مقالات مختارة

ينبغي على الإسرائيليين القفز من سفينة نتنياهو الغارقة

جيتي
دخلت إسرائيل في حقبة جديدة حيث لم تعد المجموعات المقاومة في المنطقة ترفع الراية البيضاء بعد بضعة أشهر من القتال، بل إنها ترد الصاع صاعين.

هل تذكرون كيف بدأت أطول حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟ لقد اندلعت بعد أن تفاخر جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، قائلاً: "إن منطقة الشرق الأوسط أهدأ اليوم من أي وقت مضى خلال العقدين المنصرمين".

في شخصي جو بايدن ودونالد ترامب، حصلت إسرائيل على اثنين من أكثر رؤساء الولايات المتحدة تساهلاً في العلاقة بين الدولتين. لقد كان الرئيسان الراحلان رونالد ريغان وجورج إتش دبليو بوش أشد بأساً بالمقارنة معهما.

في زمن السلم، سمح ترامب لإسرائيل بضم مرتفعات الجولان المحتلة، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وأطلق اتفاقيات أبراهام، في مسعى لحمل الدول العربية الثرية على الاعتراف بإسرائيل وتجاوز الفلسطينيين.

وفي زمن الحرب، أغرق بايدن إسرائيل بالأسلحة، واستخدم حق النقض (الفيتو) مراراً وتكراراً ضد وقف مباشر لإطلاق النار، وحينما حاول وقف الهجوم على رفح، تجاهله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأخفقت تارة أخرى استراتيجية "عناق الدب".

من الممكن رؤية إخفاق كل رئاسة أمريكية يتجلى في سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي مازال العقبة الرئيسية في المفاوضات حول إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب المستمرة منذ تسعة شهور، بل هو عقبة أكبر بكثير من حماس ومن الوسطاء أو حتى من المفاوضين الإسرائيليين أنفسهم.

من أجل تكريس فكرة أن إسرائيل لن تسحب قواتها من حدود رفح أو من ممر فيلادلفيا، وهو الأمر الذي لا بد من تنفيذه بموجب المرحلة الأولى من الاتفاق الذي لم يلبث وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين يقول عنه إنه كان أمراً مقضياً، فقد زار نتنياهو رفح ليعلن من هناك، مرة أخرى، أن النصر بات وشيكاً.

ثم قصف رصيف نفط كبيرا في ميناء الحديدة اليمني خلال نهاية الأسبوع رداً على هجوم شنه الحوثيون يوم الجمعة على تل أبيب.

تهديد الاستقرار

سارع المعلقون الإسرائيليون إلى الحديث عن المغزى الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي.

كان ذلك أكثر من مجرد ضربة تكتيكية ضد الحوثيين، الذين يعرفون باسم أنصار الله، رداً على هجومهم بطائرة مسيرة على تل أبيب، والذي نجم عنه مقتل إسرائيلي وجرح عدد آخر، كما كتبوا.

كانت الضربة علي الميناء النفطي بمثابة رسالة إلى إيران، مفادها أن جزيرة خرق، ميناء تصدير النفط الرئيسي لديها، يمكن أن تكون هدف الضربة الانتقامية التالية التي تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية.

إلا أن الضربة الإسرائيلية كانت رسالة موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي الذي تزعم أنها جزء منه، ومفادها أن إسرائيل بإمكانها تعطيل خط الطاقة الحيوي في الشرق الأوسط.

كتبت المعلقة مورييل آي لوتان تقول: "كما تذكر هذه الخطوة المجتمع الدولي بالتداعيات الأوسع لانعدام الاستقرار في الإقليم، وذلك أن الاقتصاد العالمي مرتبط بشكل وثيق بالتدفق المستمر للنفط من الشرق الأوسط. إن أي انقطاعات كبيرة، وخاصة من موانئ تصدير رئيسية مثل جزيرة خرق، ستكون لها تبعات اقتصادية عميقة على العالم أجمع. من خلال إثبات إمكانية حدوث مثل هذه الانقطاعات، فإن إسرائيل تقوم ضمنياً بحث القوى العالمية على أخذ التهديد الإيراني على محمل الجد، ودعم الجهود التي تبذل من أجل تقويض النشاطات الإيرانية التي تهدد الاستقرار".

بمعنى آخر، لقد هددت إسرائيل صراحة استقرار تجارة النفط العالمية من خلال هجومها على ميناء الحديدة.

يعتبر ذلك إجراءً خطيراً آخر يتخذه نتنياهو قبل سفره إلى واشنطن استعداداً للخطاب الذي سوف يلقيه أمام الكونغرس هذا الأسبوع.

وكما يمكن أن يخبرك به أي قبطان يقود ناقلة نفط أو سفينة حاويات مسجلة لدى دولة غربية تعبر مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر، فإن الملاحة الغربية أكثر عرضة للهجمات الحوثية من عرضة الحوثيين أو إيران للهجمات الإسرائيلية.

وكذلك الحال بالنسبة لأرامكو في المملكة العربية السعودية، والتي انخفض إنتاجها إلى النصف بسبب هجوم بالطائرات المسيرة في عام 2019، أو ناقلات النفط التي تتوجه إلى موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة لتنقل النفط منها، والتي تظل تحت رحمة ألغام البحرية الإيرانية. كلا الدولتين الخليجيتين، السعودية والإمارات، تلقتا الرسالة التي تكشف عن مدى انكشافهما، وهي الرسالة التي مازالت سارية المفعول حتى اليوم.

إرث بايدن

ذلك هو إرث الفترة الرئاسية الأولى والوحيدة لبايدن، ففي عهده، وبتشجيع قوي منه، شنت إسرائيل على مدى تسعة شهور حرب إبادة جماعية، دمرت غزة وجوعت سكانها، ولكنها لم تنجح في خلع حماس، في الوقت الذي جرت فيه المنطقة بأسرها إلى حافة الحرب.

وفي عهده رفضت إسرائيل بشكل قطعي حل الدولتين، وفي عهده أصبحت بشكل رسمي دولة فصل عنصري من وجهة نظر القانون الدولي.

ها قد دخلت أمريكي في صدام مفتوح مع أرفع محكمتين دوليتين في العالم: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، بينما هي مستمرة في الزعم بأنها تدافع عن نظام دولي يقوم على القواعد والأحكام.

والأسوأ من ذلك كله أن بايدن سمح لإسرائيل بتجويع غزة عبر جميع معابرها البرية، ناهيك عن أن خط المساعدات الذي كان من المفترض أن يمر عبر الرصيف العائم المشؤوم الذي أقامته، صار الآن يمر عبر ميناء أشدود الإسرائيلي.

أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة ما زالت تمنع الأموال عن وكالة غوث اللاجئين (الأنروا)، الوكالة الأممية الوحيدة التي تعترف بوجود اللاجئين الفلسطينيين وذراريهم. بل لقد أجاز الكونغرس في شهر مارس (آذار) الماضي قانوناً يحظر تزويد الأونروا بأي تمويل إضافي حتى شهر مارس (آذار) من عام 2025.

بدلاً من أن تحقق إسرائيل الردع خلال هذه الحرب، ها هي قد خسرته تماماً.

إن حماس وحزب الله والمجموعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، والمجموعات المدعومة من قبل إيران في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، أكثر جرأة اليوم، وأقوى شكيمة، وأعلى قدرة من الناحية العسكرية، على رد الصاع بصاعين، بل وأكثر من أي وقت مضى خلال الصراع المستمر منذ 76 عاماً.

ما زالت شبكة الأنفاق في غزة سليمة، ولقد أثبتت حماس ذلك من خلال ضرب الدبابات الإسرائيلية في شمال ووسط وجنوب القطاع بشكل متزامن، ومن خلال توصيل الشريط إلي قناة الجزيرة العربية خلال ساعات.

لقد أذهل إسرائيل أن حماس ما زالت بعد تسعة شهور من الحرب تحتفظ بالتحكم الوطني بالقطاع.

بالإضافة إلى ذلك، اعترف الجيش الإسرائيل بأن حماس دمرت الكثير من الدبابات، وأنه لم يعد لديه من الدبابات ما يكفي لغزو لبنان.

في مرافعة قانونية لدى المحكمة العليا الإسرائيلية، ورداً على عريضة تطالب بإدماج النساء المقاتلات في سلاح المدرعات الإسرائيلي، قال الجيش إن كثيراً من دباباته أعطبت خلال الحرب على غزة وأنه لم يعد لديه ما يكفي من الذخيرة.

نشرت الصحيفة اليومية الإسرائيلية يديعوت أحرونوت نقلاً عن المرافعة المقدمة أمام المحكمة ما يأتي: "إن عدد الدبابات الشغالة في سلاح المدرعات غير كاف لاحتياجات الحرب ولا لإجراء تجارب على إدخال النساء فيه".

في شمال إسرائيل، كانت ضربات حزب الله بالمسيرات والصواريخ ضد الإشارات الإسرائيلية وعلى مراكز جمع المعلومات الاستخباراتية بالغة الدقة لدرجة أن أجزاء من جنوب لبنان غدت نقاطاً عمياء أمام المسيرات الإسرائيلية وأمام مختلف العمليات العسكرية الأخرى.

وحتى لو أراد الجيش الإسرائيلي شن هجوم لدفع حزب الله بعيداً عن الحدود وحمله على الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، فإن الجيش لم يعد في وضع يؤهله لفتح جبهة ثانية، فهو بحاجة إلى زمن وإلى ذخيرة لكي يتعافى مما حل به في غزة.

حقبة جديدة

لقد انتهت حقبة الحملات العقابية القصيرة من أجل "قص العشب" وفرض إذعان يستمر لسنين.

دخلت إسرائيل اليوم حقبة جديدة لم تعد فيها مجموعات المقاومة ترفع الراية البيضاء بعد بضعة أسابيع من القتال، ولم تعد تخرج إلى المنافي، وليس لديها الاستعداد للتخلي عما في أيديها من الرهائن بسهولة...

بل إنها ترد الصاع صاعين، وتكبد الدبابات والاحتياطيين الذين يقودونها ثمناً باهظاً، وتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسارة كبيرة. لقد ارتفعت تكلفة مثل هذه الحروب على إسرائيل بشكل مضطرد.

إضافة إلى ذلك فإن العالم العربي بأسره يغلي غضباً.

ولعل في حكاية الجندي السابق، الراحل أحمد عاهد المحاميد، من محافظة معان في جنوب الأردن، مؤشراً صغيراً ولكنه ذو مغزى كبير.

كميزة إضافية، فإنه بإمكان الجنود في الجيش الأردني التقدم بطلب قرض إسكاني من القوات المسلحة الأردنية بعد عشرين عاماً من الخدمة. ما لبثت عائلته أن اكتشفت بعد وفاته، بحسب ما أفادها به محاموه، أن أحمد المحاميد تبرع بكافة مبلغ القرض الذي حصل عليه لأهل غزة.

تنهال الأموال والأسلحة على الضفة الغربية المحتلة. كلما حل الليل بعد النهار، يتصاعد مستوى المقاومة في وجه الاجتياحات الإسرائيلية. خلال الشهر الماضي، استخدمت عبوات ناسفة قاتلة ومعقدة، مصممة على النمط العراقي، في شن هجمات على الجنود الإسرائيليين وعلى العربات المصفحة الإسرائيلية.

وفي هذا تكمن الخسارة الاستراتيجية الكبرى الثانية التي تمنى بها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.

إثر نجاحها في اعتراض معظم الصواريخ البالستية والمسيرات التي أطلقتها إيران رداً على الهجوم الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، وكثير من هذا الاعتراض وقع في المجال الجوي الأردني، تفاخرت إسرائيل بأنها تحظى بدعم جيرانها. ولكن هذا الكلام غير صحيح.

يدرك الحكام العرب جيداً مدى عجزهم عن الاستمرار في احتواء الغضب الشعبي داخل بلدانهم.

يعيش في أرض الأحلام كل من يتصور داخل إدارة بايدن المغادرة أو داخل إدارة ترامب القادمة أنه بعد انقضاء الحرب في غزة فإن المملكة العربية السعودية سوف تقدم بوداعة على التوقيع على اتفاقيات أبراهام، وأنه سيكون باستطاعة الولايات المتحدة وإسرائيل العودة إلى حقبة التطبيع مع الدول الخليجية الثرية وتجاوز الشعب الفلسطيني.

انتهت هذه الحقبة كذلك.

بالطبع، لربما ما زال وارداً أن يظهر توقيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على وثيقة يقدمها له ترامب، ولكن مثل هذا التوقيع سيعني أقل بكثير مما كان سيعنيه لو تم في يوم السادس من أكتوبر.

لقد فقدت إسرائيل القدرة على إملاء ما سيكون عليه مستقبل هذا الصراع. بإمكانها أن تبقي السلطة الفلسطينية على قيد الحياة مالياً، ولكنها اليوم في وضع لا يساعدها على إملاء أو هندسة من سيكون الرئيس الفلسطيني المقبل.

بمجرد أن يرحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سوف يرحل معه خليفتاه المختاران: حسين الشيخ، أمين عام منظمة التحرير الفلسطينية، أو ماجد فرج، رئيس جهازه الأمني. كلاهما يتمتعان بقوة كبيرة تحت إدارة عباس، ولكن لا يتمتع أي منهما بالشرعية أو النفوذ، ولا حتى داخل حركة فتح.

لقد ولت الصيغة السياسية المنتهجة ما بعد أوسلو، والتي كان يتم بموجبها تدقيق أو إملاء من ذا الذي يمثل الفلسطينيين ممنياً إياهم بالمباحثات التي لا تتم أبداً أو لا تفضي إلى شيء بتاتاً.

ينسب هذا الإنجاز إلى إسرائيل بقدر ما ينسب إلى حماس.

إسرائيل سفينة تغرق

في الأسبوع الماضي، صوت الكنيست بأغلبية ساحقة على رفض حل الدولتين، بما في ذلك ما يسمى بالمعتدلين في هذا الموضوع، زعيم المعارضة بيني غانتس وحزبه.

جاء في نص القرار ما يأتي: "سوف يشكل قيام دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل وعلى مواطنيها، وسوف يديم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويفضي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة".

وقال القرار إنها مسألة وقت ثم تسيطر حماس على الدولة الفلسطينية وتحولها إلى "قاعدة للإرهاب الإسلامي المتطرف". إلا أن الكلمات المفتاحية هنا، والرسالة الصهيونية الحقيقية، هي التي تعبر عنها الكلمات التالية: "في قلب أرض إسرائيل".

ليس هذا القرار، كما قال مصطفى البرغوثي، أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، مجرد إعلان وفاة لأوسلو...

وإنما هو أيضاً إعلان عن حل الدولة الواحدة، دولة ذات أغلبية يهودية تهيمن على الأرض من النهر إلى البحر. إنه الحل الذي يصنع دولة يهودية مرادفة لأرض إسرائيل التوراتية.

لم تزل تلك هي غاية الصهيونية من البداية.

ليس بإمكان أنصار حل الدولتين – وهؤلاء يتضمنون كل حكومة غربية والأمم المتحدة – الاستمرار في تجاهل هذه الحقيقة بالذات على الأرض. إن الزعيم الفلسطيني الذي يعترف بإسرائيل لا يكاد يجد أحداً يتحدث إليه.

لن تجد جهة تفوق الكنيست الإسرائيلي في فعل كل ما في وسعها من أجل تدمير النظرية التي تقول إن العقوبات الاقتصادية الدولية تعيق التقدم نحو تسوية سياسية تقوم على حل الدولتين. لقد بذل الكنيست من الجهد لدفن هذه الجثة بالذات أكثر مما بذله المستوطنون أنفسهم.

وهذا يقودنا إلى الأمر الرابع الذي تخسره إسرائيل بينما يستعد نتنياهو لإلقاء خطابه أمام الكونغرس: ألا وهو الرأي العام العالمي.

بات جيل كامل من الشباب الأمريكي يرى أن إسرائيل لن تسمح بتاتاً لدولة فلسطينية بأن تنشأ، وغدت القضية الوطنية الفلسطينية القضية الحقوقية الإنسانية الأولى في العالم.

بإمكان نتنياهو أن يحقر من شأن الحكم التاريخي الذي صدر الأسبوع الماضي عن محكمة العدل الدولية، وأن يعتبره "سخيفاً".

فقد قال نتنياهو في تغريدة عبر حسابه على منصة إكس: "إن الشعب اليهودي ليس محتلاً في أرضه، بما في ذلك في عاصمتنا الأبدية القدس ولا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وطننا التاريخي".

ولكنه محتل بالفعل من وجهة نظر الرأي العالمي ومن وجهة نظر القانون الدولي.

أنجز قرار المحكمة عدة أمور. لقد فند الحجة التي لم تزل تستخدمها كل من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة سعياً لنزع الصلاحية من محكمة العدل الدولية للنظر في أفعال إسرائيل داخل الأراضي المحتلة، بذريعة أنه بموجب اتفاقيات أوسلو، لا يحق للسلطة الفلسطينية محاكمة القوات الإسرائيلية.

قالت محكمة العدل الدولية إن القانون الدولي يفوق المعاهدات.

من خلال القول ليس فقط إن احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية غير شرعي وينبغي أن تتم إزالته "في أسرع وقت ممكن"، وإنما أيضاً ينبغي على كل دولة عضو في محكمة العدل الدولية العمل على تحقيق ذلك وجوباً، منحت محكمة العدل الدولية مساندتها للحركة الدولية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس). كما أنها أعلنت أن إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتايد).

سوف تتجاهل الولايات المتحدة الآن ما صدر عن المحكمة من قرار.

خلال الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، لم يجد وزير خارجيته مايك بومبيو صعوبة في فرض عقوبات على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسوده، وعلى مسؤول آخر كبير في مكتب ادعاء المحكمة اسمه فاكيزو موتشوتشوكو، بالإضافة إلى تقييد منح التأشيرات لعدد آخر ممن لهم علاقة بالتحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية. لا ريب في أن ذلك من الممكن أن يتكرر.

إلا أن أوروبا، القارة التي تقوم وحدتها وهويتها على أكتاف المؤسسات التي أنشأتها، ستواجه صعوبة أكبر في تيتيم طفلها الوحيد، محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وهذا أمر سيعني إسرائيل، لأن إسرائيل، فوق كل اعتبار، يقطنها أحفاد المهاجرين الذين لجأوا من أوروبا.

وإلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان سوف يلجأ الإسرائيليون إذا ما خسروا هذا الصراع وأجبروا على التفاوض مع الفلسطينيين.

لماذا يحرص كثير من الإسرائيليين في هذا الوقت بالذات على الحصول على جوازات سفر أوروبية؟ ما كانوا ليحرصوا على الحصول على ثقب مسمار في أي مكان لو أنهم كانوا واثقين من البقاء في الأراضي الفلسطينية التي يستعمرونها.

لا ريب في أن مثل هذا القرار سوف يعزز الرأي العام ويشكل ضغطاً على الحكومات في كل أرجاء أوروبا حتى تغير من سياساتها. ترتد الحكومات نفسها الآن على أعقابها، بل وتواجه صعوبة بالغة في تبرير عقود التسليح التي أبرمتها مع إسرائيل.

تقوم محكمة العدل الدولية بأمر آخر. لا توجد لديها قوة تتمكن من خلالها من إنفاذ أحكامها، ولكنها تسمح لأي محكمة في أي دولة عضو، لديها صلاحيات بالحكم على سياسة الحكومة، بأن تتحدى مبيعات السلاح أو أي عقود تجارية يتم إبرامها مع إسرائيل.

إذا ما فقدت إسرائيل الموقف الأخلاقي، وإذا أصبحت رسمياً دولة فصل عنصري – وليس فقط في رأي المنظمات غير الحكومية، وإنما في رأي أرفع المحاكم الدولية – إذا ما أوجدت ملايين المعارضين لها حول العالم، فإن كثيراً من الشركات سوف تتوقف عن الاتجار مع إسرائيل. بل إن المقاطعة العالمية لإسرائيل ماضية حالياً.

إن فقدان القدرة الردعية، والتخلي عن المفاوضات من خلال الإعلان الواضح بأن جميع الأرض هي ملك للشعب اليهودي، وخسارة الرأي العام، والآن الإدانة القانونية من قبل القانون الدولي – ينبغي أن يدفع كل ذلك الإسرائيليين البراغماتيين نحو خلاصة واحدة: حان الوقت لوقف القتال والبدء بالكلام.

في هذه اللحظة بالذات، كل المؤشرات تدل على أنهم عالقون في السفينة الغارقة ويغرقون معها.

ميدل إيست آي