سياسة عربية

ما وراء زج المناهج العسكرية في مدارس مصر وتهميش المواد العلمية؟

ضباط وجنود في إحدى المدارس بمصر- إكس
في الوقت الذي تتجه فيه وزارة التربية والتعليم في مصر إلى تخفيف بعض المناهج وتقليل أهميتها في العملية التعليمية كأن تكون خارج المجموع، وبينها الجغرافيا والتاريخ والفلسفة والاجتماع، فإن الوزارة على الجانب الآخر تستعين بمؤسسات تابعة للجيش لتدريس برامج تدريب وعلوم ومناهج عسكرية لطلابها.

والسبت الماضي، وقعت قيادة "قوات الدفاع الشعبي والعسكري" بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بهدف تطبيق "التأسيس العسكري"، لـ 100 مدرسة من مدارس التعليم الفني بدءا من العام الدراسي (٢٠٢٤/ ٢٠٢٥)، وتطوير المنظومة التعليمية من خلال برامج علمية وتدريبية متطورة.

ورغم تطابق بيان المتحدث العسكري وبيان وزارة التعليم المنشورين عبر "فيسبوك"، بهذا الشأن، إلا أنهما لم يوضحا نوعية المواد العسكرية التي سيتم تدريسها، ولا أسماء المحافظات والمدن والمدارس التي سيطبق القرار عليها، ولا كيفية تدريس ذلك "التأسيس العسكري"، وهل سيكون عبر ضباط من الجيش أم عبر معلمين مدنيين، وأيضا هل ذلك التأهيل يمنح الطلاب ميزات للانضمام للقوات المسلحة وهيئاتها، أم لا.



وعلى الجانب الآخر، وفي 14 آب/ أغسطس الماضي، أعلن وزير التعليم الجديد وبعد نحو شهر ونصف من توليه منصبه في 3 تموز/ يوليو الماضي ضمن تعديل وزاري، عن تغييرات واسعة في مناهج التعليم بالمرحلة الثانوية، بتقليل عددها وحجمها ودمع العديد منها.

ومن بين تلك القرارات التي أثارت جدلا بالشارع المصري، إعادة تصميم مادة الجغرافيا لتلغى من الدراسة في الصف الأول الثانوي، مع جعل مواد الجيولوجيا والعلوم البيئية وعلم النفس والاجتماع والحاسب الآلي من المواد خارج المجموع.



"ما قصة التربية العسكرية؟"

وخلال سنوات الجامعة في مصر يجري تدريس مادة "التربية العسكرية"، كبرنامج تدريبي عملي، وآخر نظري مدة أسبوعين يقوم خلالهما ضباط بالقوات المسلحة بتدريس مواد علمية عسكرية بينها التاريخ العسكري وأنواع الأسلحة، للطلاب، ولا يكتمل تخرجهم من الجامعة إلا بهذا البرنامج.

ووفق ما تنشره صفحات التربية العسكرية التابعة لجامعات حكومية مصرية عبر الإنترنت، يجري تدريس محاضرات عن المخدرات، والشائعات، وحروب الجيل الرابع، وشبكة الإنترنت ومخاطر مواقع التواصل الاجتماعي، والأمن السيبراني.

وهناك 26 مدرسة عسكرية تابعة للجيش المصري تستقبل البنين والبنات عقب إتمام المرحلة الإعدادية من التعليم العام والأزهري، 9 مدارس منها بالقاهرة، و5 بالإسكندرية، و4 بالشرقية، و3 في أسيوط، وواحدة في كل من الجيزة والإسماعيلية والبحيرة وبني سويف والمنيا.

من تلك المدارس، الثانوية الجوية، والرياضية، والتمريض، والفنية التي تقدم مهارات في الهندسة، والإلكترونيات، والحاسوب، والتصنيع، والتصميم الفني، فيما تدرس جميعها برامج عسكرية، ومنها التدريب على حمل السلاح.

"تأهيل ما قبل الخدمة"

أحد المعلمين في مدرسة ثانوية صناعية تخضع لإشراف "قوات الدفاع الشعبي والعسكري"، قال إن "ما يجري في المدرسة عبارة عن فرض حالة عسكرية، بداية من دخول الطلاب للمدرسة وخلال الطابور وتأدية التحية العسكرية وبعض العروض والتدريبات وبعض أخبار مصر والقوات المسلحة، بجانب حصة التربية العسكرية".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "التركيز من الجيش على هذه المدارس يأتي كون طلاب المدارس الفنية يقضون نحو عامين في القوات المسلحة، ما يعد تأهيلا مبكرا لهم".


وفي السياق، أكد أحد مديري المدارس الذين تم تدريبهم في الأكاديمية العسكرية قبل توليه منصبه، أن "ما يتم تدريسه بالأكاديمية العسكرية لا يخرج عن تدريب عقلي على نفي كل ما يخالف توجهات النظام والجيش المصري".

وتوقع في حديثه لـ"عربي21"، "عدم تدريس مواد عسكرية بالمعنى المفهوم لطلاب تلك المدارس، ولكن التوجيه لدور القوات المسلحة والحديث عن نشاطاتها".

"استكمال لما سبق.. وإرهاق للموازنة"

ومنذ آب/ أغسطس 2019، وتواصل السلطات المصرية قراراتها بتحويل المدارس الفنية الصناعية إلى مدارس عسكرية، إذ وقعت وزارة التعليم بروتوكول تعاون مع قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري بوزارة الدفاع لتطبيق هذا النظام على 27 مدرسة بالعام الدراسي (2019/ 2020).

ووفق بيان وزارة التعليم، حينها، وتنفيذا لقرارات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، تم تنفيذ البروتوكول في 27 مدرسة فنية صناعية بواقع مدرسة بكل محافظة، فيما يتم تدريس مقررات ذات طبيعة عسكرية.

ووفق مراقبين، فإن ذلك القرار يعني بنودا إضافية ترهق ميزانية وزارة التعليم، إذ يتطلب الأمر توفير التجهيزات اللازمة بالمدارس المختارة من أرض الطابور، وأعلام الجمهورية، ومكاتب إدارية، وحجرات للتدريب بها مساعدات ووسائل التدريب من شاشات العرض، وأجهزة الصوت، وأجهزة الكمبيوتر، وتأمين إنشاءات المدرسة من أسوار وبوابات، وهي التجهيزات التي طالبت وزارة التعليم مديري الإدارات لتوفيرها بشأن الـ27 مدرسة.

وتبلغ موازنة التعليم بمشروع موازنة الدولة للعام المالي (2024-2025)، نحو 858 مليار جنيه، بنسبة 1.7 بالمئة من الناتج المحلي للإنفاق الحكومي يخص التعليم ما قبل الجامعي منها 565 مليار جنيه، وهو ما يقل عن نصف الاستحقاق الدستوري البالغ 6 بالمئة، بحسب دستور 2014.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حذر تقرير للبنك الدولي من تراجع حجم الإنفاق على التعليم في مصر، وقال إن هذا التراجع سيؤدي إلى نقص أعداد المعلمين والفصول.

"عسكرة جيل كي لا يثور"

وفي تعليقه على قرار ضم 100 مدرسة مصرية جديدة لبرامج التربية والتدريب العسكري، قال الأكاديمي المصري الدكتور عاصم الدسوقي: "يبدو واضحا أن هذا التوجه العسكري في التعليم يتم بهدف تنشئة جيل يرى أنه جزء من الجيش المصري، وبالتالي فهو لا يفكر في الثورة على القيادة العسكرية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أقر وجهة النظر التي تقول إن "برامج التدريب العسكرية تلك لتلاميذ المدارس الصناعية أو تلك التي تُجرى للموظفين في جميع قطاعات الدولة قبل تعيينهم ليست لرفع روح الانتماء للوطن ككل، ولكنها لدعم الانتماء لجزء من الوطن، أو هي العسكرة كما يسميها البعض".

وأكد أن "تقليص وزارة التعليم أهمية بعض المواد وبخاصة التاريخ والجغرافيا وعلوم الفلسفة والاجتماع والنفس، وغيرها، يتناقض تماما مع تدريس مواد وبرامج عسكرية لطلاب المدارس".

ويرى الدسوقي، أن "هذا التناقض يؤكد أن الهدف البعيد من إلغاء تلك المواد هو تربية جيل بعيد عن الانتماء العربي، وبعيد عن انتقاد النظام الرأسمالي العالمي في السيطرة والتوسع والاستغلال، وبعيد عن نقد الرأسمالية المحلية".

"فقدان الرقابة المؤسسية والعلمية"

وفي رؤيته، أشار الباحث المصري المتخصص في أصول التربية السياسية يحيى سعد، في بداية حديثه إلى "غياب التفاصيل الدقيقة عن الموضوع".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكن لدي قناعة راسخة بأنه في ظل غياب الحريات العامة والسياسية بمصر لا يمكن الوثوق في أي إجراء يقوم به النظام الاستبدادي العسكري".

وأكد أنه "نظام يوجه السياسات التعليمية والاقتصادية وفق هواه وتوجهاته التي لا تخضع لرقابة مؤسسات رقابية حقيقية ولا حتى مؤسسات علمية متخصصة".

وقال سعد، إن "لدينا أزمة في مناهج التربية السياسية في مجتمعاتنا، فهي لا تعبر عن الهوية الحقيقية للمجتمع في أبعادها الدينية والحضارية، وإنما تعمل على تكوين أجيال لا تعرف سوى التغني بكلمة الوطنية".

وختم بالقول: "وليتها كانت وطنية حقيقية تحفظ مقدرات الوطن، وتحافظ على أمنه القومي خارج حدوده، وتقوي أواصر المحبة وتسعى لمد جسور التعاون والتكامل مع أشقائه وجيرانه".

"سياسة التذلل للأقدم"

وفي رؤية عسكرية، قال الخبير العسكري وضابط الجيش المصري السابق، العميد عادل الشريف، إن "عسكرة التعليم لا تعني عندي إلا تعويد الطلاب التسخير والتذلل للأقدم في الرتبة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولن تجد من إضافة علمية للطلاب إلا تدريس مادة عن الأسلحة ومكوناتها وفكها وتركيبها وتعميرها بالذخائر، والتدريب على التصويب، والمادة الثانية هي تكتيكات الاستخدام لهذه الأسلحة، ومراحل إدارة المعركة، والواجبات الفردية والجماعية، وهكذا".

ويعتقد الشريف، أن "الخوف من إشاعة هذا العلم لعدم التوسع في استخدامه ضد هذه الأنظمة المرتجفة من ظلها لن يجعلهم يدرسون هاتين المادتين، وغير ذلك فهي مواد كلها مدنية مثل الكيمياء العسكرية والهندسة الكهربية وميكانيكا النقل والتحميل وعلوم الهندسة المدنية في إنشاء الخنادق والحفر الهندسي وغيرها".

"مؤشرات عسكرة التعليم"

في 27 تموز/ يوليو الماضي، نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية مقطع فيديو للقاء السيسي، ووزير التعليم الجديد محمد عبداللطيف، بحضور مدير الأكاديمية العسكرية الفريق أشرف سالم زاهر.


حينها أثيرت التساؤلات حول ما يجمع مدير الأكاديمية العسكرية بوزير التعليم، وبالعملية التعليمية برمتها، لكن تلك الحالة لم تستمر طويلا، حيث أنه يجري اختبار المدرسي المرشحين للتدريس خلال السنوات الماضية في الأكاديمية العسكرية بعد تقديم دورات تدريب لهم، كما أن السيسي كان قد جمع مديري المدارس في مقابلة معه بالأكاديمية العسكرية في آب/ أغسطس 2023.

لكن خروج الوزير منفردا وبعد نحو 18 يوما من ذلك اللقاء، بقرارات تقليص المواد الدراسية في المرحلة التعليمية الثانوية بجميع سنواتها وشعبها، مثيرا الجدل باستبعاد العديد من المواد الهامة من المجموع الكلي وتقليص تدريس البعض الآخر، دفع مراقبين للربط بين اجتماع السيسي، والوزير، ومدير الأكاديمية العسكرية، وقرارات تغيير المناهج.

وطوال السنوات الماضية كانت هناك مؤشرات على تدخل من الجيش في ملف التعليم ظلت محل انتقادات خبراء التعليم.

ومن تلك المؤشرات دعوة الأكاديمية الطبية العسكرية التابعة للجيش، في أيار/ مايو 2020، نقابة الأطباء المصرية للمشاركة في عمل دراسة حول إمكانية تحويل الصيادلة إلى أطباء بشريين، بعد حصولهم على الدراسات اللازمة لمعادلة الشهادة.

وأيضا قرار السيسي، في تموز/ يوليو 2022، الذي نشرته "الجريدة الرسمية" والقاضي بمنح خريجي كليات الأكاديمية العسكرية المصرية درجات الليسانس والبكالوريوس التي تمنحها الجامعات المصرية.

كما أن باحثين وكتابا وصحفيين مصريين تحدثوا عن ملف عسكرة التعليم في مصر، مشيرين إلى أنه توجه قائم منذ انقلاب السيسي على أول تجربة ديمقراطية في مصر، والإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي.

وفي مقال لها بعنوان "عسكرة التعليم في مصر: تهميش مدنية المهمة"، نشرته الباحثة المختصة بالتعليم إيزيس الكاشف، في آب/ أغسطس 2022، قائلة: "لم يسلم قطاع التعليم في عهد الرئيس السيسي من مفهوم العسكرة".

وأشارت إلى أن سلطته "بدأت خطة جديدة لعسكرة التعليم وأسست كلية للطب العسكري في العام 2013، ثم مدارس خاصة مملوكة للقوات المسلحة، وأيضا مدرسة تكنولوجية تطبيقية تابعة لوزارة الإنتاج الحربي".

ولفتت إلى إشراف جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة على توريد وجبات التغذية للمدارس، والإشراف على مطابخ المدينة الجامعية لجامعة القاهرة، وإشراف الهيئة الهندسية على بناء المدارس اليابانية.

وألمحت كذلك إلى بناء الهيئة عام 2016، نحو 257 مدرسة نموذجية بـ18 محافظة، و225 مدرسة أخرى من بينها 98 بالصعيد، و100 مدرسة بـ17 محافظة بتمويل إماراتي، مبينة أن هيئة التسليح بالجيش نالت عام 2019، مناقصة توريد أجهزة "التابلت" للمدارس.

وتحدثت عن ما أسمته "إقحام" نشيد الصاعقة المصرية في الإذاعة الصباحية للطلاب، منذ آذار/ مارس 2018، بدلا من النشيد الوطني المصري.

وخلصت في مقالها إلى القول: "تعزز هذه السيطرة الفكرة الأبوية التي تتبعها المؤسسة العسكرية تجاه المصريين حيث إنها تعتبرهم عيالا (أي صغارا) يجب رعايتهم وضمان سلوكهم وتربيتهم الفكرية".