ملفات وتقارير

حراك عمالي مصري "خجول" يطالب بحقوق ضائعة.. هل انتهت مرحلة الصمت؟

استجابة لشروط صندوق النقد تسعى الحكومة إلى بيع القطاع العام وتسريح العمال في المصانع- إكس
‌من آن إلى آخر تتعالى أصوات القضايا العمالية المطالبة بتحسين أوضاع العاملين في المصانع والشركات الحكومية وتلك التابعة لقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، والتي تتطور من رفض الإدارات لمطالب العاملين إلى تنظيم الوقفات الاحتجاجية وحتى الإضراب عن العمل، وهو الحراك الذي يقابله الأمن المصري بتوقيف بعض العاملين، واخفائهم قسريا ومحاكمتهم.

وفي بلد يعد ثلثي سكانه البالغين في الداخل أكثر من 106 ملايين نسمة، إما فقراء أو تحت خط الفقر، وأغلبهم من العمال، ويبلغ الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص 6 آلاف جنيه شهريا (126.49 دولارا)، بعد زيادته في شباط/ فبراير الماضي، يكافح آلاف العمال للحصول على هذا المبلغ.

وبشكل خاص يطالب العاملون بقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، بزيادة الأجور وأيضا المعاشات، وتوحيد الرواتب بجميع هيئات الدولة وفق المؤهل الدراسي، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار السلع، وتأثير معدلات تضخم بلغت في آذار/ مارس الماضي 35%، إلى جانب تقليص الحكومة دعم الوقود والكهرباء والخبز المدعم ورفع أسعارها، ما يؤدي لتآكل الأجور، وفق شكاوى عمالية.



"سمنود للوبريات"
آخر القضايا العمالية المثارة، كان إضراب عمال شركة "سمنود للنسيج والوبريات" التابعة لقطاع الأعمال العام الحكومي في محافظة الغربية (دلتا مصر)، في 18 آب/ أغسطس الجاري، وحتى وقت كتابة التقرير، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي تحول إلى اعتصام  السبت الماضي، بمقر الشركة.

الأمر الذي نتج عنه قيام الأمن المصري فجر الأحد الماضي، باعتقال 10 عمال الشركة، بينهم 4 عاملات (جرى إخلاء سبيلهن)، والتحقيق معهم بجهاز الأمن الوطني بمدينة المحلة الكبرى، بحسب بيان "دار الخدمات النقابية والعمالية".



زوجة أحد العمال المقبوض عليهم قالت لموقع "مدى مصر" إن "عمال الشركة اشتكوا لشهور طويلة من تلقيهم مرتباتهم على دفعتين، قد تتأخر الدفعة الثانية لأكثر من شهر، كما أنهم اعترضوا على أن هذه المرتبات لا تزيد على الثلاثة آلاف إلى 3500 جنيه".

من جانبه أشار منسق عام دار الخدمات، كمال عباس، إلى أن "الشركة قد تكون مرشحة للتصفية في إطار سعي الدولة للتخارج من قطاعات صناعية"، فيما عُرض جزء من أرض الشركة للبيع في مزاد عام 2020.

"مصنع الشوربجي"
وفي قضية ثانية، كان عمال شركة "النصر للغزل والنسيج والتريكو" (الشوربجي) المصرية قد نظموا وقفة احتجاجية، في 15 آب/ أغسطس الجاري، للمطالبة بمستحقاتهم المالية المتأخرة، وزيادة الحوافز والأجور، ورفع المنحة السنوية إلى 6 أشهر، ومساواتهم بباقي شركات وعمال "مجمع حلوان" الذي جرى ضم الشركة إليه، ضمن عملية دمج لـ5 شركات.

وأشارت الصحفية المصرية داليا موسى، في تقرير لها حول المصنع إلى أن "وضع العمال سيئ للغاية"، ملمحة إلى ضعف الرواتب، وانتشار الأمراض نتيجة المهنة، وقلة الإنتاج، وقلة الحوافز والبدلات.

وذلك على الرغم من انخفاض عدد العمال من 2166 عاملا منتصف 2011، إلى 650 عاملا فقط في الشركة التي تأسست عام 1947 على مساحة 66 ألفا و809 أمتار مربعة، بمنطقة إمبابة شمال محافظة الجيزة.



"فينيسيا للسيراميك"
وهو ما سبقه، تنظيم عمال شركة "فينيسيا للسيراميك" الخاصة بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، بين 11 و18 آب/ أغسطس الجاري، احتجاجا على تدني أجورهم عن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وبعدما رفضت الإدارة رفع الأجور بقيمة ألف جنيه، وعرضت على العمال البالغ عددهم 1300 عامل زيادة بقيمة 300 جنيه فقط.

وحرر عاملون محضرا في "مكتب العمل" الحكومي، ضد إدارة المصنع مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور، والتعاقد مع شركة للتأمين الصحي الخاص، فيما أكد اثنين من العاملين لموقع "مدى مصر"، تقاضيهما 4300 جنيه، بعد 25 سنة من العمل في الشركة، و3500 جنيه، بعد 13 سنة.

"من 2006 إلى 2024"
ذلك الوضع يذكر بحالة الغضب التي اجتاحت عمال شركات ومصانع مدينة "المحلة الكبرى" الصناعية الشهيرة (وسط الدلتا)، حينما تظاهر في 17 شباط/ فبراير 2008، 10 آلاف عامل في "مصر للغزل والنسيج" مطالبين برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1,200 جنيه، وهو ما سبقه إضرابان لعمال غزل المحلة، عامي 2006 و2007.

وفي شباط/ فبراير الماضي، قرر السيسي رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية إلى 6 آلاف جنيه، فيما جرى ضم القطاع الخاص للقرار بعد 3 أشهر في أيار/ مايو الماضي، وهو ما تماطل إدارات الكثير من الشركات في تنفيذه.

ولأن القرار الأول، لم ينطبق على شركات ومصانع قطاع الأعمال العام، احتجت 3700 عاملة بشركة "مصر للغزل والنسيج" بالمحلة الكبرى، في 22 شباط/ فبراير الماضي، ثم تجمع العمال بعدها بيومين في ميدان "طلعت حرب" وسط القاهرة، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى للأجور.

ورغم توقيف جهاز الأمن الوطني لنحو 70 من العمال ثم 13 آخرين واخفاء بعضهم قسريا، وحبس العاملين وائل محمد أبو زويد، ومحمد محمود طلبة، مدة 3 أشهر، إلا أن حراك العمال حينها دفع الحكومة في 28 شباط/ فبراير الماضي، لتطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بشركات قطاع الأعمال العام، وهو ما تماطل في تنفيذه إدارات بعض الشركات.

وإلى جانب أزمة الرواتب والأجور والحقوق المالية، يظل التعامل الأمني مع العاملين ومطالبهم إحد الأزمات حيث إنه يتم توجيه لهم تهم الانضمام إلى جماعة مؤسسة على خلاف القانون، ونشر إشاعات وأخبار وبيانات كاذبة.

وبتلك التهم، جرى حبس النقابي سامح زكريا من العاملين بهيئة الإسعاف الحكومية، والأمين العام المساعد لنقابة العاملين بشركة شرق الدلتا للنقل والسياحة أحمد عبدالفتاح، والنقابي شادي محمود من الإسكندرية.

وفي 16 تموز/ يوليو الماضي، طالبت "دار الخدمات النقابية والعمالية"، وممثلو النقابات العمالية، وقيادات اتحاد تضامن النقابات العمالية، وممثلو أمانات العمال بالأحزاب السياسية، الحكومة المصرية بالإفراج الفوري عن العمال والنقابيين المحبوسين ووقف الضغوط على العمال.

وفي رسالتهم طالبوا بـ"ضرورة مواكبة الأجور لارتفاع الأسعار، وتحديد الحد الأدنى للأجور سنويا بموجب قانون ملزم لجميع الأطراف، بحيث يكون عادلا ويغطي متطلبات المعيشة الأساسية، ويتم مراجعته بما يتناسب مع معدلات التضخم، ويتم تطبيقه بشكل كامل على القطاع الخاص دون استثناءات".

وتتزايد الضغوط على عمال مصر، مع قرارات حكومية الشهر الماضي والجاري، بزيادة سعر رغيف الخبز بنسبة 300%، والبنزين والسولار والغاز المنزلي لـ15%، الكهرباء 50%، الأدوية، ومياه الشرب، والمواصلات العامة، ورسوم النظافة.

"جعل حياتهم جحيما"
وفي تعليقه على الملف العمالي وما به من مخالفات قانونية ودستورية وضياع لحقوق العمال في القطاع الحكومي والخاص، قال السياسي المصري والبرلماني السابق طارق مرسي، إن "القضية أكبر من مجرد العمال، ومن مجرد مخالفات قانونية ودستورية".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد عضو لجنة الصناعة والقوى العاملة في مجلس الشورى سابقا، أن "الأمر يتعلق بالدولة المصرية في كل قطاعاتها وأطيافها وأركانها، ويتعلق بنظام استبدادي فاشي أفسد واقع حياة الشعب وضيع مقدرات الوطن".

وأضاف: "لا يوجد في حكم السيسي قانون أو دستور ولا يحفظ للشعب المصري أي بقية من حياة فضلا عن معايير الكرامة الإنسانية وحق الشعوب في العيش الكريم والحرية".

وتابع: "مقدرات الوطن ذاته ضاعت في كل مظاهرها، في نيلها الذي أوشك على السلب والجفاف وفي قلاعها الصناعية التي تم إغلاقها وضاعت معها سبل العيش الكريم لملايين العمال في بطالة حرقت حاضر ومستقبل ملايين العمال".

"فضلا عن انهيار اقتصادي انهارت معه قيمة العملة فأصبحت حياة العمال جحيما لا يُطاق ودق الفقر أعناق المصريين بكل أطيافهم وفي القلب منهم شريحة العمال المعروفة أصلا ببساطتها وفقرها".

"سادية لن تُفلح"
وفي إجابته عن السؤال "هل يتحول حراك العمالي الخجول المطالب بحقوق ضائعة إلى حالة غضب مشابهة لانتفاضة عمال غزل المحلة في عهد حسني مبارك والشهيرة عام 2008 والتي مهدت لثورة يناير 2011؟"، قال الناشط العمالي: "نحن أمام مطالب بسيطة للعمال لسد الرمق ليس أكثر، لم تتم إجابتها على بساطتها، بل إنه تم تحويل رموز عمالية للأمن الوطني والاعتقال والسجن".

فيما تساءل: "ما علاقة الأمن الوطني سيئ السمعة بطلبات بسيطة للعمال لزيادة الرواتب أو تحسين ظروف العمل؟".

ولفت إلى أن "حق الإضراب تكفله كافة المواثيق والعهود الدولية، ومصر وقعت عليها، وهو أسلوب وحق من حقوق العمال وليس ضد أحد ولا معارضة سياسية"، مؤكدا أنها "فاشية السيسي والعسكر الذين يحكمون مصر بعقلية ستينيات القرن الماضي ولا يفهمون دروس الحاضر والتاريخ".

ويعتقد أن "كبت الحراك العمالي الحالي بوسائل سادية وعنف الأمن وعصا الداخلية الغليظة لن يحقق استقرارا لمصر ولن يحفظ على العسكر سلطتهم"، مشيرا إلى أنها "محاولة غبية من الديكتاتورية لتخويف الناس وهو نفس الغباء الذي مارسه مبارك ويمارسه كل المستبدين".

واستدرك بالقول إن "هذا لن يُفلح وستتجمع النار تحت الرماد، وسيزداد غضب الجماهير من عمال وطلبة وغيرهم حتى إذا اجتمعت أسباب الثورة جميعا انفجر الوضع بثورة لا تبقي ولا تذر، وحينها لن تفلح عصا الداخلية ولا قسوة العسكر وسيلقى السيسي ونظامه عاقبة أسوأ من عاقبة القذافي (الرئيس الليبي الأسبق)".

وختم مؤكدا أن "هذا هو ما ينذر به غباء العسكر، وهو النتيجة الحتمية لحالة الغضب التي تتبدى في ما يسميه البعض بالحراك الخجول، وهو نذير بين يدي ربيع جديد يصحح الأوضاع ويعيد حقوق العمال وغيرهم من كافة قطاعات الشعب".

"الفقر يحيط العمال"
دراسة صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، في أيلول/ سبتمبر 2023، رصدت ارتفاع نسبة الفقراء بين العاملين في الحكومة من 13 بالمئة (2010-2011)، إلى 19 بالمئة (2017-2018)، وارتفعت نسبة الفقراء بين عمال القطاع الخاص من 22 بالمئة إلى 28.5 بالمئة في الفترة نفسها، بينما ارتفعت نسبة الفقراء بين العاملين بالقطاع الخاص خارج المنشآت من 33 بالمئة إلى 43.1 بالمئة.

وخلصت الدراسة التي أعدها الكاتب مصطفى بسيوني، إلى أن "66 بالمئة على الأقل من العاملين بالقطاع الخاص يتقاضون أقل من 4 آلاف جنيه شهريا، وبالتالي يكونون وأسرهم تحت خط الفقر"، مبينة أن الأقل استفادة من الحد الأدنى للأجور، هم عمال القطاع الخاص وعمال شركات قطاع الأعمال، وموضحا أن "التدني الشديد بأجور العمال وتدهور أوضاعهم ليس نتاج ضعف الإنتاج وإنما غياب العدالة في توزيع ثماره"، ملمحا إلى أن "الحركة العمالية والنقابية ليست بكامل لياقتها".

"ملف شائك"
وفي رؤيته، قال الباحث المصري مصطفى خضري، إن "الملف العمالي من الملفات الشائكة، خاصة أن التكنولوجيا الحديثة وخطوط الإنتاج الدجيتال المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد قضت على أكثر من 70 بالمئة من احتياج الصناعة الحديثة للعمالة الماهرة".

رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، أضاف لـ"عربي21"، أن "الصناعات الحديثة تعوض نسبة كبيرة من العمالة الفنية الماهرة بالتكنولوجيا، وهو ما يعرفه النظام جيدا، وحتى الصناعات كثيفة العمالة كصناعة الملابس مثلا؛ بدأت التكنولوجيا الحديثة واستراتيجية خطوط الإنتاج المعتمدة على تقسيم مراحل الإنتاج في الحصول على عامل ماهر بدأ من الصفر لتلك المرحلة بعينها في أقل من شهر".

وأكد أن "هذا تحديدا أحد أهم عوامل جذب الشركات متعددة الجنسيات لفتح مصانعها حاليا في مصر، والاستغناء عن مزارع العمالة التقليدية بجنوب شرق آسيا والهند، حيث تمتاز مصر بموقع استراتيجي يوفر 50 بالمئة من تكلفة الشحن لأوروبا وأمريكا، خاصة في حالة الاضطرابات السياسية في مناطق الصراع العالمية".

"وذلك، بالإضافة إلى وجود عمالة رخيصة خاصة بعد تحرير سعر الصرف وانهيار الجنيه المصري، ورغم وجود قوانين عمالية تحدد الحد الأدنى للأجور فإن الفساد الحكومي جعل تلك الشركات تستخدم العامل المصري بشكل غير قانوني في مصانعها بما يساوي 2- 3 دولارات يوميا".

"لهذا يصعب تكرار 2008"
ويرى الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، إمكان "تحول الحراك العمالي الخجول المطالب بحقوق ضائعة إلى حالة غضب مشابهة لانتفاضة عمال غزل المحلة في عهد حسني مبارك عام 2008، والتي مهدت لثورة يناير 2011".

وقال: "من الصعب حصول ذلك لسببين، الأول انخفاض حجم العمالة في القطاع العام وقطاع الأعمال في مصر الآن، مقارنة بحجمهم في 2008 بنسبة تزيد عن 68 بالمئة، حسب تقديرات المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) في تقريره مطلع عام 2024".

وألمح إلى أن السبب الثاني، أن "هذا الملف تحديدا يمثل للنظام خطا أحمرا، ولن يسمح بتمدد أي حراك عمالي، فإنهاء وظيفة العامل هي أقل عقوبة متوقعة في حالة الاشتراك في أي حراك عمالي، ناهيك عن إنهاء حياته نفسها في أروقة الأمن الوطني، فالنظام ورأسه يخشون من أي حركة في الشارع حتى لو كانت رحلة جامعية".