كتاب عربي 21

خطر التضليل الممنهج على أمن تركيا

"قد يؤدي التحريض إلى أحداث عنف وشغب، كما حدث في مدينة قيصري قبل حوالي شهر"- الأناضول
نشرت مواقع إخبارية معارضة للحكومة التركية، مساء الاثنين، مقطع فيديو يظهر مدعيا عاما مع أفراد أسرته وهو يتناقش مع عاملين في مطعم بمدينة أوردو، وقالت إن ذاك المدعي العام طلب من العاملين في المطعم أن يوفروا له ولأفراد أسرته طاولة، إلا أنهم أخبروه بعدم وجود طاولة شاغرة، الأمر الذي دفع المدعي العام إلى إصدار أمر الاعتقال بحقهم ليتم اعتقالهم.

الذي يشهد المقطع ويقرأ ما كُتب، يغضب للوهلة الأولى من سوء استخدام المدعي العام صلاحياته لأغراض شخصية. وهكذا فعل كثير من المعلقين على المقطع في مواقع التواصل الاجتماعي، وكالوا للمدعي العام أنواع السب والشتم والانتقاد، لأن معظم الناس، للأسف الشديد، لا يتعبون أنفسهم للاستماع إلى الطرف الثاني، كما يتجاهلون القاعدة القرآنية القائلة: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".

خلال ساعات بعد نشر المقطع في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، ونقل وسائل إعلام أجنبية "الخبر" من تلك المواقع إلى العالم، وبعد أن تم تشويه سمعة المدعي العام، ظهرت الحقيقة، ونُشر مقطع فيديو آخر يظهر اعتداء العاملين على المدعي العام وأمه وزوجته وحتى طفلته الرضيعة البالغة من العمر تسعة أشهر، كما اتضح أن المدعي العام جاء إلى المطعم مع أسرته، وأخبروه بعدم وجود طاولة شاغرة، وطلبوا منه أن يعود بعد نصف ساعة، ولما عاد المدعي العام بعد نصف ساعة قالوا له أيضا "لا توجد طاولة شاغرة"،
تضليل الرأي العام التركي فيما يتعلق بالحادثة التي وقعت في مدينة أوردو، ليس الأول ولن يكون الأخير، ما لم يتم تطبيق قانون مكافحة التضليل بحزم
الأمر الذي دفع المدعي العام إلى الاعتراض على هذا التلاعب والمعاملة السيئة. وبعد أن خرج مع أسرته من المطعم، استمرّ النقاش، واعتدى صاحب المطعم والعاملون فيه على المدعي العام وأسرته، وسقطت الرضيعة على الأرض وأصيبت في رأسها.

المواقع الإخبارية التي نشرت المقطع الأول وجعلت الناس يهاجمون المدعي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، قام بعضها بحذف تقاريرها، بعد أن حققت هدفها، ونشرت اعتذارا ادعت فيه بأن المقطع لم يصل إليها كاملا، وأنها لم تتمكن من الاتصال بالمدعي العام لتسمع منه حقيقة ما حدث. وكانت ذات المواقع تعمدت قبيل انتخابات دخول الجامعات في نشر خبر مفبرك يقول إن آلافا من الطلاب القطريين سيتم تسجيلهم في الجامعات التركية دون أي اختبار، وأثار الخبر ضجة كبيرة قبل نفيه وأدَّى إلى تحريض الطلاب على الحكومة بدعوى أن المواطنين يبذلون جهودا حثيثة للالتحاق بالجامعات، وربما لا يجدون مقعدا فيها، في الوقت الذي يلتحق فيه الطلاب الأجانب بتلك الجامعات بدون عناء.

وزير العدل التركي يلماز تونتش، أدان الهجوم الذي تعرض له المدعي العام وأسرته، وذكر أن المعتقلين تم إطلاق سراحهم باستثناء واحد، مؤكدا أن مثل هذه الأحداث يجب استنكارها بغض النظر عمن يتعرض لها، وأن القضاء هو الذي سيحكم في حق المعتقل، كما أشار إلى أن الإعلام يجب أن لا يقدم الأحداث إلى المتابعين دون التأكد ودون أن يستمع إلى الطرفين، كي لا يضطر بعد ذلك للاعتذار. ومن المؤكد أن تذكير الوزير مهمة الإعلام وواجبه لا يعني المواقع الإخبارية التي تنشر الإشاعات والأنباء الكاذبة متعمدة، وبشكل ممنهج.

تضليل الرأي العام التركي في ما يتعلق بالحادثة التي وقعت في مدينة أوردو، ليس الأول ولن يكون الأخير، ما لم يتم تطبيق قانون مكافحة التضليل بحزم. وبعد الهجوم الشرس الذي تعرض له المدعي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، طرح هذا السؤال نفسه: "إن كان مدعٍ عام لا يسلم من إرهاب التضليل والإشاعات والأنباء الكاذبة فماذا يفعل المواطنون العاديون؟"، كما أن هناك حلقة أضعف من المواطنين، وهي حلقة اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله.
الأنباء الكاذبة والمضللة يكمن خطرها في استخدامها في ضرب السلم الأهلي، وتحريض الغوغاء العنصريين ضد اللاجئين. وقد يؤدي ذاك التحريض إلى أحداث عنف وشغب، كما حدث في مدينة قيصري قبل حوالي شهر. وليس هناك ما يضمن عدم تكرار تلك الأحداث المؤسفة في المستقبل ما دامت ذات المواقع الإخبارية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي تواصل نشر الأنباء الكاذبة والإشاعات

الأنباء الكاذبة والمضللة يكمن خطرها في استخدامها في ضرب السلم الأهلي، وتحريض الغوغاء العنصريين ضد اللاجئين. وقد يؤدي ذاك التحريض إلى أحداث عنف وشغب، كما حدث في مدينة قيصري قبل حوالي شهر. وليس هناك ما يضمن عدم تكرار تلك الأحداث المؤسفة في المستقبل ما دامت ذات المواقع الإخبارية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي تواصل نشر الأنباء الكاذبة والإشاعات، دون وجود رادع يمنعها من ذلك.

المواقع الإخبارية التي تنشر الإشاعات والأنباء الكاذبة بهدف تحريض الشارع ضد الحكومة أو اللاجئين كلها موالية للمعارضة، كما أن بعضها ممولة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومن المؤكد أن نشر الأكاذيب بشكل ممنهج لا يمكن تصنيفه ضمن حرية التعبير ولا حرية الصحافة، بل يشير إلى أن تلك المواقع تعمل في تركيا كطابور خامس يستهدف أمنها واستقرارها لصالح أجندة الدول الممولة ومصالحها.

العالم يشهد تطورات متسارعة، والمنطقة تبدو مقبلة على أحداث جسام، في ظل المخاوف من اندلاع حرب إقليمية، وحتى عالمية. وتشتد حرب التصريحات بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين. وفي مثل هذه الظروف، يجب تعزيز الجبهة الداخلية لحماية الأمن القومي ومواجهة التحديات. وقامت قوات الأمن والاستخبارات التركية في الآونة الأخيرة بكشف عدة خلايا تجسس تعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، على رأسها الموساد الإسرائيلي، إلا أنه لا يكفي للقضاء على الاختراق، بل لا بد من محاسبة مواقع الإخبارية التي تستهدف الشخصيات والمؤسسات الوطنية الناجحة، وتنشر الإشاعات والأنباء الكاذبة بهدف إثارة الفوضى لضرب الجبهة الداخلية وإبعاد تركيا عن الملفات الإقليميىة من خلال إشغالها بأحداث الداخل.

x.com/ismail_yasa