ملفات وتقارير

غزة أصبحت "حقل تجارب" لكبرى الشركات السحابية.. ما هي مشاريع "نيمبوس" و"سيروس"؟

تواجه غوغل وأمازون حملات مقاطعة متعددة أبرزها حراك "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" الذي انطلق بتنظيم موظفين داخليين في الشركتين- منصة "إكس"
قدمت شركات عالمية مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون خدمات الذكاء الاصطناعي لصالح "رفع القدرات التشغيلية" الخاصة بجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؛ وتم تخزين معلومات استخباراتية "لانهائية" على خدمات أمازون لاستخدامها في الهجمات على غزة.
 
وكشف تحقيق لموقع "سيحا ميكوميت" حمل عنوان "طلبية من أمازون.. هكذا تساعد شركات خدمات التخزين السحابي الجيش في غزة"، عن العلاقة العميقة بين هذه الشركات وجيش الاحتلال.

وأكد التحقيق أنه منذ بداية الحرب، قدمت الشركات السحابية "غوغل كلاود - Google Cloud"، و"مايكروسوفت أزور - Microsoft Azure"، وأمازون أيه دبلو إس - Amazon AWS"، خدمات التخزين وخدمات الذكاء الاصطناعي لوحدات الجيش.

وذكر أن هذا يظهر مما قالته قائدة وحدة الاستخبارات العسكرية المسؤولة عن البنى التحتية السحابية والحوسبة في الجيش راشيلي ديمبينسكي، في محاضرة لها، وهذه هي المرة الأولى التي يؤكد فيها ممثلو الجيش علنا أن الجيش يستخدم الخدمات السحابية لجوجل وأمازون ومايكروسوفت لتلبية الاحتياجات العسكرية في الحرب في غزة. 


وجاء هذا الاعتراف على خلفية احتجاج موظفي الشركات العملاقة في الولايات المتحدة ضد بيع الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي لـ "إسرائيل"، بدعوى أن النظام الإسرائيلي يستخدمها لشن هجمات مميتة على الفلسطينيين وانتهاك حقوق الإنسان.

وتتوافق تصريحات دمبينسكي مع التحقيق الذي أجرته كل من "تاشا لوكال" و"مجلة 972+"، بناءً على محادثات مع كبار المسؤولين في وزارة الحرب وصناعة الأسلحة الإسرائيلية والشركات السحابية ووكالات الاستخبارات. 



وقالت دمبينسكي وفي محاضرة ألقتها خلال مؤتمر "تكنولوجيا المعلومات للجيش الإسرائيلي - IT FOR IDF" في 10 تموز/ يوليو الماضي، إنه "مع بداية المناورة البرية في غزة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك حمولة على ما وصفته بالسحابة العملياتية للجيش بسبب الكم الهائل من المستخدمين المضافين إليها، يتم تشغيل السحابة التشغيلية بواسطة وحدة MMARM، ووفقًا لمصادر أمنية والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فإنه لا يتم تخزينها على خوادم الشركات المدنية، ولكن على خوادم مستقلة تابعة لشركة الجيش".

وتشمل "السحابة التشغيلية"، بحسب ديمبينسكي، من بين أمور أخرى، تطبيقات تسمح بتحديد الأهداف للقصف، وبوابة لعرض الطائرات بدون طيار الحية في سماء غزة، وأنظمة إطلاق النار والقيادة والسيطرة في السحابة التشغيلية تم تعريفها من قبلها بأنها "منصة وسيلة للحرب".

وكشفت أنه مع بداية الاجتياج البري "نفدت الموارد"، ولم يكن لدى الجيش مساحة تخزين كافية وقوة المعالجة الخاصة به، قائلة: "أدركنا أنه إذا لم نهتم بالأمر بسرعة، فسيظهر الازدحام والبطء، وفي الأسابيع الأولى من الحرب، حاولت شعبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حل المشكلة بنفسها: فقد تم إخراج جميع الخوادم المجانية من المستودعات ووضعها قيد الاستخدام، وتم إنشاء مركز بيانات آخر داخل الجيش، لكن ذلك لم يكن كافيا، وفي مواجهة هذا أدركنا أننا بحاجة إلى القيام بشيء آخر".

واعتبرت أن الحل الرئيسي للمشكلة، هو "الخروج إلى العالم المدني"، بحسب قولها، وسمحت الشركات السحابية بذلك وقام الجيش بشراء خوادم تخزين وقوة معالجة أثناء الحرب، بضغطة زر وحسب الحاجة، دون الالتزام بتخزين الخوادم فعليًا في مراكز الحوسبة التابعة للجيش الشركات السحابية.


والميزة الأهم التي قدمتها الشركات السحابية، كما شهدت ديمبينسكي، كانت قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي وفرها مقدمو الخدمات السحابية الثلاثة للجيش، مشيرة إلى أنه "بالثروة الهائلة من الخدمات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، قد وصلنا بالفعل إلى نقطة تحتاج فيها أنظمتنا حقًا إلى ذلك". 

واعتبرت أن العمل مع غوغل وأمازون ومايكروسوفت هو "عالم رائع من مقدمي الخدمات السحابية مكّن الجيش من تحقيق فعالية عملياتية كبيرة جدا في قطاع غزة".

ولم تحدد دمبينسكي ما هي الخدمات التي تم شراؤها من الشركات السحابية، وكيف ساعدت الجيش، بينما أكدت مصادر دفاعية لـ "لوكال توك" أن الأنظمة السرية ومنظومات النيران، بما فيها بنك الأهداف، لم تنتقل إلى السحابة العامة، وبقيت في السحابة الداخلية للجيش. 

ومع ذلك، يكشف التحقيق أن الأنظمة التي ساعدت في القتال تم نقلها إلى السحابة العامة، بما في ذلك نظام استخبارات "AMN" واحد على الأقل، وأن خدمات الذكاء الاصطناعي لعمالقة السحابة تم بيعها إلى وحدات عسكرية، بما في ذلك وحدات سرية، بكميات غير مسبوقة منذ تشرين الأول، أكتوبر الماضي.

وصرح متحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأنه "في مؤتمر IT FOR IDF، لم يُذكر في أي مرحلة يتم نقل المعلومات من السحابة التشغيلية إلى السحابة العامة، بينما يعمل الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع جميع مقدمي الخدمات السحابية، وخاصة في إطار اتفاقية نيمبوس، ولا يتم نقل المعلومات السرية للجيش إلى مقدمي الخدمة المدنيين، وتبقى في شبكات الجيش المنفصلة".


وقال سبعة من مسؤولي المخابرات الذين خدموا في غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر إن التعاون بين الجيش وشركة أمازون وثيق بشكل خاص، وبدأ حتى قبل الحرب، إذ توفر شركة السحابة العملاقة للجيش الإسرائيلي مزرعة خوادم، حيث يتم تخزين المعلومات التي تساعد الجيش في الحرب.

وذكرت مصادر دفاعية إن نطاق المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها من مراقبة جميع سكان قطاع غزة كبير جدا بحيث لا يمكن تخزينها على خوادم الجيش، وشهدوا أن المعلومات المخزنة في السحابة "ساعدت في تأكيد عدد هجمات الاغتيال الجوية التي نُفذت في غزة خلال الحرب".

مشروع "نيمبوس"
يوفر مشروع "نيمبوس - Nimbus"، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار، الخدمات السحابية لجيش وحكومة الاحتلال، ما يسمح من خلال هذه التكنولوجيا بمزيد من المراقبة وجمع البيانات غير القانونية عن الفلسطينيين، وتسهيل توسيع المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.

ويتكون المشروع من أربع مراحل مخطط لها: الأولى هي شراء وبناء البنية التحتية السحابية، والثانية هي صياغة سياسة حكومية لنقل العمليات إلى السحابة، والثالثة نقل العمليات إلى السحابة، والرابعة هي تنفيذ العمليات السحابية وتحسينها.



وبموجب العقد الضخم، تم اختيار شركتي التكنولوجيا غوغل (Google Cloud Platform) وأمازون (Amazon Web Services) لتزويد وكالات الاحتلال الحكومية بخدمات الحوسبة السحابية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بحسب ما جاء في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.

بهذا، يمكن استخدام خدمات الشركتين السحابية لتوسيع المستوطنات غير القانونية من خلال دعم بيانات ما يُسمى إدارة الأراضي الإسرائيلية "ILA"، إضافة لمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة بما يعزز انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتهجير الفلسطينيين.


ويعتمد جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية بالفعل على نظام متطور للمراقبة الحاسوبية، وتطويره من قبل غوغل سيؤدي إلى تفاقم الاحتلال العسكري الذي يعتمد على البيانات بشكل متزايد، بحسب موقع "ذا إنترسبت".

وقال أحد مهندسي البرمجيات في غوغل إنهم "قلقون من أن الموظفين لا يعرفون شيئًا عن المشروع مثلهم مثل عامة الناس، ويخشون من استخدام تكنولوجيا الشركة لقمع الفلسطينيين".

وأضاف في حديثه إلى الموقع دون الكشف عن اسمه "لقد أصبح الأمر بمثابة نقطة عار، نحن نعلم أن أحد مشاريع الجيش الإسرائيلي هو المراقبة الجماعية المستمرة لمناطق مختلفة من الأراضي المحتلة، ولا أعتقد أن هناك أي قيود على الخدمات السحابية التي تريد الحكومة الإسرائيلية شراءها مع تحليل البيانات الضخمة والتعلم الآلي ومجموعات أدوات الذكاء الاصطناعي من خلال السحابة؛ ولا أعتقد أن هناك أي سبب لافتراض أنهم لا يستهلكون كل هذه المنتجات لمساعدتهم على العمل على هذا الأمر".

تحليل المشاعر
بحسب وثائق تدريب ومقاطع فيديو مسربة من خلال بوابة تعليمية متاحة للعامة ومخصصة لمستخدمي مشورع نيمبوس، تقدم غوغل لحكومة الاحتلال مجموعة كاملة من أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي المتاحة من خلال منصة غوغل كلاود. 

وتشير الوثائق إلى أن الخدمات الجديدة ستمنح الاحتلال قدرات للكشف عن الوجه، وتصنيف الصور الآلي، وتتبع الكائنات، وحتى تحليل المشاعر مع تقييم المحتوى العاطفي للصور والكلام، ويعد الأخير شكلا من أشكال التعلم الآلي المثير للجدل بشكل متزايد وفاقد للمصداقية. 

وتدعي غوغل أن أنظمتها يمكنها تمييز المشاعر الداخلية من وجه الشخص وأقواله، وهي تقنية مرفوضة عادة باعتبارها زائفة، ويُنظر إليها على أنها أفضل قليلا من علم فراسة الدماغ. 

وفشلت تقنية غوغل عند اختبارها في تصنيف ابتسامة الرجل الضاحك الشهير على مدخل "لونا بارك" في سيدني الأسترالية على أنها تعكس مشاعر إنسانية، كما قامت بتحليل الموقع كمعبد ديني بنسبة يقين 83 بالمئة مقابل 64 بالمئة فقط لمدينة ملاهي ترفيهية. 




عقب ذلك، كشف موظفون في غوغل، دون الكشف عن أسمائهم، عن "ذعرهم" من تحويل تقنية الذكاء الصناعي الخطيرة، إلى أداة عسكرية بيد جيش الاحتلال، رغم ضعف نتائجها وهامش الخطأ الكبير فيها، الذي سيتسبب بنتائج مرعبة على الأرض.

كما حذر تقرير "ذا إنترسبت" من أن غوغل الواثقة بقدرة الحوسبة على تطوير نظامها الجديد، تسعى لإقناع حكومة الاحتلال باختباره ميدانيا، وهو ما يعني أن الشركة تريد تطوير تقنياتها ومعالجة أخطائها على أرواح الفلسطينيين ودمائهم.

وأظهرت مجموعة واسعة من الأبحاث أن فكرة "جهاز كشف الكذب"، سواء كان جهاز كشف الكذب البسيط أو التحليل القائم على الذكاء الاصطناعي للتغيرات الصوتية أو إشارات الوجه، هي "علم تافه". 

في ظل ذلك، بدأ ممثلو غوغل واثقين من أن الشركة يمكن أن تجعل مثل هذا الشيء ممكنا من خلال القوة الحاسوبية المطلقة، بينما يقول الخبراء في هذا المجال إن أي محاولات لاستخدام أجهزة الكمبيوتر لتقييم أشياء عميقة وغير ملموسة مثل الحقيقة والعاطفة هي محاولات خاطئة إلى حد الخطر.

مشروع "سيريوس"
وكشف العقيد الاحتياطي آفي دادون، الذي كان حتى عام 2023 رئيسا لإدارة المشتريات في وزارة الحرب الإسرائيلية، وكان مسؤولا عن مشتريات الجيش بمبالغ تزيد عن عشرة مليارات شيكل سنويا، أنه جرى الحفاظ على الاتصال مع عمالقة الشركات السحابية.

وقال دادون لـ "Chaseh Local": "بالنسبة لهم (يقصد الشركات السحابية)، يعد هذا أقوى تسويق، ما يستخدمه الجيش الإسرائيلي كان وسيظل من أكثر المنتجات والخدمات مبيعا في العالم، بالنسبة لهم هو مختبر، بالطبع هم يريدون ذلك".

 وكشف أنه عقد العديد من الاجتماعات مع ممثلي الشركات السحابية مثل أمازون ومايكروسوفت وجوجل، في "إسرائيل" وفي رحلات إلى الولايات المتحدة، وأنه كان على اتصال معها بشأن مشروع سري وأكثر حساسية بكثير من نيمبوس، المعروف بمشروع "سيريوس - Sirius"، وهو الذي لم يتحقق بعد.




وأوضح أن الهدف من المشروع الذي نشرته صحيفة "غلوبز" الإسرائيلية عام 2021 هو إنشاء سحابة أمنية للنظام الأمني على خوادم الشركات المدنية، وهو عبارة عن "سحابة أمنية خاصة ومتميزة ومخصصة فقط للجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع".


 واستمرت المناقشات بشأن المشروع لأكثر من عقد من الزمن حول الشكل الذي ستبدو عليه، ومن المفترض أن تكون هذه السحابة، وفقًا لثلاثة مصادر أمنية، منفصلة عن الإنترنت، حيث سيتم بناؤها على البنية التحتية لمقدمي الخدمات الرئيسيين، مع السماح لجميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستخدامه للأنظمة السرية.

وبحسب تحقيق "سيحا ميكوميت" تظهر الأدلة على تحول الجيش إلى الشركات السحابية أيضا من إعلان وظائف نُشر في شهر أيار/ مايو الماضي، على موقع جيش الاحتلال لوظيفة تعتمد على "العمل والتدريب مع كبار مقدمي الخدمات السحابية".

وجاءت هذه الوظيفة لصالح "التعامل مع ترحيل الأنظمة إلى السحابة العامة "نيمبوس"، ومن ثم "تدريب الأنظمة الأساسية التشغيلية للسحابة الأمنية"، كجزء من مشروع سيريوس، كما تم مؤخرًا نشر إعلانات وظائف مماثلة على موقعي الشاباك والموساد.