سياسة عربية

من "سجن عكا" إلى "طلّت البارودة".. كيف خلدّت أغان شعبية مقاومة الفلسطينيين؟ (شاهد)‏

مجموعة من الثوار يتقدمهم قائدهم في أحد جبال فلسطين إبان الثورة الكبرى- أرشيفية
تشكل الأغاني التراثية الثورية جزءا من تاريخ الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من احتلال متواصل منذ أكثر من 100 عام، حيث لعبت العديد من الأغاني دورا في تخليد مقاومته، وكانت أداة في تحفيزه على استمرار المواجهة لنيل حريته، وتصوير معاناته.

على ومنذ احتلال فلسطين على يد البريطانيين، برزت عدة أغان، عبرت عن آلام الفلسطينيين، وتحدثت عن الوطن والكفاح والحنين للأرض والحرية والمقاومة، وبقيت في ذاكرتهم، واستمروا في تردادها حتى يومنا هذا.


ورغم أن عددا من تلك الأغاني الشهيرة لثورة الفلسطينيين كتب كلماتها شعراء، فإن الأخرى صيغت بعبارات عفوية شعبية على ألسنة من ذاقوا الويلات على يد الاحتلالين البريطاني والإسرائيلي، ونادوا بالثأر لدماء أبنائهم وأرضهم وتخليد قصص الشهداء.

سنتعرف في التقرير التالي على عدد من تلك الأغاني الخالدة في ذاكرة الفلسطينيين عن ثورتهم ومقاومتهم للاحتلال.

طلت البارودة والسبع ما طل

تعد هذه الأغنية، من أشهر أغاني فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، منذ عشرينيات القرن الماضي، وترتبط بالثورة الأولى للشعب الفلسطيني، التي ظهر فيها العمل المسلح بشكل كبير، عبر مجموعات الثوار في القرى والمدن الفلسطينية.

ورغم قلة الروايات حول هذه الأغنية، فإن أغلبها يتحدث عن قصة الثوار الذين كانوا يستشهدون في المواجهات مع البريطانيين، وتعود خيولهم وبواريدهم "البنادق"، المخضبة بدمائهم، إلى قراهم لتسلم إلى أهلهم، كعلامة على استشهادهم في ساحات المعارك.

وكان يطلق على الشبان الثوار وصف "السبع" (اسم للأسد)، فكان يوصف من ينخرط في الثورة ويحمل السلاح ضد البريطانيين بالسبع، دلالة على الشجاعة والقلب القوي للدفاع عن أرضه وعرضه.



هز الرمح بعود الزين
ومن الأناشيد في فترة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، أغنية هز الرمح بعود الزين.. وانتو يا نشامى منين، التي كانت أشبه بقصة تصور تفاصيل المعركة التي وقعت في بيت إمرين قضاء نابلس.

وتتعلق الأغنية بالمعركة الشهيرة، التي جرت في بين الثوار الفلسطينيين وبعض الثوار العرب وخاصة من سوريا، في منطقة بيت إمرين وجبال برقا، بعد محاصرتهم من قبل الاحتلال البريطاني، المدعوم بطائرات ومدرعات عسكرية وعدد كبير من الجنود.

ودارت معركة طاحنة في المنطقة، وصلت إلى حد إسقاط الثوار طائرتين للإنجليز، واستمرت ساعات طويلة، ورغم استشهاد عدد كبير من الثوار، فإن الاحتلال البريطاني تكبد خسائر كبيرة، أجبرته على الانسحاب من المنطقة.

ووصف من أرخ لتلك المعركة بأن نابلس لم تشهد مثلها من قبل، بسبب ضراوة الاشتباكات التي وقعت، ودفعت سكان المدينة إلى الفزعة للثوار، وهو ما وثقته الأغنية في كلمتها.



من سجن عكا طلعت جنازة

تعد أغنية من سجن عكا طلعت جنازة، واحدة من أبرز قصائد الثورة الفلسطينية، ورغم أنها كتبت في فترة الثورة كشعر يصور عملية إعدام المقاومين الثلاثة محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي على يد البريطانيين في سجن عكا، فإنها لم تلحن وتغن بشكلها الحالي سوى بعد عقود.

وعكف على تأليف قصيدة الرثاء الشاعر الفلسطيني نوح إبراهيم، الذي كان يطلق عليه تلميذ القسام، حين كان قائد الثوار في الثلاثينيات الشهيد عز الدين القسام ضمه إلى صفوفه، وكان بارزا في كتابة القصائد الحماسية وتلك التي تخلد شهداء الثورة وبطولاتهم.

وبقيت القصيدة توثيقا مكتوبا لتلك القصة المأساوية بإعدام الثوار في سجن عكا، حتى قام بلتحينها الفنان الراحل حسين نازك، وأداها الفنان الراحل حسين منذر، ولاقت صدى واسعا، وبقيت في ذاكرة الفلسطينيين إلى يومنا هذا.



يا يمة في دقه ع بابنا

هذه الأغنية من أبرز الأغاني التراثية التي تحكي بطولات الفلسطينيين، وألمهم في فقدان الأبناء نتيجة المعارك مع الاحتلال، وعودة الغائبين، وهي لمنشد الثورة الفلسطينية الكبرى الفنان الراحل إبراهيم محمد صالح الشهير بأبو عرب.

وجاءت الأغنية التي أداها ولحنها أبو عرب، من قصة حقيقية وقعت مع شاب فلسطيني مقاتل، خلال السبعينيات من القرن الماضي، وهو شاب لاجئ من قرية بيت فجار قضاء بيت لحم، وأبعده الاحتلال إلى لبنان، وكان يحمل اسما حركيا "بلال".

وروى أبو عرب أن الشاب تمكن من دخول الأرض المحتلة، بعد إبعاده بسنوات، لتنفيذ عملية فدائية ضد الاحتلال، وكان لدى أهله معلومات أنه استشهد سابقا، في معارك قلعة شقيف في جنوبي لبنان، لكنه تمكن من الوصول إلى قريته، وبيته في بيت فجار، وطرق على الباب، وحين سألت أمه عن الطارق، قال لها: أنا بلال.

وحين سمعت أمه الاسم، اعتقدت أنه من قوات الاحتلال وجاء لاستدراجها للاعتراف، وقامت بطرده، لكن الشاب استعان بأهل القرية لإقناع أمه أنه بلال الحقيقي، وحينها فتحت الباب، وقبلت بندقيته قبل أن تحتضنه.



طالعلك يا عدوي طالع

تعدّ هذه الأغنية من أبرز الأغاني الثورة الشعبية، وخلال فترة المواجهة مع الاحتلال إبان نهاية الستينات والسبعينات، لكنها ظلت عاملا محفزا على المواجهة، في العقود اللاحقة لذلك.

وكتب كلمات هذه الأغنية صلاح الدين الحسيني ولحنها الفنان الفلسطيني الراحل مهدي سردانة، والذي لحن العديد من الأغاني الثورية الفلسطينية، ومنها "ثوري يا جماهير الأرض المحتلة".



ثوري ثوري ثوري

تعدّ هذه الأغنية واحدة من أيقونات الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت عام 1987 ردا على مجازر الاحتلال في الأراضي المحتلة.

وكتب كلمات هذه الأغنية، الشاعر الليبي علي الكيلاني، وغنتها فرقة أجاويد، وقدم الشاعر فيها لوحات فنية لبطولات المدن الفلسطينية من قطاع غزة والضفة الغربية، وتجاوزها إلى الجولان السوري المحتل وانتفاضة أهله ضد الاحتلال، ومجازر الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا ولبنان، وبقيت عقودا على لسان الفلسطينيين يرددونها في مواجهة الاحتلال.