سياسة دولية

هيئات مسيحية وإسلامية تنتقد إساءة أولمبياد باريس للمسيح.. كيف رد المنظمون؟

مع تصاعد حدة الانتقادات فإنه حذف الفيديو الرسمي لحفل الافتتاح من حساب "يوتيوب" الخاص بالبطولة- جيتي
أثار حفل افتتاح أولمبياد باريس غضبا وانتقادات واسعة لجهة إحدى فقراته التي حاكت لوحة العشاء الأخير ليوناردو دافينشي.

وجرى تقديم لوحة فنية حيّة تشبه لوحة "العشاء الأخير"، وتكونت من طاولة كبيرة اجتمع حولها رجال يرتدون أزياء نسائية ويتبرجون بشكل مبالغ به، بالإضافة إلى عارضة أزياء متحولة جنسيا.

ولوحة "العشاء الأخير" تصور المسيح مع تلاميذه أثناء تناول الطعام، وهو ما دفع منتقدين داخل فرنسا وخارجه وبينهم الأزهر، إلى اتهام منظمي الافتتاح بالترويج للشذوذ والمثلية الجنسية.

الأسقفية الفرنسية
وانتقدت الأسقفية الفرنسية تلك الفقرة وقالت عبر بيان في حساب الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية على منصة "إكس": "للأسف، احتوى هذا الحفل على مشاهد تسخر من المسيحية، ونحن نقابل هذا الوضع بحزن عميق".

ووجه البيان الشكر لأبناء الديانات الأخرى على إعرابهم عن تضامنهم مع المسيحيين في مواجهة هذا الوضع.

وأضاف: "أفكارنا هذا الصباح مع المسيحيين في جميع القارات الذين تأذوا بسبب المبالغة والاستفزاز في بعض المشاهد".

وشدد على ضرورة إدراك أن الألعاب الأولمبية تتجاوز التحيزات الأيديولوجية لدى بعض الفنانين.

وأكد أن الرياضة هي نشاط يترك أثراً عميقاً في قلوب الرياضيين والجماهير، وأنه في إطار احترام المعتقدات الدينية، هناك حاجة ملحة للجميع للاهتمام بالقيم التي يتم تبادلها في الرياضة وفي دورة الألعاب الأولمبية.

الكنيسة القبطية في الولايات المتحدة وكندا
أعلن أساقفة ومطران الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالولايات المتحدة وكندا، إدانتهم لحفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس بسبب "تضمنه سخرية من العقيدة المسيحية وإهانة للرموز المقدسة".

وفي بيان إدانة وقع عليه حتى الآن ثلاثة عشر مطرانا وأسقفا، عبروا عن رفض واستياء الكنيسة المصرية في الولايات المتحدة وكندا من إهانة الرموز المسيحية والعقائدية، وإظهار السيد المسيح والتلاميذ الاثني عشر في "أزياء نسائية".

وقال بيان الأساقفة والمطارنة المصريين في الولايات المتحدة وكندا: "نعبر عن استيائنا العميق وإدانتنا لتصوير العشاء الأخير خلال حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 بهذا الشكل الذي تضمن سخرية من السيد المسيح وتلاميذه، وتضمن إلباس المؤدين لباسا نسائيا، وهو ما يمثل إهانة عميقة للمسيحيين في جميع أنحاء العالم".

وأضاف البيان: "كان العشاء الأخير لحظة مقدسة في حياة ربنا يسوع المسيح، حيث جسد فيها تضحيته المطلقة وحبه للبشرية، ولكن أن نرى هذا المشهد يتم السخرية منه بشكل علني وغير محترم، هو أمر ليس فقط مخيبا للآمال، بل يقوض روح الوحدة، والاندماج، والتضامن، والاحترام التي يهدف الأولمبياد إلى تعزيزها".

ودعا البيان منظمي الأولمبياد إلى الاعتذار للمسيحيين قائلا: "ندعو منظمي الأولمبياد وجميع المعنيين إلى تقديم اعتذار حقيقي للمجتمع المسيحي، والتعهد بخطوات فعلية لضمان عدم تكرار مثل هذه الأفعال غير المحترمة في المستقبل".



مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة
وقال مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة (تجمع لرؤساء الكنائس الكاثوليكية في القدس)، عبر بيان مساء السبت: "بكثير من المحبة الممزوجة بالاستغراب والاستهجان، شاهدنا ما جرى خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في فرنسا من الاستهزاء (...) بما هو مقدس لدى مليارات الناس حول العالم".

وأضاف أن "الحرية والتنوع والإبداع لا تتماشى مع إهانة معتقدات الغير، ولا مع السخرية منها، بأساليب لا تمتّ إلى الرقي الإنساني بِصلة".

وتابع: "لا نقبل تعريضها (المسيحية) للامتهان من بعض الجماعات".

ومستنكرا، تساءل مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية: "إذا كان الاحترام والصداقة هما قيمتان أساسيتان في ثقافة الألعاب الأولمبية، فكيف تقبل اللجنة الأولمبية أن تَنقُض قيمها؟".

وشدد على أن "السخرية من معتقدات الغير تكشف عن نزعة دفينة نحو قمعه، قد تقود الذي يقوم بها إلى ممارسات لا تقبلها قيم الديمقراطية".

واعتبر أن "ما جرى يدل على جهل تام بمفهومي الحرية والكرامة الإنسانية، وهذا أمر مقلق جدا بالنسبة لمستقبل الإنسانية".

وأردف بأن "استغلال منبر عالمي بهذا الأسلوب يعني الانحدار بالتلاقي الإنساني الحضاري العالمي إلى أدنى مستوى في العلاقات الإنسانية، وانتفاء القبول بالتنوع في الحياة الاجتماعية، ما يفضي إلى بروز النزعة الإلغائية والإقصائية تجاه الآخر".

وأكد المجلس ضرورة منع المجتمعات من العودة "باسم الحريات إلى عصر الظلمات والانحطاط والبدائية".

الأزهر
وأدان الأزهر، مساء الأحد، "مشاهد الإساءة" للمسيح عليه السلام، وأكد أن "الإساءة إلى المسيح أو إلى أي نبي من إخوانه تطرف وهمجية طائشة".

وقال الأزهر، في البيان، إنه "يدين هذه المشاهد التي تصدرت افتتاح دورة الألعاب الأولمبية بباريس، وأثارت غضبا عالميا واسعا".

وأوضح أن تلك المشاهد "تصور المسيح عليه السلام في صورة مُسيئة لشخصه الكريم، ولمقام النبوة الرفيع، وبأسلوب همجي طائشٍ، لا يحترم مشاعر المؤمنين بالأديان وبالأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة".

وأكد الأزهر "رفضه الدائم لكل محاولات المساس بأي نبي من أنبياء الله، فالأنبياء والرسل هم صفوة خلق الله، اجتباهم وفضَّلهم على سائر خلقه ليحملوا رسالة الخير للعالمين".

وتابع بأنه "يؤمن من خلفه ما يقرب من ملياري مسلم بأن عيسى عليه السلام هو رسول الله ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ [النِّساء: 171]، وسماه الله في القرآن الكريم: ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [آل عمران: 45]، وعده من أولي العزم من الرسل".

وأضاف أن "المسلمين يؤمنون بأن الإساءة إلى المسيح عليه السلام أو إلى أي نبي من إخوانه عليهم السلام، عار على مرتكبي هذه الإساءة الشنيعة ومن يقبلونها".

وحذر الأزهر "العالم من خطورة استغلال المناسبات العالمية لتطبيع الإساءة للدين وترويج الأمراض المجتمعية الهدامة والمخزية كالشذوذ والتحول الجنسي".

وزاد بأن "هذا التيار المنحرف يستهدف إقصاء الدين، وتأليه الشهوات الجنسية الهابطة التي تنشر الأمراض الصحية والأخلاقية، وتفرض نمط حياة حيوانية تنافي الفطرة الإنسانية السليمة، وتستميت في تطبيعِه وفرضه على المجتمعات بكل السبل والوسائل".

وزيرة التعاون القطرية
انتقدت وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر، لولوة الخاطر، الإساءة للمسيح بافتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 معربة عن تضامنها مع المسيحيين.

وقالت الوزيرة القطرية في تغريدة نشرتها في صفحتها الرسمية على منصة "إكس": "كمسلمة أنا أرفض وأستنكر تماما الطريقة المهينة التي تم بها وصف السيد المسيح عليه السلام، إنني أعرب عن تضامني مع زملائي المسيحيين الذين تعرضوا للإهانة، وهم على حق في ذلك".

وأردفت: "ما رأيناه مثير للاشمئزاز تماما، لكن للأسف هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها هذا التمثيل المخزي ليسوع المسيح في بعض وسائل الإعلام والإنتاج الفني الغربي".

وذكرت أنه: "يحب البعض أن يزعموا أنهم تحرروا من الدين، لكن الحقيقة هي أنهم أصبحوا فقط أسرى لرغباتهم غير المنضبطة، ولم يعد البشر مهمين طالما أن آلة المال تحسب". ولم تذكر الخاطر، في التغريدة تسمية دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، لكن كلامها كان واضحا عن العرض الذي تم بافتتاح دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة الفرنسية، والذي تمثل بظهور مجموعة من الفنانين المتحولين جنسيا في عرض فيديو مطول تجسد الشخصيات المرسومة في لوحة "العشاء الأخير" التي رسمها ليوناردو دافنشي أواسط القرن الخامس عشر.

سياسيون غاضبون
أعلن نائب رئيس وزراء سلوفاكيا توماس تارابا، الذي كان من المفترض أن يمثل بلاده في حفل أولمبياد باريس الختامي، أنه لن يشارك في الحفل لأن دورة الألعاب هذا العام أصبحت "رمزا للانحطاط".

وكتب تارابا على منصة "فيسبوك"، الأحد: "كان من المفترض أن أمثل سلوفاكيا في الحفل الختامي، ولكن هذه الألعاب الأولمبية، ستظل إلى الأبد رمزا للانحطاط مثيرا للاشمئزاز في العالم الطبيعي، وإساءة إلى جمال الرياضة. لذلك قررت عدم المشاركة في الحفل الختامي".

وشن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، السبت، هجوما لاذعا جديدا انتقد فيه "ضعف الغرب وتفككه" وهو ما تجلى برأيه في الحفل.

وتعليقا على المحاكاة الساخرة للوحة العشاء الأخير للمسيح قال أوربان: "إنهم يتخلون تدريجاً عن الروابط الروحية والفكرية مع الخالق والوطن والأسرة... ما أدى إلى تدهور القيم الأخلاقية العامة في المجتمع، كما رأيتم إذا شاهدتم حفل افتتاح الأولمبياد".

وأعرب رئيس حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلينشون، عن استيائه من عرض "دراغ كوين" (رجل يرتدي ملابس نسائية ويضع مكياجا) خلال حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024، والذي تضمن تجسيد لوحة "العشاء الأخير" التي تتناول تصويرا للنبي عيسى (عليه السلام)، مبينا أن العرض كان استهزاء بالمسيحية.

وقال ميلينشون: "لم تعجبني السخرية من "العشاء الأخير" المسيحي، وليست هناك حاجة إلى "المخاطرة بالإساءة إلى المعتقدات الدينية".

بدورها قالت عضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية ماريون ماريشال: "إلى جميع المسيحيين في العالم الذين يشعرون بالإهانة من هذه المحاكاة الساخرة للعشاء الأخير خلال حفل افتتاح باريس 2024، اعلموا أن فرنسا ليست هي التي تتحدث، بل أقلية يسارية مستعدة لأي استفزاز".

وأوضحت ماريشال، وهي ابنة شقيقة القيادية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، أن هذه الحادثة لا تمثلها، وكتبت في منشورها عبر منصة إكس وسما يقول: "ليس باسمي".

أما لور لافاليت، النائبة عن حزب التجمع الوطني، فقالت عبر حسابها على منصة "إكس"، مخاطبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "السيد رئيس الجمهورية، نحن جميعا سعداء للغاية بدورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، ولا أريد التحدث في السياسة هذا المساء. لكن هل حقا كان هذا ضروريا؟"، في إشارة إلى العرض.

وفي منشور عبر حسابه على منصة "إكس"، أعلن المحامي الفرنسي فابريس دي فيزيو، أنه سيتقدم بشكوى رسمية ضد تجسيد لوحة "العشاء الأخير" للنبي عيسى وتلاميذه من خلال عرض "دراغ كوين" خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية.

شركة أمريكية تنسحب
أعلنت شركة اتصالات وتكنولوجيا أمريكية، أنها قررت وقف تعاقداتها الإعلانية مع الأولمبياد في باريس، وذلك عقب ظهور لوحة استعراضية وُصفت بأنها "تسخر" من الديانة المسيحية.

وقالت شركة "C Spire" في تدوينة لها في حسابها الرسمي على منصة "إكس": "لقد صدمنا بسبب السخرية من (لوحة) العشاء الأخير خلال مراسم افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس".

وأعلنت الشركة الأمريكية أنها قررت وقف تعاقداتها الإعلانية مع الألعاب الأولمبية، بحسب ذات التدوينة.

حذف الفيديو الرسمي للافتتاح
مع تصاعد حدة الانتقادات اللاذعة، حذف الفيديو الرسمي لحفل افتتاح أولمبياد "باريس 2024" من حساب "يوتيوب" الخاص بالبطولة، بحسب قناة "روسيا اليوم".

وعند الولوج لقناة "يوتيوب" الخاصة بالألعاب الأولمبية وتشغيل الفيديو الخاص بحفل افتتاح أولمبياد باريس، تظهر رسالة بأن الفيديو غير متاح، رغم أن حفلات الافتتاح للدورات السابقة متاحة، وكذلك محتوى البطولة الحالية من عدة رياضات.

ولم تقدم الجهات الرسمية حتى الآن أي سبب أو تفسير لحذف الفيديو من "يوتيوب".



كيف رد المنظمون؟
في البداية كان رد توماس جولي، المدير الفني للحفل، متوترا وغاضبا وقال إن المشهد كان "متوافقًا مع تقاليد فرنسا الطويلة من العلمانية".

وتابع: "في فرنسا لدينا حرية الإبداع والحرية الفنية.. ونحن محظوظون لأننا نعيش في بلد حر"، مردفا بالقول: "نعيش في جمهورية، ولدينا الحق في حب من نريد، ولدينا الحق في ألا نكون من المصلين".

لكنه عاد ونفى أن يكون أحد العروض "مستوحى" من لوحة العشاء الأخير، وقال: "ليس لدي مطلقاً أي رغبة في السخرية من أي أمر أو تشويهه. أردت إنجاز حفل افتتاح ينطوي على إصلاح ومصالحة، ويعيد تأكيد قيم جمهوريتنا".

وأضاف أنّ العرض غير مستوحى من "العشاء الأخير".. الأمر كان واضحا جدا، يصل ديونيسوس إلى المائدة، لأنّه إله الاحتفال (...) والخمر وأب سيكوانا، إلهة النهر".

وقال: "أمنيتي ألا أكون تخريبيًا، ولا أن أسخر أو أصدم.. الأهم من ذلك كله أنني أردت أن أبعث برسالة حب، رسالة اندماج وعدم الانقسام على الإطلاق".

من جهتها أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية، الأحد، اعتذارًا رسميًا في أعقاب انتقادات لجزء في حفل الافتتاح تضمن محاكاة ساخرة للوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دافنشي.

وفي بيان، أكدت اللجنة الأولمبية الدولية أنه "لم تكن هناك أي نية أبدًا لإظهار عدم الاحترام لأي مجموعة دينية".

وقالت آن ديكامب المتحدثة باسم أولمبياد باريس 2024، في مؤتمر صحفي: "من الواضح أنه لم تكن هناك نية مطلقًا لإظهار عدم الاحترام لأي مجموعة دينية. على العكس من ذلك، كنا نعتزم إظهار التسامح المجتمعي، وإذا شعر الناس بأي إساءة، فنحن آسفون".

وأضافت ديكامب: "بالنظر إلى نتيجة استطلاعات الرأي التي شاركناها، نعتقد أن هذا الطموح قد تحقق"، في إشارة إلى استطلاعات الرأي التي قالت إن 86 بالمئة من الشعب الفرنسي يعتقدون أن حفل الافتتاح كان ناجحًا.