سياسة دولية

أطباء يروون قصصا مأساوية من غزة خلال احتفال الديمقراطيين الكبير

طبيبة قالت إن وصول الأطفال الجرحى وحدهم شائعة وأصبح لها عبارة شهيرة: طفل جريح، لا أسرة على قيد الحياة"- جيتي
كان المزاج السائد في الغرفة الصغيرة المخفية في الطابق الرابع من مركز مؤتمرات ماكورميك بليس مختلفا تماما عن الاستعراض الذي شهده المؤتمر الوطني الديمقراطي الثلاثاء، الذي أقيم على بعد خمسة أميال.

وقالت مجلة "ذي نيشين" في تقرير للصحفية سارة لازار إن ستة أطباء وقفوا في صف واحد، مرتدين ملابس العمليات الجراحية والأحذية الرياضية، وكانت تعابير قاتمة على وجوههم، ومن ثم صعدوا تواليا إلى المنصة لمشاركة ما شهدوه خلال عملهم الطبي الإنساني الأخير في غزة ــ وتوسلوا إلى الديمقراطيين، وخاصة المرشحة الرئاسية كامالا هاريس، أن يعيدوا التفكير في عملية تسليحهم المتسارع لحملة القتل الإسرائيلية التي لا هوادة فيها.

وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من دعم فكرة "وقف إطلاق النار" المجردة ظاهريا، فقد شوهت إدارة بايدن معنى المصطلح، لذلك غير الناشطون مطلبهم الأساسي، موضحة أن هؤلاء الناس يطالبون الآن بفرض حظر على الأسلحة، وهو ما يعكس إجماعا متزايدا بين أولئك الذين يحشدون تضامنا مع الفلسطينيين على ضرورة وقف الدعم المادي لعمليات "إسرائيل". وحتى الآن، وعلى الرغم من التحولات "في اللهجة"، رفضت نائبة الرئيس هاريس مناشداتهم اليائسة.

وصفت تانيا حاج حسن، وهي طبيبة في العناية المركزة للأطفال، كيف أمسكت بأيدي الأطفال المحتضرين "وكانوا يلفظون أنفاسهم الأخيرة في غياب أي أسرة على قيد الحياة قادرة على مواساتهم". 

وقالت إن ظاهرة وصول الأطفال الجرحى وحدهم شائعة هناك إلى الحد الذي جعل هناك مصطلحا يصفها: "طفل جريح، لا أسرة على قيد الحياة".

بينما قال أحمد يوسف، وهو طبيب في الطب الباطني وطب الأطفال، إن امرأة أصيبت بحروق شديدة في جميع أنحاء جسدها، ثم اكتشف الأطباء أنها حامل، كاشفا: "كنا نعلم أنها ستموت هناك وأن طفلها سيموت هناك، ولم يكن بوسعنا أن نفعل شيئا". 

وذكر: "نقلت إلى وحدة العناية المركزة وكانت تعاني من الألم كل يوم حتى وفاتها، لأننا لم نكن نملك النوع الذي نحتاجه من الأدوية لها، في أحد الأيام، دخل إلى المستشفى ووجد سريرها فارغا.. قصتها ليست سوى واحدة من عشرات الآلاف من القصص".

وقالت تامي أبو غنيم، وهي طبيبة في طب الطوارئ: "كانت الأشياء التي رأيناها في غزة لا يمكن تصورها. فالأطفال لا يحصلون على التغذية الأساسية. وكل طفل بحاجة إلى رعاية نفسية لن يتمكن من الحصول عليها لفترة طويلة جدا".

وأضافت: "لا أستطيع أن أخبركم كم هو محبط أن أعلم وأنا أقف أمام مريضة أسحب شظايا من جسدها، أن دولارات الضرائب التي أدفعها دفعت ثمن تلك الشظايا".

وسافر الأطباء من مختلف أنحاء البلاد لمشاركة شهاداتهم، محاطين بمندوبين يمثلون حوالي 740 ألف شخص صوتوا "غير ملتزمين" في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للاحتجاج على قصف غزة وحصارها.

 وكان حدث الثلاثاء الماضي واحدا من العديد من الأحداث التي نظمها المندوبون غير الملتزمين، وقد أعقب ذلك ندوة مكتظة حول حقوق الإنسان الفلسطيني في اليوم السابق. 

وقالت الصحيفة: "يبدو أنهم يفعلون كل ما في وسعهم للتأكد من أن المؤتمر الوطني الديمقراطي لن ينسى ما تفعله الولايات المتحدة في غزة، حيث استخدمت إسرائيل أسلحتها وذخائرها، بالإضافة إلى حزم المساعدات المستمرة، لقتل أكثر من 40 ألف شخص، أكثر من 16 ألفا منهم من الأطفال" (على الرغم من أن العدد الحقيقي للشهداء من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير).

وأوضحت الصحيفة أن "مشهد المؤتمر الوطني الديمقراطي يصعب اختراقه. المؤتمرات السياسية هي أحداث مصممة جيدا لتقديم عرض، وليس لإجراء حوارات صعبة. كما يتمتع مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي هذا بدفعة إضافية من الطاقة من استبدال بايدن بهاريس وجعل ذلك في أعلى القائمة.

لقد كان مليئا بموضوعات الفرح والوحدة، وقوبل المتحدثون رفيعو المستوى في الحزب بتصفيق مدو (على الرغم من أن الرئيس بايدن واجه إزعاجا واحدا من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذين حثوا الولايات المتحدة على التوقف عن تسليح إسرائيل).

وبينت أنه إلى الحد الذي كانت فيه غزة قد ظهرت على المسرح الرئيسي للحدث، فإن ذلك كان قصيرا نسبيا، ولم يُخل من أجواء الاحتفال والبهجة.

واعتبرت أن "هذا لا يعني أن أحدا في قاعدة الحزب الديمقراطي لا يهتم بغزة. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأغلبية الساحقة من الديمقراطيين يريدون وقف إطلاق النار. وتدعو سبع نقابات عمالية كبرى، تمثل ما يقرب من نصف جميع العمال النقابيين، إلى فرض حظر على الأسلحة بموجب وقف إطلاق نار دائم، وعدد النقابات والمنظمات العمالية التي تحث على وقف إطلاق النار أكبر من ذلك بكثير".

 وقالت أسماء محمد، وهي مندوبة غير ملتزمة من ولاية مينيسوتا، للحضور إن المحادثات مع المندوبين الآخرين "كانت إيجابية حقا". وأضافت أن أكثر من 200 مندوب وقعوا على رسالة الحركة الوطنية غير الملتزمة التي تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة.

وهناك فجوة واضحة بين هذه القاعدة وزعماء الحزب. فقد رفضت نائبة الرئيس هاريس الموافقة على وقف إرسال القنابل إلى "إسرائيل"، وفي حين مُنحت الحركة غير الملتزمة فرصة عقد ندوة في ساحة ماكورميك خارج الموقع خلال النهار، ومساحة للوقفة الاحتجاجية، إلا أنها تبْقَى بعيدة عن المسرح الرئيسي، على الرغم من مطالبها باستضافة متحدث فلسطيني أمريكي. "إن ما نحتاج إليه بشكل عاجل هو وقف القنابل"، هكذا قال عباس علوية، وهو مندوب غير ملتزم من ديربورن بولاية ميشيغان.

وقال ثائر أحمد، وهو طبيب طوارئ فلسطيني أمريكي عمل مؤخرا في مستشفى ناصر في خانيونس: "لا توجد موسيقى يمكنك تشغيلها على المسرح الرئيسي خلال هذا المؤتمر من شأنها أن تجعلنا ننسى أصوات ودموع كل الأطفال الذين رأيناهم مستلقين على أرض المستشفى".

وتحدث المتحدثون في حدث يوم الثلاثاء بصراحة عن التحدي المتمثل في محاولة جعل الناس يهتمون. وقال نبيل رنا، وهو جراح أوعية دموية: "نحن ننشغل بالأرقام، ولكن كل إنسان هناك هو إنسان مثلك ومثلي". والواقع أن الأرقام مذهلة. فقد وجدت إحدى الدراسات أن واحدا من كل 10 أشخاص في غزة مات أو جُرح أو فُقد نتيجة لأفعال إسرائيل على مدى الأشهر العشرة الماضية. وبعد ستة أشهر فقط من بدء الحرب، حددت الأمم المتحدة أن 19 ألف طفل أصبحوا أيتاما، وهو رقم أعلى بكثير الآن.

ولإيصال هذه المخاطر، يضطر المدافعون في كثير من الأحيان إلى إعادة سرد صدماتهم مرارا وتكرارا. وخلال الحدث، انفجر المتحدثون في البكاء، بينما أدار المندوبون غير الملتزمين ظهورهم للحشد ووضعوا وجوههم بين أيديهم وهم يبكون. 

وتم تمرير المناديل الورقية عدة مرات، وكان من الممكن رؤية أحد الأطباء وهو يهمس بصمت لآخر: "هل أنت بخير؟". وقد شكلت هذه المجموعة من الأطباء مجتمعا مؤقتا حول تجربتهم المشتركة في العمل في غزة، وقد سافر أحدهم، يوسف، إلى أركنساس فقط من أجل هذا الحدث، للتحدث إلى حفنة من المنافذ الصحفية التي ستستمع.

وقال يوسف: "السبب الذي يجعلنا نبكي ليس الحزن بعد الآن. بل الشعور بأننا لا نملك القدرة على حمل أقوى دولة في العالم على وقف القنابل".