ببلوغرافيا

الشاعر يوسف جمعة النجار.. عمل كلّما نادته فلسطين وحيثما أرادته

كتب النجار القصيدة بشكليها التقليدي والتفعيلي، وتناول شعره مختلف الأغراض والمعاني، من الوطني إلى الاجتماعي مرورا بالإخوانيات والمناسبات.
لم يكن شاعرا فحسب، مع أنه أتقنه. آمن بالعمل من أجل فلسطين، فكان مربيا وباحثا وصحفيا وقائدا ومرشدا حتى أواخر أيامه. وكان يلبي نداء الطوارئ ويكلأ الفراغ في الإدارة والتربية والصحافة.

آمن شاعرنا بالفعل أكثر من القول، وكتب في ذلك نثرا، كأنه يحاكي الوضع في أيامنا هذه، وأجدني مستعجلا لأنشر هنا مقطعا قصيرا من قطعة أدبية نشرها عن الكلام المنمق والخطب العصماء في المؤتمرات ختم كلامه بالفقرة التالية: "نحن يا صحبي بحاجة إلى شيءٍ واحدٍ. ذلك هو أن نُكمّ أفواهنا إلى الأبد، وأن نصمّ آذاننا، إلا عن سماع قائد الكتيبة التي تقتحم النار؛ غسلا للعار، تحقيقاً للثأر".

إنه الشاعر الصحفي يوسف جمعة النجار، المولود في مدينة القدس عام 1921، الذي عاصر الشعراء إبراهيم طوقان ورفاقه، وكتب الشعر والنثر والدراسات القيّمة عن فلسطين والهوية.

أنهى النجار دراسته الابتدائية والثانوية في كلية روضة المعارف الوطنية ونال شهادتها عام 1936. وهي مدرسة اعتنى بها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، وجعل مبناها في أوقاف المسجد الأقصى. ومنها تخرج الشهيد عبد القادر الحسيني سنة 1927، وفيها عُقد المؤتمر الإسلامي العام سنة 1931. في هذه الأجواء، ترعرع شاعرنا وانطلق ينهل العلم والحياة في القدس.

ثم انتقل النجار إلى القاهرة والتحق بكلية أصول الدين فيها، قسم فلسفة ودراسات إسلامية، ونال شهادة في التربية وعلم النفس في العام 1942.

ومثل غيره ممن التحقوا بالأزهر، فارق "مجموعة النهضة" ورفاق الشاعر إبراهيم طوقان الذين التحقوا بالكليات العربية في دمشق أو بالجامعة الأمريكية في بيروت، ولم يظهر في تجمّعاتهم ولم يسِر في موكبهم ولم يجرفه تيارهم.

في أثناء دراسته في القاهرة، لم يقتصر تعليمه على مناهج الكلية، فعمل على تعميق تخصصه وتطوير مهاراته، فدرس الخط العربي وحصل على دبلوم تخصصي فيه من مدرسة تحسين الخطوط الملكية بالقاهرة عام 1942. وقيل؛ إنه بلغ في الخط العربي ما بلغه ابن مقلة، الأديب الذي اشتهر بحسن الخط.

 عاد إلى القدس وعمل في دائرة الأوقاف مساعدا للمدير العام. كما عُيّن في المجلس الإسلامي الأعلى مساعدا للسكرتير، ثم أصبح سكرتيرا له بعد زوال الانتداب، ثم أصبح وكيلا لمدير عام الأوقاف عدة مرات، وفي فترات مختلفة.

بعد النكبة، في سنوات الأزمات، عمل عام 1950 سكرتيرا لحاكم القدس، وعند تشكيل الإدارة المدنية، انتقل إلى سلك التدريس، فعمل مدرسا للغة العربية في الكلية الأهلية برام الله في العامين 1951 و1952. ثم التحق بالكلية الإبراهيمية في القدس مدرّسا للفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع، وفي تلك الفترة ألّف الكتب المدرسية في المواد التي يدرّسها.

كتب النجار القصيدة بشكليها التقليدي والتفعيلي، وتناول شعره مختلف الأغراض والمعاني، من الوطني إلى الاجتماعي، مرورا بالإخوانيات والمناسبات.

أما في الصحافة، فقد رأس تحرير جريدة "فلسطين" عندما استأنفت الصدور في القدس بعد زوال الانتداب، وتعذّر وصول صاحبها رجا العيسى بعد احتلال مكاتبها في معارك النكبة في حيفا.

وحرر النجار جريدة "البعث" اليومية، وكان المحرر المسؤول في جريدة "الجهاد" اليومية في القدس حتى عام 1965. كما شارك في تحرير جريدة "المساء" المقدسية، التي كان ينشر فيها قصصا قصيرة وخواطر نثرية.

انتُخب في مجلس أمانة القدس، ونائب رئيس جمعية تنظيم وحماية الأسرة الأردنية.

وفي العام 1979، اختاره "إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاتحاد الدولي لتنظيم الوالدية" رئيسا فخريا له، تقديرا لخدماته وكونه أول عضو في المنطقة في الإقليم المشترك لأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ 1964. وكان هذا آخر عهده في الفعاليات الاجتماعية، حيث توفي عام 1982.

مؤلفاته:

ـ  المنطق قديما وحديثا (كتاب مدرسي).
ـ  مبادئ علم الاجتماع (كتاب مدرسي).
ـ  مباحث في الفلسفة (كتاب مدرسي).
ـ  دراسات في الحكر وتقديره.
ـ  أساليبنا في التعبير من خلال قواعد اللغة وبلاغتها.
ـ  دراسات في النصوص (مخطوط).
ـ إسرائيليات: رسالة أعدها بعد تخرجه من الأزهر في أربعة مجلدات للحصول على درجة أستاذ.. ضاعت هذه الرسالة في أيدي عصابات الاحتلال، التي صادرت كل شيء في الأحياء العربية من القدس.

من شعره

قصيدة "تهنئة" لصديقه بمناسبة عقد قرانه

سالَ فيضُ الحنان من أوتارهْ          ..              حين ناجى المنى على قيثارهْ
فتهاوى إلى القلوب صداه             ..               صافيا كالنسيم في أسحاره
عبقريّاً كأنه نغم الفجـ                      ..               ـرِ، شَدَا بالحياة في أبكاره
يا لها نشوةً سرَتْ في حنايا الرْ          ..              رَوض مسرى الربيع في أزهاره
فانتشى طيرُه وقام يغنّي                 ..               هاتفا بالجمال في آذاره
إيهِ "موسى" الحبيبُ مني تقبَّلْ        ..               خاطرا فاض طائعا غيرَ كاره
يا سليلَ العلا إليك تحايا                      ..               باسماتٍ كالصّبح في إسفاره
حاملاتٍ إليك شدوَ التّهاني                ..               ناشراتٍ عليك أصفى نضاره
كلّل اللهُ لَيْلَ عُرسك باليُمـ                 ..                ـنِ، وأدنى العُلا جنيَّ ثماره

قصيدة "المنارات الشامخة"

ببأسٍ شديدٍ ورأيٍ سديدْ              ..            وعزمٍ حديدٍ وفكرٍ رشيدْ
وقلبٍ يتوقُ لمجدٍ تليد                ..             وعزٍّ أكيد وآتٍ مجيد
وشعبٍ يقاتل كي لا يبيد             ..             وتحيا بعزٍّ سهولٌ وبيد
فلِمْ لا نُعِدّ ولِمْ لا نُعيد                ..             زمانَ الإباء ورفع البنود
فكنّا نَقود وكنا نسود                 ..              وكنا نعمِّر كنا نَشيد
ونُعْلي المنارات نُذكي القصيد    ..            ليبقى حمانا مَهيبا عتيد
قويّا نديّا أبيّا فريد                          ..               شبابا كهولا نساءً وغِيد


*كاتب وشاعر فلسطيني