قالت إن صمت العالم شجع على تواصل الجرائم بحق الفلسطينيين- الأناضول
يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين عاما ليتعلم الصمت، فالصمت فن من فنون الحياة، وهو ليس فقط بمعناه التقليدي بأنه الاحتفاظ بما يجول في خواطرنا، وما تنطق به أفكارنا في داخلنا، أو لمنع الأذى أو حتى عدم الكلام عن فعل الخير أو حتى عدم كثرة الكلام، بل هو أعظم بكثير، وليس الجميع يُحسن فعله، فالبعض يصعب عليهم ترجمته، والبعض الآخر أصبح جزءا من تكوينة فكرهم.
فمن يُتقن الصمت يداوم على السعي خلفه، ويجعله من عادات حياته الأساسية، ويجعله بداية طريقه نحو تطوير الذات، فقد يكون الصمت في حقيقة الأمر أحد وجوه التطور في حياة الإنسان، وهو يمس جميع نواحي الحياة، وله الأثر الكبير فيها حتى سياسيا؛ حيث يعد الصمت الأداة الفاعلة؛ فالصمت السياسي شكل من أشكال الفاعلية السياسية، لأنه يشكِّل موقفا من المواقف المتَّخذة للتعبير عن الآراء، ولكن بطريقة مختلفة عن الكلام، وهي الطريقة الأكثر مرونة والأشد حساسية، فبعض الدول تأخذ من الصمت أداة فاعلة للحفاظ على تأثيرها، ولكن ليس جميع الدول استطاعت استخدام هذه الأداة بفاعلية، كصمت الدول العظمى عما يجري في غزة.
ففي العديد من الأحيان يكون الصمت أداة للتعبير عن الحزن أو الغضب، كما نحن فيه اليوم صامتون بقلوب تعتصر، ولا ندري ماذا بقي لفعله لإيقاف الإبادة المستمرة.
صمت دول الغرب عن غزة هو الأداة التي يستخدمونها للتنصُّل من أيِّ تصريحات قد تؤدي إلى تداعيات عديدة غير محسوبة ولا يريدونها، وأصبح من الواضح لنا جميعا بأن صمتها هو الموافقة الضمنية، خاصة تلك التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعمل لصالح سير الخطة الإسرائيلية وسلامتها، وهذا تناقض آخر نراه للدول الغربية في منطقتنا، لأن الدول الغربية كانت أول من أطلق مسمى الأغلبية الصامتة في دولها؛ لأنها تتعامل مع الصمت السياسي كأنه نوع من أنواع الخوف المبطن المصحوب بالخطر، فتراها لا تتوقف عن كتف أحد حتى يدلي تصريحا أو بيانا، فعلى سبيل المثال موعد الضربة الإيرانية الذي اختفى كما ظهر، حيث لم تتوقف الصحف الأمريكية عن الحديث عن الموضوع، حتى ظهور البيان أو الخطاب الإيراني بهذا الصدد، أو ما يجري بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، نراهم كالذي ينتظر الآخر على كلمة ليسرد سيلا من الجمل، فبقدر ما يجري في غزة كبير، إلا أنه كشف العديد من التناقضات التي لم نكن لنراها.
حمى الله أمتنا

(الدستور الأردنية)