تقارير

الحراك الطلابي العالمي ضد الحرب على غزة.. هل حقق مطالبه أم تم احتواؤه؟

الحراك الشعبي في أمريكا وأوروبا، والحراك الطلابي في القلب منه، أكد لكل من يتابع ما يجري أن الاحتلال خسر ما يسميه معركة العقول والقلوب، وأن فلسطين تربح أخلاقيا ومبدئيا..
كانت بداية الحراك الطلابي من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية، يوم 17 أبريل/ نيسان 2024، حيث نظم طلاب الجامعة اعتصاما مفتوحا احتجاجا على المجازر الدموية، ورفضا لحرب الإبادة التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والمطالبة بوقف تلك الحرب فورا.

ثم توسعت رقعة تلك الاحتجاجات الطلابية لتشمل عدة جامعات أمريكية، كجامعة ولاية تكساس، وجامعة جنوب كالفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة ميتشيغان في مدينة آن آربور، وعشرات الجامعات الأمريكية الأخرى التي انخرطت في الحركة الاحتجاجية ضد الحرب على غزة، وإعلان تضامنها مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

لم يقتصر الحراك الطلابي على الجامعات الأمريكية بل امتد إلى العديد من الجامعات الأوروبية والغربية، في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيرلندا والسويد وكندا والدنمارك تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ومطالبا بوقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة إسرائيل على جرائم حرب الإبادة التي ارتكبتها في غزة، ويدعو إلى مساندة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة واسترداد حقوقه المسلوبة.

وبعد ثلاثة أشهر من بداية الحراك الطلابي في أمريكا وأوروبا ضد الحرب على غزة، ما الذي تمكن الحراك من تحقيقه في مناصرة القضية الفلسطينية، ومساندة الشعب الفلسطيني، وإدانة الحرب على غزة وتفكيك الرواية الصهيونية؟ وهل حافظت فعالياته على ذات الوتيرة التي بدأت بها أم إنها تراجعت ما يعني نجاح السلطات في محاصرتها واحتوائها؟

 وبحسب مراقبين فإن حراك طلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية امتداد للحراك في الشارع الأمريكي والأوروبي الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزة، بعد اطلاعه على حقيقة ما يجري في غزة، ومشاهدته لعشرات المقاطع وصور المجازر الدموية، وفصول حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد غزة، ما يشكل امتحانا حقيقيا لقيم الديمقراطية ومفاهيم حقوق الحقوق الإنسان والحريات ويضعها في مأزق كبير.

من جهته رأى الصحفي المختص بالشأن الأمريكي، عبد الرحمن يوسف، والمقيم في واشنطن، أن المظاهرات الطلابية جاءت في سياق طبيعي، ما ينفي وجود جهات محركة وراءها، بمعنى أيادي خفية، فقد رأينا انطلاق الشرارة الكبرى جاءت كرد فعل على ما جرى من محاولات فض اعتصام الطلاب في جامعة كولومبيا، وهو ما أثار حفيظة الكثير من الطلاب، لشعورهم بتهديد جوهر الديمقراطية وحرية التعبير".

وأضاف: "ومن المعروف أن جامعة كولومبيا مشهورة تاريخيا بالمظاهرات كما حدث ضد الحرب في فيتنام، وضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ما يعني أنها لعبت الدور التاريخي لها، وحينما تم محاولة التعامل معها بمنطق شرق أوسطي من قبل رئيسة جامعة قادمة من الشرق الأوسط (نعمت شفيق) كان هناك رد فعل متصاعد من طلاب الجامعات الأمريكية".

وتابع: "ونتيجة الممارسات القمعية من قبل الإدارات الأمريكية المتحالفة مع الجانب الإسرائيلي تصاعد الحراك الطلابي، وبدأ التفتيش عن التعامل ما بين هذه الجامعات والروابط المصلحية مع إسرائيل، ومن ثم المطالبة بوقف ذلك التعامل، وبالتالي كبرت كرة الثلج، وتوسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل العديد من الجامعات الأمريكية".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن فعاليات الحراك الطلابي إن كانت حافظت على وتيرتها أم إنها تراجعت وتم احتواؤها، قال يوسف: "حافظت الحراكات على ذات الوتيرة التي انطلقت بها، لكن لا بد من ملاحظة أن فعاليات الحراك بدأت في أواخر العام الدراسي، ثم انتهت الدراسة، فكان على الطلاب أن يرحلوا بشكل قانوني من الجامعة".


              عبد الرحمن يوسف.. صحفي مختص بالشأن الأمريكي مقيم في واشنطن

وأردف: "إضافة إلى أن فض الاعتصامات جرى بعد وعود بمراجعة الشبكات العلمية والشراكات الاستثمارية ما بين تلك الجامعات ومثيلاتها الإسرائيلية والمؤسسات المختلفة في إسرائيل، وبعدها تم الفض العنيف للاعتصامات، لكن الطلاب لم يصعدوا لأنهم كانوا في نهاية العام الدراسي".

ولفت يوسف إلى أن المظاهرات التي حدثت كردة فعل على زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن، "كان غالبية المشاركين فيها من طلبة الجامعات" حسب تغطيته الصحفية لها، متوقعا أن "تعود المظاهرات من جديد بعد أن تبدأ الدراسة في نهاية أغسطس إن استمرت الحرب على غزة، واستمرت إسرائيل في عدوانها الوحشي وارتكاب مجازرها الدموية في غزة".

وعن الأهداف التي حققها الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية رأى يوسف أنها "حققت كثيرا منها، فقد أثبتت أن الجيل القادم لن يكون مثل الجيل الأقدم الذي يعتبر الصهيونية جزءا من تربيته السياسية، كما أنه استطاع أن ينقل الرسالة إلى مساحات أوسع، ففي العاصمة واشنطن دي سي، على سبيل المثال بات غالبية الشارع الواشنطي يتفهم القضية الفلسطينية بشكل جيد، ويتضامن معها، ولا يساند الاحتلال الصهيوني".

وأكمل فكرته بالقول: "كما استطاع الحراك الطلابي كسر الجمود في النظر إلى القضية الفلسطينية، فضلا عن قدرتهم على البحث والتنقيب، وتسليط الضوء على العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، والشراكات العلمية بين العديد من المؤسسات الأمريكية الكثيرة، والجامعات في القلب منها، وما بين مختلف مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي، كما أفضى ذلك الحراك إلى تفكيك الرواية الصهيونية، وإضعاف تهمة معاداة السامية، التي لم تعد تجدي نفعا كأداة ابتزاز في النقاشات والحديث عن الاحتلال كما كان الحال سابقا".

وفي ذات الإطار قال الكاتب والإعلامي، المختص بالشؤون الأوروبية، حسام شاكر: "نحن نتحدث في هذا المقام عن فعل تراكمي في مساندة القضية الفلسطينية، ودعم الحرية والعدالة والحقوق للشعب الفلسطيني في أوساط متزايدة في البيئات الغربية، مثلت اعتصامات ومظاهرات طلاب الجامعات الذروة في هذا الحراك القائم في مناصرة القضية الفلسطينية".

وأضاف: "فما يجري ليس توجيها من طرف أو جهة ما، إنما هو نتيجة أفعال ومواقف تراكمية، واختمار التجارب وتبادل الخبرات وتناسخها وتناقلها عبر بيئات متعددة، وتعميم الأفكار من خلال أوساط فاعلة في الميادين والجامعات والمنصات التي تقوم بتنظيم مثل هذه الفعاليات والتحركات، وهي متعددة الروافد، وتتميز بالتنوع في مكوناتها، تنوعا فكريا ومجتمعيا وهو ما يعطيها قوة وزخما متزايدا".

وتابع شاكر في تصريحاته لـ"عربي21": "وهي تعبر عن صعود نداء الضمير في تلك الأوساط، طوال حرب الإبادة وانفضاح واقع الاحتلال، وانكشاف الجرائم والمجازر التي اقترفها هناك، واتضاح كفاح الشعب الفلسطيني ونضاله العادل وصموده، ما دفع لانخراط قوى وأوساط متباينة في دعم القضية الفلسطينية، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني".


حسام شاكر.. كاتب وإعلامي مختص بالشؤون الأوروبية

وإجابة عن واقع الحراك الطلابي الجامعي في أوروبا حاليا ومدى محافظته على قوته كما كان في بداياته وهل حافظ على زخمه أم تراجعت فعالياته ما يعني نجاح السلطات في احتوائه، قال شاكر: "فيما يتعلق بالمظاهرات فما زالت مستمرة بشكل عام في البيئات والأوساط الأوروبية المعنية، لكن الحراك الطلابي في الجامعات يمر حاليا بمرحلة سكون بسبب توقف الدراسة في الصيف، ومن المتوقع أن يعود الحراك بقوة بعد انتهاء العطلة الصيفية واستئناف الدراسة الجامعية من جديد".

وعن نجاح الحراك الطلابي في تحقيق بعض أهدافه لفت شاكر إلى أن "هذه التحركات أطلقت صيحة في العالم، وصنعت الحدث، وأبرزت أن فلسطين ليست وحدها، بل هناك من أحرار العالم من يساندها في المطالبة بحقوقها المشروعة، لا سيما في أوساط النخب الجامعية، وهذا بكل تأكيد أقلق الاحتلال، وأثار الذعر في حكومة نتنياهو، واعتبروا هذا التطور شديد الخطورة".

وأنهى كلامه بالإشارة إلى أن "الحراك الشعبي في أمريكا وأوروبا، والحراك الطلابي في القلب منه، أكد لكل من يتابع ما يجري أن الاحتلال خسر ما يسميه معركة العقول والقلوب، وأن فلسطين تربح أخلاقيا ومبدئيا، وأن الشعوب إن سئلت عن موقفها من قضية فلسطين فستقول كلمتها بكل وضوح، لكنها لا تسأل للأسف الشديد، كما أن الحراكات أظهرت فقدان الشعوب لثقتها بخيارات النخبة السياسية وصانعي القرار في العديد من الدول الغربية فيما يتعلق بقضية فلسطين".