صحافة دولية

لماذا فشلت أمريكا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة؟

الاحتلال ارتكب مجازر واسعة بحق الفلسطينيين في غزة- الأناضول
استعرضت مجلة "فورين أفيرز" جوانب فشل الولايات المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الاحتلال وحماس، رغم المحاولات العديدة للتوسط والتفاوض، مشيرة إلى أن الضغط الخارجي على الأطراف المتحاربة نادرا ما يؤدي إلى نتائج إيجابية، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى تفاقم النزاعات.

وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن في 31 أيار/مايو عن اقتراح من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب في قطاع غزة، ودعا أولا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار مرتبط بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية وتبادل محدود للأسرى وتدفق للمساعدات، ثم تبدأ المفاوضات، وفي حال نجاحها، تبدأ المرحلة الثانية التي تتضمن "وقفا دائما للأعمال العدائية يرتبط بانسحابات كاملة وتبادل كامل للأسرى، وستشهد المرحلة الأخيرة بدء جهود إعادة الإعمار في غزة، وتبادل ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين".

ورغم الضجة التي أثارها هذا الاقتراح، لكنه لم يكن سوى واحد من الاقتراحات العديدة التي قُدمت منذ بدء الحرب، وفشلت خطة بايدن.

يكشف السجل التاريخي أن مثل هذه التدخلات الدبلوماسية غالبا ما تكون لها عواقب سلبية للغاية، فغالبا ما يصعب على القوى الخارجية أن تفرض وقفا دائما لإطلاق النار ما لم تدعمه الأطراف المتحاربة نفسها، والأكثر إثارة للقلق أن الجهود الخارجية لتسهيل الدبلوماسية يمكن أن تجعل الحروب أسوأ.

فبدلا من إحلال السلام، هناك احتمال غير مريح بأن الدبلوماسية التي  تغض النظر عما يحدث في ساحة المعركة، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الحرب، ويجب على الولايات المتحدة وحلفائها الضغط على حماس والاحتلال لتغيير سلوكهما في زمن الحرب، بدلا من السعي لفرض المفاوضات عندما لا يبدي أي من الطرفين اهتماما بالتسوية.

الخوف من التفاوض
وأفادت المجلة أن العديد من الأكاديميين البارزين، بمن فيهم روبرت باول وبرانيسلاف سلانتشيف، يرون المفاوضات أثناء الصراع باعتبارها عملية قد تؤدي إلى بعض النتائج، فقد تنجح الأطراف المعنية في التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين، مما ينهي النزاع. وفي الوسط، قد تحدد الأطراف مجالات محدودة أكثر للتسوية، ويستمر النزاع في نطاق أضيق من الخلافات. وقد تفشل الأطراف في إيجاد أي أرضية مشتركة، ويستمر النزاع كما لو أن شيئا لم يتغير، في جميع هذه الاحتمالات، يُنظر إلى التفاوض على أنه نشاط غير مكلف إما أن يحسن الوضع أو لا يغير الوضع الراهن.

غير أن المفاوضات قد يكون لها ثمن؛ أحدها هو أن القادة يشعرون غالبا بالقلق من أن إظهار الاستعداد للتفاوض سيفسر على أنه علامة ضعف، وقد يؤدي مثل هذا التفسير إلى إحباط الروح المعنوية في الداخل أو تحفيز العدو على القتال بشراسة أكبر لاعتقاده أن النصر أو على الأقل تحقيق المزيد من المكاسب في متناول اليد.

وعبّر عن هذا الخوف في سنة 1965 رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق وسفير الولايات المتحدة في جنوب فيتنام آنذاك ماكسويل تايلور، فقد حذّر واشنطن من المبادرات الدبلوماسية لفيتنام الشمالية، لأن "التسرع في الوصول إلى طاولة المفاوضات قد يثير تصاعدا في جهود الفيتكونغ الرامية إلى تحقيق أقصى قدر من المزايا التفاوضية"، وقد أعرب المسؤولون الفيتناميون الشماليون عن مخاوف مماثلة؛ حيث أخبروا السفير النرويجي في بكين سنة 1967 أنه كلما أبدت هانوي أي اهتمام بالمحادثات شنت الولايات المتحدة هجمات جديدة، ونتيجة لذلك، لم تبدأ محادثات السلام حتى سنة 1968، بعد أن شعر الجانبان أنهما أثبتا قوتهما من خلال عمليات كل منهما.

ومن المؤكد أن واقع ساحة المعركة يمكن أن يفتح المجال للتفاوض، إذ تكشف الحرب عن قوة كل طرف واستعداده لتحمل تكاليف لحل النزاع بشروط مواتية له. وتساعد المعلومات الجديدة من القتال جميع الأطراف على مراجعة توقعاتهم ويمكن أن تؤدي إلى فهم مشترك لمسار الحرب، وتوفر الاتجاهات المستمرة في ساحة المعركة أوضح مسار للمفاوضات، كما أظهرت الحرب الروسية اليابانية في 1904-1905. فقبل أن تبدأ اليابان الأعمال العدائية لم يكن من المتوقع أن تُهزم روسيا بشكل حاسم في ساحة المعركة. ولكن هذا ما حدث بالضبط، مما أدى إلى قيام الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بالتوسط والتفاوض على معاهدة بورتسموث التي منحت اليابان معظم مطالبها.

ومع ذلك، فإن الاتجاهات غير المتكافئة في ساحة المعركة لا تضمن الانفتاح على الدبلوماسية إذا كان المتحاربون لا يثقون في احترام الخصم للتسوية الدبلوماسية، أو إذا كانوا لا يثقون في طرف ثالث لتنفيذ شروطها بشكل موثوق، فخلال أحلك لحظات الحرب العالمية الثانية من سنة 1940 إلى 1941، عندما غزت إستراتيجية الحرب الخاطفة الألمانية أوروبا، رفضت المملكة المتحدة ودول أخرى التفاوض مع هتلر لأنها لم تر أي سيناريو يمكن أن يلتزم فيه بشكل موثوق باتفاق سلمي، وقد أظهرت سياسة الاسترضاء الفاشلة التي سبقت الحرب أن هتلر لا يمكن الوثوق به في الوفاء بوعوده، وكانت الطريقة الوحيدة لمعالجة المشكلة هي القضاء على هتلر أو الموت في سبيل ذلك.

ويمكن أيضا للمؤسسات الدولية والأطراف الثالثة أن تضغط على الأطراف المتحاربة بطرق تسمح لهم بالسعي إلى السلام، ويمكن للأطراف المتحاربة أن يصوروا استعدادهم للتفاوض على أنه عمل من أعمال التعاون مع المجتمع الدولي وليس كدليل على تضاؤل العزيمة، ويسمح لهم ذلك بالظهور بمظهر الصوت المعتدل وتصوير الخصم على أنه الطرف المتمرد. لا يمكن للضغط الدبلوماسي أن يجعل التفاوض أقل خطورة فحسب، بل يمكن أن يجعل تجنب المفاوضات أمرا مكلفا أيضا، ففي العديد من الصراعات، بما في ذلك الصراع في أوكرانيا وغزة، تمكنت أطراف ثالثة مدعومة من قبل مؤسسات، بما في ذلك الأمم المتحدة، من حمل المتحاربين على التفاوض أثناء القتال.

حسن النية
وأوضحت المجلة أن من الافتراضات الخاطئة الأخرى بشأن المفاوضات أنها تجري دائما بحسن نية، فحتى إذا لم يتوصل المتنازعون إلى تسوية، يُفترض أنهم حاولوا بصدق التوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين. لكن الواقع أكثر تعقيدا، فالأطراف المتحاربة يمكن أن يتفاوضوا بسوء نية، وغالبا ما يفعلون ذلك بالفعل؛ حيث يظهرون الاهتمام بالتسوية بينما يهدفون في الواقع إلى فشل المحادثات، وقد يستغلون الوقت المكتسب من المحادثات لإعادة التسلح وتجميع صفوفهم أو لإبعاد اللوم السياسي عن الحرب أو للدعاية، وبهذا تصبح المفاوضات وسيلة لخوض الحرب وليس لإنهائها.

وقد شوهدت هذه الديناميكية في الفترة من 1951 إلى 1953، خلال المحادثات في كيسونغ وبانمونجوم لإنهاء الحرب الكورية. فقد أشار ويليام فاتشر، كبير علماء النفس الذي كان يعمل في وفد قيادة الأمم المتحدة، إلى أنه بسبب "فشل كوريا الشمالية والصين في تحقيق أهدافهما في ميدان المعركة الكورية، فقد لجأتا إلى طاولة المؤتمر كوسيلة لتحقيق أهدافهما.. ولكسب الوقت بينما تقومان بإعادة بناء وتعزيز قواتهما، وللحصول على كل فائدة ممكنة من قيادة الأمم المتحدة".

كما تباطأ وفد الولايات المتحدة الذي يقود وفد قيادة الأمم المتحدة خلال هذه المحادثات في الوقت الذي كانت تسعى فيه إلى أن تظهر لحلفائها أنها مستعدة لإعطاء فرصة للدبلوماسية، وبالتالي خلق المزيد من المساحة السياسية لاستمرار القتال.


وتكون المساومة أكثر صدقا عندما لا يكون لدى أحد الأطراف خيارات أخرى، أي عندما تكشف ساحة المعركة بوضوح النتيجة المحتملة للحرب، وعندما يحدث ذلك، سيسعى أحد الأطراف المتحاربة من تلقاء نفسه إلى التفاوض، رغم مخاطر الظهور بمظهر الضعف. أما في غياب هذه العوامل فإنهم يشعرون بحرية أكبر في التفاوض بشكل غير صادق. ويمكن أن يؤدي إجبار المتحاربين على التفاوض عندما لا تكشف ساحة المعركة عن مسار الصراع إلى نتائج عكسية.

وهذا هو الخطر في حالة غزة؛ فالاحتلال وحماس غير مستعدتين حاليا للتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين، ولا يمكن للصفقات أن تنجح إلا عندما تكون جميع الأطراف مستعدة لقبول نفس الشروط، وعندما تؤمن جميع الأطراف بأن الشروط سيتم الالتزام بها.

وأوضحت المجلة أن أيا من الشرطين لا ينطبقان في الوقت الراهن، بل إن الهدف الأساسي لكل طرف لم يتزعزع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر: فحماس تريد البقاء ككيان سياسي وعسكري، وإسرائيل تريد القضاء عليها. وبغض النظر عن أي تغييرات محتملة في مواقف الطرفين المتحاربين فيما يتعلق بوجود القوات الإسرائيلية في غزة، أو حقوق الفلسطينيين في العودة، أو جدوى حل الدولتين - وهي في حد ذاتها قضايا مستعصية - فإن المواقف غير المتوافقة جوهريا بشأن مستقبل حماس لا تتيح أي مجال للاتفاق.

الطريق إلى العدم
وأشارت المجلة إلى أنه من المرجح أن يعتقد الطرفان المتحاربان أن اتفاق السلام سيصمد إما عندما يكون أحد الطرفين على الأقل أضعف من أن يقاتل أو عندما يعتقد كلاهما أن أي محاولة للتراجع عن الاتفاق ستؤدي إلى عواقب وخيمة، ولا يتوفر أي من الشرطين حاليا في غزة. فعملية رفح التي بدأت في أوائل أيار/مايو، والتي كانت تهدف إلى القضاء على حماس، لم تحقق هدفها.

ويبدو أن حماس لا تزال راغبة في القتال، ومطالبتها بانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، حتى في شهر تموز/ يوليو، تشهد على هذه الحقيقة. والواقع أن الهجمات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين قد زادت من الدعم السياسي لحماس، والتي يمكن أن تزداد قوة بالفعل.

وقالت المجلة إن كلّا من إسرائيل وحماس يواجهان ضغوطا شديدة ومستمرة للتفاوض، الأمر الذي يجعلهما - إن لم يكن يجبرهما - على التظاهر بالاهتمام بالدبلوماسية. وقد ردت حماس على اقتراح بايدن في 31 أيار/ مايو بالقول إنها تريد العمل "بشكل إيجابي وبنّاء" من أجل وقف إطلاق النار. وفي بيان مكتوب نُشر بعد ذلك بأسبوع، أكدت الحركة من جديد "موقفها الإيجابي تجاه تصريحات بايدن". ولا تُظهر هذه اللغة المشجعة رغبة حماس الحقيقية في التوصل إلى اتفاق، بل تعكس إدراك الحركة أن إعلان بايدن كان يهدف إلى إلقاء اللوم في استمرار الحرب على حماس.

وعلاوة على ذلك، فإن حقيقة أن المتغيرات الطفيفة لنفس الخطة ذات المراحل الثلاث قد تم اقتراحها وقبولها ثم رفضها على مدى عدة أشهر، حتى مع تغير الواقع السياسي وميدان المعركة، تشير إلى أن الجهود الدبلوماسية مدفوعة في المقام الأول برغبة أطراف ثالثة في وقف القتال وليست مرتبطة ارتباطا وثيقا بظروف الأطراف المتحاربة الحقيقية أو المتصورة.

وبحسب المجلة، فإذا ما دُفع المتحاربون إلى الانخراط في الدبلوماسية دون حل نقاط الخلاف الأساسية، فقد يستغل المتحاربون المحادثات لمصلحتهم السياسية والعسكرية. وعلى سبيل المثال، قد يعرض الطرفان المتحاربان أو يوافقان على شروط قد تبدو معقولة للمراقبين الخارجيين على الرغم من أنها قد تبدو معقولة بالنسبة للطرف الآخر، إلا أنه من غير المرجح أن يقبلها الطرف الآخر. وتسمح هذه العملية لأحد الطرفين بكسب التأييد السياسي على الصعيد الدولي من خلال إلقاء اللوم عن استمرار النزاع على خصمه، وبالتالي تبرير استمرار الأعمال العدائية وتصعيدها.

وعلاوة على ذلك، فإن أي توقف في القتال بسبب المفاوضات يوفر مزيدا من الفرص لإعادة التعبئة والاستعداد لاستئناف الأعمال العدائية، كما حدث خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 1948، أي بعد خمسة أشهر من بدء الصراع، ساعد الوفد الإسرائيلي في الأمم المتحدة في صياغة قرار مجلس الأمن رقم 62، الذي دعا جميع المتحاربين إلى إعادة الأراضي التي احتلوها والتراجع إلى مواقعهم التي احتلوها قبل أسبوعين، مع الحث على إجراء المزيد من المفاوضات.

تكديس الأوراق
وأفادت المجلة أن هذه العوامل لا تبشر بالخير بالنسبة للهجوم الدبلوماسي الأخير لإدارة بايدن. فعلى مدار المفاوضات؛ التي لا تزال جارية على فترات متقطعة، ألقى ممثلو إسرائيل وحماس اللوم مرارا وتكرارا وبشكل علني على بعضهم البعض لكونهم الطرف المتعنت، في محاولة لإظهار أنفسهم بمظهر الطرف العاقل. وإذا ما تخلت حماس عن جهود الوساطة الحالية بالكامل، يمكن لإسرائيل أن تجادل بأنها حاولت - على الرغم من أنها بالطبع لم تكن مهتمة كثيرا في رؤية المفاوضات تنجح - وأن العنف هو السبيل الوحيد للمضي قدما.

ومن ناحية أخرى، إذا قبلت "حماس" اقتراح بدء المرحلة الأولى من الصفقة، سيكسب الطرفان ستة أسابيع من وقف إطلاق النار المؤقت لإعادة التسلح في حال انهيار المفاوضات التي ستؤدي إلى المرحلة الثانية من الصفقة. وبالنظر إلى الخلاف الجوهري بين الطرفين، فإن احتمالات الفشل كبيرة. فبمجرد أن أنهى بايدن تصريحاته تقريبا، أعلن نتنياهو أن الخطة لا تؤثر على هدفه الشامل المتمثل في تدمير حماس، ومن المؤكد أن حماس سترفض أو تتراجع عن أي اتفاق تفاوضي يدعو إلى تدميرها.


واعتبرت المجلة أن الوضع قد يصبح تكرارا لما حدث في حزيران/ يونيو 1948 عندما رتبت الأمم المتحدة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وقفا مؤقتا لإطلاق النار لمدة أربعة أسابيع لإفساح المجال أمام وسيط الأمم المتحدة، فولك برنادوت، للتفاوض على سلام دائم. وبينما كان برنادوت يقدم مقترحات مختلفة، قام كل من الاحتلال وخصومه العرب بتجنيد قوات جديدة واستعادة نشاطها وتخزين شحنات دولية من الأسلحة.

وفي غفلة من وسيط الأمم المتحدة، لم يكن لدى أي من الطرفين أي رغبة حقيقية في التوصل إلى حل وسط، بل إن كليهما فكر في شن هجمات قبل انتهاء وقف إطلاق النار رسميا لمفاجأة خصمه. وعندما انقضت فترة وقف إطلاق النار، كانت الأعمال العدائية التي أعقبت ذلك في نهاية المطاف في صالح إسرائيل التي استفادت من فسحة التنفس التي أتاحتها المفاوضات، وقد أتاحت الآثار الجانبية للدبلوماسية المزيد من الحرب.

وبينت المجلة أن العلاقة القوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تزيد من تعقيد آفاق السلام في حرب غزة الحالية. فقد وجد علماء السياسة، بمن فيهم كاتيا فافريتو وأندرو كيد وبوركو سافون، أن الوسطاء الأقوياء المنحازين - والولايات المتحدة بالتأكيد وسيط منحاز لإسرائيل - يحققون نجاحا أكبر في إقناع المتحاربين بالتسوية من الوسطاء الضعفاء أو غير المنحازين.

ويرجع ذلك إلى أن الوسطاء الذين يفضلون طرفا واحدا قادرون على إقناع ذلك الطرف بالتفاوض والالتزام بالاتفاق، لكن الولايات المتحدة قد تكون منحازة أكثر من اللازم. فقد أبدت واشنطن باستمرار استعدادها لاستخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي لحماية الاحتلال، وانتقاد اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، والتسامح بشكل عام مع سلوك إسرائيل في زمن الحرب. وقد أثار الدعم الأمريكي الساحق لإسرائيل شكوكا في قدرة الولايات المتحدة على ردع الاحتلال عن التراجع عن التسوية.

إعطاء فرصة للسلام
وذكرت المجلة أنه يمكن لجهود الأطراف الثالثة الرامية إلى الدفع باتجاه الدبلوماسية، بغض النظر عن معتقدات المتحاربين أو ظروفهم أو أهدافهم، أن تقوض السلام. والواقع أن التسويات المتفاوض عليها الناجمة عن ضغط طرف ثالث أكثر عرضة للانهيار من تلك التي يسعى إليها المتحاربون أنفسهم. فالسلام الحقيقي يعتمد على ممارسة أكثر حكمة وتحديا للدبلوماسية الدولية.

ومن المؤكد أن وقف إطلاق النار المرتبط بالمفاوضات، حتى لو كان قصير الأجل، غالبا ما يكون ضروريا في تقديم مساعدات إنسانية قيّمة للمدنيين الأبرياء العالقين في مرمى نيران الحرب. ولا ينبغي التخلي عن مثل هذه الجهود، في هذه الحالة بالنسبة للفلسطينيين. وبدلا من ذلك، يجب النظر في فوائد الإغاثة الإنسانية الناجمة عن وقف إطلاق النار المؤقت جنبا إلى جنب مع الجوانب السلبية المحتملة على المدى الطويل للدبلوماسية غير الصادقة. ويمكن أن يؤدي تجاهل هذه المعضلة إلى مزيد من المعاناة.

وعلى الرغم من أن العديد من الدول والمؤسسات الدولية يمكن أن تؤثر على الحرب الحالية، إلا أن الولايات المتحدة تملك التأثير الأكبر، ولدى واشنطن عدة بدائل لإستراتيجيتها الحالية المتمثلة في الضغط من أجل إجراء محادثات يمكن أن تؤثر بشكل أكثر جدوى على مسار الصراع. فأولا، يجب على بايدن تغيير المسار من خلال الدعوة إلى معاقبة فظائع حقوق الإنسان وانتهاكات قوانين الحرب والتعبير عن الاستعداد لمعاقبة مرتكبيها.

وشددت المجلة على أنه ينبغي على الولايات المتحدة وكذلك مصر وقطر وغيرهما من الوسطاء المحتملين أن تكون على استعداد لعرض خدماتها كلما طلب المتحاربون ذلك. ولكن ينبغي وضع حد للجهود المستمرة للتحريض على إجراء محادثات أو الإصرار على شروط لا تتماشى مع المواقف الفعلية للأطراف المتحاربة. وإذا ما جرت المفاوضات، فإن احتمال نجاحها سيعتمد إلى حد كبير على أن يكون النشاط الأخير في ساحة المعركة قد كشف عن تفوق أحد الطرفين وقبول الطرفين المتحاربين بأن التسوية ستكون قابلة للتنفيذ فعلا.