صحافة دولية

الاحتلال يمعن في تدمير النظام الصحي بالضفة بالتزامن مع عدوانه على غزة

يصعد الاحتلال من انتهاكاته بحق الفلسطينيين في الضفة منذ بدء العدوان على غزة- الأناضول
تسببت الإغلاقات والتصعيد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة بالتزامن مع عدوانه المتواصل على قطاع غزة، في تدمير النظام الصحي في الضفة بعد تعمد الاحتلال تقويضه من خلال التضييق على الفلسطينيين، حسب تقرير نشرته صحيفة "ديلي تلغراف".

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ينان مسلم كان يدير قبل الحرب على غزة، منجرة ناجحة لصناعة التذكارات الدينية في بيت لحم، وظل في عمله بسبب عملية غسيل الكلى التي يجريها ثلاث مرات في الأسبوع، إلا أن عملية الغسيل تأثرت بالإغلاق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية الذي أعقب الحرب في غزة، حيث أصبح الوصول للعلاج صعبا وكذا الحصول على الأدوية.

وانخفضت نسبة الوقت المخصصة لغسيل كلى الشاب البالغ من العمر 24 عاما بنسبة 25 بالمئة والجهاز المتوفر لديه لتنقية دمه يصلح لطفل وليس لبالغ، ما يجعله غير فعال في تنقية دمه. هذا إضافة إلى أن مكمل البيكربونات الذي يمنع من الفشل الكلوي لم يعد متوفرا بشكل دوري. ونقلت عنه الصحيفة: "أصبح نقص الأدوية الآن أسوأ مما كان قبل الحرب، فقبلها ربما لم يتوفر دواء، أما الآن فثلاثة وغسيل الكلى هو لثلاث ساعات وليس أربعا".


ونتيجة لهذا أجبر مسلم على قضاء معظم وقته في البيت من أجل توفير طاقته وبانتظار الحصول على متبرع بفئة دم "ألف زائد". وقال للصحيفة: "طلب منا الأطباء في المستشفى البحث عن كلية لأنني شاب ولو بقيت على هذا الحال مع الغسيل، فإن وضعي سيسوء عندما أكبر، ولهذا أريد زراعة في أقرب وقت".

وبحسب الصحيفة، فإنه "لا يوجد أي نقص لولا الكتل الإسمنتية والحواجز والأسلاك الشائكة التي تفصل الضفة الغربية عن إسرائيل، ولا تبعد المسافة بينهما سوى 20 دقيقة".

ويعاني النجار الشاب وآلاف الفلسطينيين من "فصل عنصري صحي" حسب  توصيف جماعات الإغاثة. فقد عانت الضفة الغربية من دمار وحرمان خبيث أصاب مؤسساتها الصحية. ويضم المرضى، مصابون بمرض السرطان الذين لم يستطيعوا الحصول على الأدوية الضرورية، وكذا المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة حيث منعوا من السفر بحرية وحضور مواعيدهم الطبية.

وفي حالة موثقة بشكل جيد، فقد فصلت نساء عن مواليدهن الجدد.

ويقول النقاد إن الهجوم منظم، فمن خلال حجب أموال الضريبة "المقاصة" ومنع الناس من الحركة داخل الضفة الغربية إلا من خلال التصاريح والحواجز، فإن النظام الصحي الفلسطيني الضروري لمجتمع مستقر يتعرض للتقويض على يد الاحتلال، حسب التقرير.

وبسبب نقص الدواء لم يعد مسلم قادرا على استخدام منجرته التي يعمل منها على نحت تذكارات يبيعها للحجاج الزوار لبيت لحم. وحتى لو استطاع نحت تذكارات فلن يجد من يشتريها لأن الإغلاق قلل من عدد السياح إلى بيت لحم. وقتل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر أكثر من 500 فلسطيني في الضفة الغربية، حسب وزارة الصحة الفلسطينية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، وهو ثلاثة أضعاف الذين قتلوا في كل 2022.

ومعظم الشهداء قتلوا في مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي والتظاهرات، لكن هناك مارة وفلسطينيون قتلهم المستوطنون الذين أدى عنفهم بدول مثل بريطانيا لفرض عقوبات عليهم. كما وجرح آلاف آخرون مما زاد من العبء على النظام الصحي، وفقا للتقرير.

وقال أطباء من نابلس ورام الله وبيت لحم والخليل، إن أثر الحرب كان مدمرا على النظام الصحي. ويمثل مريض السرطان أحمد نمر عاصي واحدا من الضحايا غير المرئيين. وقال من المجمع الطبي الفلسطيني في رام الله حيث يعالج: "أعاني من سرطان البنكرياس، وفتحوني من جانب إلى آخر ولكنني لم أتحسن بعد العملية".

وأضاف أن حالته مرتبطة في جزء منها بنقص الدواء، كابكتابين، الذي يبطئ المرض أو يمنع نمو الخلايا، وأحد أهم الأدوية في نظامه العلاجي، وهو غير متوفر في النظام الصحي الفلسطيني المتداعي. ويظل البحث عن العلاج من مصادر بديلة خارج قدرات سائق الشاحنة المتقاعد، كما وضعه الإسرائيليون على القائمة السوداء ومنع من السفر إلى القدس الشرقية والعلاج هناك، لسبب لا يعرفه. وأضيف لمتاعبه  تشخيص زوجته العام الماضي وأنها مصابة بسرطان الرحم، حيث أرسلت إلى نابلس ويحاول الأطباء إنقاذ حياتها.

وفي جانب آخر من الممر، تبدو حالة ماري حصري، 65 عاما أفضل، ولكنها وصفت الصدمة التي تعرضت لها عندما أجريت لها عملية استئصال ورم من الرحم بمستشفى في القدس الشرقية وحيدة في يوم عيد الميلاد وبدون السماح لأمها أو شقيقها لمرافقتها. وقالت: "أجريت عمليتين بدون وجود أي من أفراد عائلتي" و"تترك غرفة العمليات إلى غرفة العناية الفائقة وتستيقظ بدون أن تجد أحدا، وكان صعبا جدا علي، وتقيأت بعد التخدير ولم يكن أحد معي".


وبعد ستة أيام كان عليها العودة إلى رام الله وعبور نقطة تفتيش حيث نقلها صديق للعائلة إلى جانب الحاجز وقابلها ابن أختها على الجانب الآخر، وفقا للصحيفة.

وقد تعافت الحصري من المرض، إلا أن المجمع الطبي الفلسطيني وبعد أشهر من العملية  لم يعد لديه الأدوية اللازمة للعلاج الإشعاعي، مما يهدد تعافيها.

ونقلت الصحيفة عن الدكتور محمد مناصرة، رئيس قسم الأورام في المجمع، قوله إنه فقد ثلاثة مرضى في الأسبوع الماضي بسبب نقص الأدوية، منهم شاب عمره 25 عاما. وأضاف "نعاني من نقص شديد في الأدوية والتي تضم العلاج المناعي مثل بمبروليزامب أو كيترودا ولسرطان الثدي هناك حبة علاج اسمها ريبوسيكليب أو كيسقالي وغير متوفرة منذ شهر" و"لدي 37 مريضا على كيسقالي". وهو سيناريو يائس تكرر في كل أنحاء الضفة حيث هناك نقص في الأدوية للأمراض المزمنة بما فيها غسيل الكلى.

ولفتت الصحيفة إلى أن تدهور النظام الصحي في الضفة، أدى إلى إحباط الأطباء الذين رأوا تدهورا مستمرا في صحة مرضاهم. وقال الدكتور إبراهيم الحيح، الذي يدير عيادة في حلحول قرب الخليل بأنه يرى يوميا ما بين 85-90 مريضا بأمراض مزمنة. وتم تخفيض عمل العيادة من خمسة أيام إلى يومين حيث يتلقى الأطباء نصف رواتبهم  الـ 1,500 دولار في الشهر ويكافحون لإعالة عائلاتهم ودفع رسوم السفر. ثم قدم قائمة من الأدوية غير المتوفرة مثل المضادات الحيوية وأنالجيسك للسكري ودواء الضغط والسرطان وأمراض الأعصاب والكوليسترول.

وأحد الأدوية الضرورية هو دواء تاكروليموس او بروغراف، المستخدم لمنع رفض جسم من أجرى عملية زراعة الكلى. وهو غير متوفر إلا بوزارة الصحة التي وصل مخزونها لأدنى مستوياته، مما أجبر المرضى على إحضاره من الأردن، تركيا أو "إسرائيل".

وبحسب الصحيفة، فإن عدم توفر العلاج يعني الحياة أو الموت لمريم طروار، 52 عاما التي تعافت من عملية زراعة كلى قبل 3 أعوام. وزاد طبيبها من جرعتها اليومية إلى أربعة أقراص في اليوم، في وقت انخفضت مخصصاتها من وزارة الصحة. ويحاول زوجها توفير الدواء من معارفه في تركيا، حيث تبلغ كلفة العلبة المكونة من 100 حبة 150 دولارا، بشكل يزيد من الأعباء المالية لكنهم يتبرعون بالإمدادات القليلة لمن أجروا عمليات زراعة.

وأشارت الصحيفة للقرارات التي اتخذها وزير المالية في حكومة الاحتلال، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي منع موارد الضريبة وهدد بإلغاء الإعفاءات للبنوك الإسرائيلية كي تتعامل مع البنوك الفلسطينية مما أدى إلى شل السلطة الوطنية وأجبرها على تخفيض الرواتب للموظفين المدنيين.

وأعلن المسؤولون الإسرائيليون في الأسبوع الماضي، أن الحكومة دفعت 450 مليون شيكل (116 مليون دولار أمريكي) من موارد الضريبة وعن نيسان/أبريل وأيار/مايو وأنها دفعت 530 مليون شيكل (144 مليون دولار أمريكي) عن حزيران/يونيو. إلا أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى يقول إن دولة الاحتلال لا تزال مدينة للسلطة بـ 6 مليارات شيكل (1.6 مليار دولار) وهو مبلغ كبير.

هذا إلى جانب منع عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من السفر إلى "إسرائيل" منذ بداية الحرب، مما أدى إلى زيادة المعاناة الاقتصادية وقيد من قدرتهم على توفير العناية الطبية الخاصة. هناك آلاف من التصاريح التي أصدرتها إسرائيل للمرضى كي يذهبوا إلى القدس الشرقية، ولكنها سحبت أو علقت، بحسب الصحيفة.

واتهمت منظمات حقوقية وطبية، إسرائيل بمعاملة الفلسطينيين ضمن نظام فصل عنصري. ونقلت الصحيفة عن أسيل بيضون مديرة الحملات في الجمعية الطبية لفلسطين (ماب) قولها: "تحتفظ إسرائيل بنظام سيطرة على حق الفلسطينيين في العلاج الصحي ومنذ نصف قرن، وعبر الاحتلال والضم والإغلاق". وتقول الصحيفة إن "الثمن الإنساني لإجراءات إسرائيل كان ضخما".

ونقلت عن فادي الأطرش من مستشفى المطلع على جبل الزيتون في القدس، قوله بيأس "هذه المرأة بحاجة إلى علاج بيولوجي يمنحها نسبة 70% شفاء من سرطان الثدي، ولكننا لا نستطيع هذا بسبب الوضع المالي". وأضاف "أستطيع شراء علاج لمريض واحد، لكن لدي خمسة تحويلات، فمن أختار؟ وليس سهلا لأن سرطان الثدي يصيب مزيدا من النساء الشابات".

وباعتباره ثاني أكبر مستشفى في القدس يوفر المطلع علاجا للمرضى من الضفة وغزة ولديه وحدات مهمة لعلاج السرطان وغسيل الكلى. ومنذ بداية الحرب توقف وصول المرضى من غزة وانخفضت نسبة المرضى من الضفة وفي الثلاثة أشهر الأولى للحرب بنسبة 30%، كما قال الأطرش.

وأضاف أن "الأثر على الصحة واضح، وشاهدنا المزيد من الأشخاص بمراحل متقدمة [من المرض] نظرا لعدم حصولهم على نصيحة طبية ما بين تشرين الأول/أكتوبر إلى كانون الأول/ديسمبر".

ولفت إلى أن الناس عانوا ومات البعض أبكر من المتوقع نظرا لغياب العلاج. وقدر أن الإدارة المدنية وافقت على منح 85% من التصاريح للمطلع إلا أن الناس يترددون بالسفر بسبب الرحلة المتعبة والأوضاع غير المستقرة والخوف من هجمات المستوطنين. 

وأوضح أن الكثير من التصاريح رفضت للمرافقين من العائلة للمريض. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة 44% من التصاريح التي قدمها مرضى عددهم 28,292 مريضا، ما بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وأيار/مايو 2024 طلبا للعلاج في خارج الضفة الغربية رفضت أو لا يزال ينظر فيها، وينسحب الأمر على المرافقين حيث بلغت نسبة الرفض أو عدم الرد 48%.

وبمقارنة ما بين 2022- 2023، فإن هناك نسبة  56% تراجع هذا العام في طلبات المرضى وتراجع بنسبة 22% في الموافقة عليها، حسب ما أوردته الصحيفة.

وعنت القيود على أي شخص يسافر من غزة إلى القدس المحتلة فصل المواليد عن أمهاتهم اللاتي منحن تصاريح إنسانية للسفر إلى مستشفيات القدس والإنجاب هناك قبل الحرب على غزة بسبب المخاطر العالية للحمل.

وبعد الإنجاب عادت الأمهات إلى غزة لتقديم تصاريح والعودة لأخذ مواليدهن الذين أصبحوا في حالة صحية جيدة، لكنهن علقن في القطاع بعد الحرب. وفي مستشفى المقاصد هناك خمسة أطفال منهم ثلاثة توائم خضغت أمهم لستة أعوام من التلقيح الإصطناعي، حيث يقوم طاقم المستشفى بإعداد أشرطة فيديو للعائلات في غزة، حسب التقرير.

وحذر مدير المجمع الطبي في رام الله الدكتور أحمد البيتاوي، من أن حرب غزة ستترك أثرا طويل الأمد على النظام الصحي في الضفة الغربية. وانخفضت العمليات الجراحية في المجمع الذي يجري عمليات خاصة من 24 عملية في اليوم إلى 8 عمليات. وزادت الهجمات على العيادات الطبية وعمال الإغاثة الطبية وسيارات الإسعاف منذ تشرين الأول/أكتوبر حسب بيضون من الجمعية الطبية الفلسطينية، فيما وثقت منظمة الصحة العالمية 480 هجوما على النظام الصحي خلال الأشهر الثمانية الماضية.