قضايا وآراء

صندوق النقد الدولي وخفض دعم الوقود بمصر

"الوقود يدخل في كل شيء وفي مقدمتها السلع الزراعية ورغيف الخبز والملابس والنقل والمواصلات"- الأناضول
شهد الأسبوع الماضي قيام الحكومة المصرية برفع أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود وفقا لما نقلته الجريدة الرسمية عن وزارة البترول، فقد ارتفع سعر لتر بنزين 80 من 11 جنيها إلى 12.25 جنيها بزيادة 1.25 جنيه، وسعر لتر بنزين 92 من 12.50 جنيها إلى 13.75 جنيها بزيادة 1.25 جنيه، وسعر لتر بنزين 95 من 13.50 جنيها إلى 15 جنيها بزيادة 1.50 جنيه، وسعر لتر السولار -الذي هو أكثر أنواع الوقود استخداما وأكثرها ارتفاعا- من 10 جنيهات إلى 11.50 جنيها، وبذلك تتراوح نسب رفع الوقود ما بين 10 إلى 15 في المئة.

وتأتي هذه الزيادة لتمثل الزيادة الحادية عشرة منذ العام 2014، والزيادة الثانية منذ أن وسع صندوق النقد الدولي برنامج قروضه لمصر بـ5 مليارات دولار في آذار/ مارس الماضي. وهي زيادة متوقعة في ظل خضوع الحكومة التام لصندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة التي ورطت الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في تبعاتها.

فالمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي سبق هذا الارتفاع في سعر الوقود بتأجيل قرار المراجعة الثالثة لتسليم مصر 820 مليون دولار والذي كان مقررا في 10 تموز/ يوليو الماضي إلى 29 من الشهر نفسه، لا سيما وأن الحكومة المصرية تعهدت له بخفض دعم الوقود، حيث قدّر الصندوق في نيسان/ أبريل الماضي أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه في العام المالي 2023/2024 إلى 245 مليار جنيه في العام المالي 2024/2025.

تأتي هذه الزيادة لتمثل الزيادة الحادية عشرة منذ العام 2014، والزيادة الثانية منذ أن وسع صندوق النقد الدولي برنامج قروضه لمصر بـ5 مليارات دولار في آذار/ مارس الماضي. وهي زيادة متوقعة في ظل خضوع الحكومة التام لصندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة

وقد جاءت تصريحات المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك لتعكس هذا التوجه بقولها: إن المجلس أرجأ النظر في صرف الشريحة الثالثة من قرض مصر لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة. ولكنها لم توضح وقتها تلك التفاصيل، وإن وضحت وبانت بعد ذلك بهذا الرفع لأسعار الوقود.

وقد جاء رد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على رفع الوقود بمزيد من الصدمات، معلنا أن أسعار المنتجات البترولية سترتفع تدريجيا حتى كانون الأول/ ديسمبر 2025، وأن مصر لا يمكنها تحمل الاستهلاك المتزايد وارتفاع الأسعار العالمية. وأضاف أن استهلاك الكهرباء يتزايد بسرعة، إذ بلغ نحو 38.5 جيجاوات يوميا، مما يضطر مصر إلى استيراد الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء ووقف سياسة تخفيف الأحمال التي تبنتها منذ العام الماضي.

وقد تبارت بعض الأقلام والوجوه المعروفة بالدفاع عن هذا الارتفاع قياسا بأسعار الوقود في الخارج، ناسين أو متناسين في الوقت نفسه مستوى الدخول بالخارج، بل ناسين أو متناسين أنفسهم وهم يقولون ويكتبون هذا الكلام من شاليهات العلمين في الساحل الشمالي التي حُظر على جموع المصريين حتى الاقتراب من نسيم هوائها ورؤية شواطئها.

السياسة التي تنتهجها الحكومة من خلال الصدمات الاقتصادية المتتابعة، هي سياسة ثبت فشلها، فالاقتصاد لا يبنى بالمسكنات وبيع الأصول المنتجة وبناء القصور الفارهة والسجون العملاقة

إن قرارات رفع الوقود لا تخص فئة معينة من الشعب، بل تخص الشعب كله، وتمس جيوب المصريين جميعا، فالوقود يدخل في كل شيء وفي مقدمتها السلع الزراعية ورغيف الخبز والملابس والنقل والمواصلات وغيرها، فهذا الارتفاع في بدايته أدى على سبيل المثال إلى زيادة تكلفة نقل الخضروات والفواكه في نطاق القاهرة وحدها بنسبة 30 في المئة للحمولة الصغيرة، و20 في المئة للحمولة الكبيرة، وفق ما ذكرته جريدة المال المصرية. وقس على ذلك ما حدث من ارتفاع في أسعار المواصلات، وغيرها من السلع الأساسية وغير الأساسية.

إن السياسة التي تنتهجها الحكومة من خلال الصدمات الاقتصادية المتتابعة، هي سياسة ثبت فشلها، فالاقتصاد لا يبنى بالمسكنات وبيع الأصول المنتجة وبناء القصور الفارهة والسجون العملاقة. ولعل هناك سؤالا يطرح نفسه: كيف كانت حياة المصريين الاقتصادية أحسن حالا في العهود السابقة رغم ما حل بها من فساد، ولم يصل فيها الحال إلى التفريط في الأراضي والمصانع والاستسلام المميت لصندوق النقد الدولي وقروضه المستعبدة؟ ولعل الإجابة تعكس أن القائمين على أمر البلاد في الوقت الحالي ليس لهم هدف إلا تحويل هذا الاستعباد للشعب، وتوريطه في ديون مع التغني بإنجازات ليس لها وجود، ومنحه مزيدا من الصدمات الاقتصادية حتى يعيش في تبعاتها دون التفكير في الخروج منها، وهذا لن يدوم.

x.com/drdawaba