندنا إلا الدين، 
أؤكد مسؤوليتي العلمية، أننا هنا في شمال أفريقيا، كلنا عبارة عن خليط من مختلف الأعراق والألوان البشرية من كل القارات، كما تثبت تحليلات الأحماض النووية في المخابر العلمية التي هي تحت تصرف كل المتشككين في انحدارهم من نفس واحدة في أصولها الآدمية ،لا يفصل بينها عندنا إلا الدين المكتسب.
مع العلم  أن نسبة الفرنسيين الحاليين الذين ينحدرون من الغولوا. (سكان فرنسا قبل الرومان على غرار البربر وغيرهم عندنا قبل الإسلام)، لا يتجاوزون 10 % من السكان الحاليين الذائبين في الثقافة واللغة الفرنسية الوطنية والرسمية الوحيدة هناك على كامل التراب الفرنسي، رغم وجود أكثر من 10 لغات محلية وجهوية (مثل الغولوا عندهم فبل الرومان على غرار البربرية عندنا قبل الإسلام)، وليعلم الجميع أن عدد اللغات في العالم تقدر بحوالي 6700 منها فقط 150 ذات حروف وقواعد نَحْوِيّة، يتقاسمها كل المتعلمين فوق الكرة الأرضية... ولذلك يقال بأن اللغات الشفهية مثل الحوت، إذا خرجت من بحر الأمية تموت!؟

وإذا كان لكل حشد بشري لغة محلية بدائية (يتفاهم بها الأميون فيما بينهم) الحق في المطالبة بإنشاء دولة مستقلة وعضوة في الأمم المتحدة، فلماذا لا يتجاوز عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الآن أكثر من 194 دولة فقط تتقاسم 98 % منها 10 لغات حية تأتي العربية في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية، وتأتي الفرنسية التاسعة قبل الألمانية...وكما قلنا بأن لغة الأم (الأمية) هي غير (اللغة الأم) الوطنية والقومية.

فلغة ابن باديس والطاهر بن عاشور ومولود قاسم مع أمه الأمية، ومولود معمري ومولود فرعون وكاتب ياسين وأبي القاسم سعد الله ومالك بن نبي ومالك حداد ومحمد عبد الكريم الخطابي ومحمد عزيز الحبابي وعبد الله العروي والجابري وعلال الفاسي والجنرال دوغول ذاته، واتاطول فرانس وفولتير وشيكسبير وغيرهم، هي غير لغاتهم الإبداعية والتأليفية الوطنية. ولذلك، قلت بأنني سأعمل دون عقدة أو حرج من أجل أن تبقى لهجتي المحلية خادمة للغتي الوطنية، مثل لغة الجنرال دوغول الفرنسية التي تبناها أجداده بعد اعتناق المسيحية، كما يقول في كتابه (الأمل ص 49 من الطبعة العربية بيروت 1968)، وذلك تماما مثل أجدادنا المؤمنين الصادقين في إسلامهم، بقطع النظر عن اختلاف أعراقهم وأنسابهم من الذين تبنوا لغة البيان القرآني مع الدين الإسلامي بعد الفتح... وهي اللغة التي حاربها عندنا الجنرال ليوطي والجنرال دوغول مثل أجداده طوال حياته، وفرض علينا بدلا عنها لغة صليبه الروماني، بالدعوة التبشيرية المرنة والقوة العسكرية الخشنة.

ولذلك، أتمسك بلغتي الوطنية مثل تمسكه هو بلغته الوطنية والرسمية (وليست لغة أمه الأمية)، وأحافظ على لهجتي المحلية ولغة أمي الأمية في قريتي الصغيرة، لتبقى جزءا من وطني وأمتي الكبيرة، دون أي تناقض بين القرية واللهجة ولغة الوطن والأمة... وإذا فرضت عليّ مخططات الأعداء أن اختار بين لهجتي المحلية ولغتي الوطنية، أو بين قريتي ووحدة وطني وأمتي، فإنني لا أتردد لحظة في أن أضحي بلهجتي المحلية، من أجل لغتي الوطنية، وأضحي بقريتي من أجل وطني وأمتي؛ لأن زوال اللهجة لا يضر بقاء وحدة اللغة، كما أن زوال القرية لا يضر بقاء وحدة الوطن والأمة، ولكن زوال اللغة الوطنية الجامعة وزوال وحدة الوطن والأمة، لا تبقى معه أي لهجة أو قرية قائمة في الوجود ضمن الحدود المعلمة والمرسمة.؟! وهذا ما يريده الأعداء السابقون واللاحقون المراهنون هنا وهناك على "مسمار" الجنرال دوغول، الذي غرسه في أرضنا وصانه بحركاه الذين تركهم لتحقيق مرماه في الاستحلال، بعد أن عجز عن تحقيقه في الاحتلال (انظر مقالنا في "عربي21" ليوم 10 تموز/ يوليو 2023) والدليل على ذلك، أنه طلب ترجمة فورية لخطابه من الفرنسية إلى العربية (وليس إلى القبائلية)، عندما خاطب الجماهير الشعبية المحلية في أثناء زيارته الرسمية الأخيرة لمدينة تيزي وزو سنة 1961؛ اعترافا منه بأن العربية هي لغة الشعب الجزائري الوحيدة الجامعة لمعظم أفراده (الأميين والمتعلمين)، على حد سواء، وعلى امتداد كل تاريخ الدول الوطنية المتعاقبة على الجزائر المسلمة العربية من الفتح الإسلامي إلى غزو جيوشه الفرنسية سنة 1830.

ولولا ثوابت تلك الهُوِيَّة الوطنية المتميزة (لسانا ودينا ووجدانا)،  كما حددها بيان الشهداء المذكور أعلاه، ما كانت الثورة الجهادية لتقوم أصلا فضلا عن أن تنجح لو كان عندنا يومها شعبان مختلفان في تصور الهُوِيَّة والتلفظ بالتحية بين أبناء الشعب الواحد: (هذا يقول أزول بالبربرية... والآخر يتشهد ويلقي السلام  بالعربية)، وهنا تكمن القضية الجوهرية في وحدة الهُوِيَّة الوطنية، التي أخرجت الاحتلال من الباب وفي نفسه الشيء الكثير من الحقد الدفين عليها؛ لأنها بالنسبة له مسألة انتقام واستحلال ووجود، وليست مسألة جنسية وحدود.