أثار التصفيق الحار الذي حظي به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو خلال
كلمته في الكونغرس الأمريكي؛ استياء واسعا في
تركيا على المستويين الحكومي
والشعبي. وارتفعت أصوات تطالب بالرد على ذلك من خلال دعوة أحد القادة
الفلسطينيين
ليلقي كلمة في البرلمان التركي، وطالب النائب شاهزاده دمير عن حزب الدعوة الحرة
"هدى-بار"، بتوجيه الدعوة إلى رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة
الإسلامية "
حماس"، الشهيد إسماعيل هنية، لإلقاء كلمة في البرلمان التركي، فيما
طالب نائب عن حزب الرفاه الجديد بدعوة رئيس السلطة الفلسطينية،
محمود عباس، لذات
الغرض.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان، خلال زيارته لمسقط رأسه، ريزة،
انتقد تصريحات ذاك النائب الذي طالب بدعوة رئيس السلطة الفلسطينية لإلقاء كلمة في
البرلمان التركي، وقال إنهم دعوا عباس إلا أنه لم يستجب للدعوة، مضيفا أن الأخير
يجب أن يعتذر إلى تركيا بسبب امتناعه عن قبول الدعوة.
الدعوة التي أشار إليها أردوغان، وجَّهها رئيس البرلمان التركي نعمان
قورتولموش إلى رئيس السلطة الفلسطينية، ليلقي كلمة في البرلمان التركي في ذات
اليوم الذي ألقى فيه نتنياهو كلمته في الكونغرس الأمريكي. وبعبارة أخرى، أراد رئيس
الجمهورية التركي أن يرتفع الرد الفلسطيني على أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلي من
أنقرة مدوِّيا، إلا أن عباس حرمه من ذلك لأسباب لا تخفى على المتابعين للشأن
الفلسطيني.
أردوغان رفض اتهام حماس بالإرهاب، ووصفها بـ"حركة تحرير وطنية" و"مجموعة مجاهدين تكافح من أجل حماية وتحرير أرضها وشعبها"، وشبَّهها بالقوى الوطنية التركية التي دافعت عن أراضي الأناضول خلال حرب الاستقلال. ومن المؤكد أن هذه التصريحات أغضبت رئيس السلطة الفلسطينية الذي يرى حماس "عدوه اللدود"
حزب الرفاه الجديد استغل القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة خلال حملاته قبل الانتخابات المحلية الأخيرة، إلا أن مطالبته كحزب معارض بدعوة
رئيس السلطة الفلسطينية لإلقاء كلمة في البرلمان التركي يدل على أن قادة الحزب لا
يعرفون شيئا عن ما يحدث في فلسطين؛ لأنهم لو كانوا يتابعون الشؤون الفلسطينية لعرفوا
أن عباس لا يمثل الشعب الفلسطيني ولطالبوا (مثل "هدى-بار") بدعوة هنية
(قبل اغتياله) إلى أنقرة.
محمود عباس انتهت فترة رئاسته في يناير 2008، وكان المفترض أن يسلِّم مهامه
إلى رئيس البرلمان الفلسطيني المنتخب، عزيز دويك، وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني،
إلا أنه لم يفعل. ويشغل منصب الرئيس منذ ذاك التاريخ كأمر واقع يفرضه من خلال
الحيلولة دون إجراء الانتخابات الرئاسية، وبفضل صمت المجتمع الدولي على عدم شرعية
رئاسته. كما أن شعبية عباس في الحضيض وفق نتائج كافة استطلاعات الرأي، وأن
الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين يطالبون رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر
88 عاما، بالاستقالة.
هناك اختلاف في موقفي أنقرة ورام الله من حركة حماس والعدوان الإسرائيلي
على القطاع. وكان أردوغان وصف في البداية ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر
بـ"الخطأ"، إلا أنه سرعان ما تراجع، وجاءت تصريحاته بعد ذلك مؤيدة
للمقاومة الفلسطينية، ولافتة إلى أن أصل المشكلة هو وجود الاحتلال في الأراضي
الفلسطينية، ومؤكدة أن ما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر ما هو إلا نتيجة الظلم
الذي يمارسه المحتلون منذ عقود.
أردوغان رفض اتهام حماس بالإرهاب، ووصفها بـأنها "حركة تحرير وطنية"
و"مجموعة مجاهدين تكافح من أجل حماية وتحرير أرضها وشعبها"، وشبَّهها
بالقوى الوطنية التركية التي دافعت عن أراضي الأناضول خلال حرب الاستقلال. ومن
المؤكد أن هذه التصريحات أغضبت رئيس السلطة الفلسطينية الذي يرى حماس "عدوه
اللدود"، كما أنه يرفض مبدأ مقاومة الاحتلال بالسلاح، على الرغم من أنه حق مشروع
يكفله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما أن عباس يعتبر التنسيق الأمني مع
إسرائيل لتكبيل يد المقاومة ومطاردة المقاومين في الضفة الغربية "أمرا
مقدَّسا" لا يجوز المساس به بأي حال.
تركيا وقفت دائما على مسافة واحدة من الأطراف الفلسطينية، ودعمت الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، وسعت إلى إنجاح جهود المصالحة لتعزيز الموقف الفلسطيني أمام إسرائيل. ولكن لا أحد ينتظر منها أن تصمت على المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي
عباس في كلمته في القمة العربية الأخيرة اتهم حركة حماس بـ"توفير
ذرائع ومبررات لإسرائيل كي تهاجم قطاع غزة وتمعن فيه قتلا وتدميرا وتهجيرا"،
وادَّعى أن "موقف حماس الرافض لإنهاء الانقسام والعودة إلى مظلة الشرعية
الدولية، يصب في خدمة إسرائيل". ومن المعلوم أن عباس هو الذي انقلب على خيار
الشعب الفلسطيني وإرادته الديمقراطية الحرة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية
في مطلع عام 2006، وهو أكبر عائق أمام إنهاء حالة الانقسام من خلال اشتراطه
الاعتراف بإسرائيل وشرعية الاحتلال في 78 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية.
سفير فلسطين لدى أنقرة، فائد مصطفى، صرح بأن عباس وافق على تلبية الدعوة
لزيارة تركيا، وأن العمل جار على تحديد موعدها من خلال الاتصالات الرسمية عبر
القنوات الدبلوماسية بين البلدين. وإن كان عباس سيأتي إلى تركيا ليجرِّم المقاومة
الفلسطينية ويكيل الاتهامات لحماس في كلمته في البرلمان التركي؛ فمن المؤكد أن عدم
مجيئه أفضل من مجيئه.
تركيا وقفت دائما على مسافة واحدة من الأطراف الفلسطينية، ودعمت الشعب
الفلسطيني بكل أطيافه، وسعت إلى إنجاح جهود المصالحة لتعزيز الموقف الفلسطيني أمام
إسرائيل. ولكن لا أحد ينتظر منها أن تصمت على المجازر التي يرتكبها الجيش
الإسرائيلي والدماء الطاهرة التي يسفكها في قطاع غزة، مراعاة للتوازنات
الفلسطينية.
x.com/ismail_yasa