سياسة عربية

جدل وانقسام بتونس حول الانتخابات الرئاسية بشأن شروط التنافس ومعايير النزاهة

كشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن تعديلين جديدين في شروط الترشح- الأناضول
تشهد الساحة التونسية جدلا وانقساما بشأن الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، بين من يعتبر أن شروط إجرائها "ديمقراطية ونزيهة"، وبين من يرى المناخ السياسي بالبلاد "لا يساعد على إجراء انتخابات حرة وشفافة".

وفي 2 تموز/ يوليو الحالي دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، المواطنين إلى انتخابات رئاسية في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، بعدها أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الـ4 من الشهر ذاته أن قبول الترشح للانتخابات يبدأ في 29 تموز/ يوليو ويستمر حتى 6 آب/ أغسطس القادم.

وخلال مؤتمر صحفي، كشف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر عن تعديلين جديدين في شروط الانتخابات المقبلة وفق الدستور المعدل عام 2022، وهي التعديلات التي لم يتم تضمينها بعد في قانون الانتخابات المعمول به في البلاد.


وتستند التعديلات الجديدة على المادة 89 من الدستور التي تنص على أن "الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب وأم، وجد لأب، وجد لأم تونسيين، وكلهم تونسيون دون انقطاع".

وأن يكون المرشح أو المرشحة يوم تقديم ترشحه بالغا من العمر 40 سنة على الأقل، ومتمتعا بجميع حقوقه المدنية والسياسية، بحسب المادة ذاتها.

كما ألزمت الهيئة في شروطها الجديدة وجوب حصول المرشح على "بطاقة عدد 3" المتعلقة بالسوابق العدلية، لإثبات عدم وجود موانع قانونية لديه، وهو الشرط غير المنصوص عليه في النسخة المعدلة من الدستور لعام 2022.

وبطاقة عدد 3 (بطاقة السوابق العدلية) غير موجودة في الدستور ولكن معمول بها في الانتخابات السابقة التي جرت منذ فرض الإجراءات الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021، وجاءت وفق المرسوم الرئاسي الصادر في أيلول/ سبتمبر 2022 الذي عدل القانون الانتخابي، قبيل انتخابات مجلس النواب.

وسبق وأعلنت جبهة الخلاص الوطني، أكبر ائتلاف للمعارضة في نيسان/ أبريل الماضي أنها لن تشارك في الانتخابات؛ بداعي "غياب شروط التنافس".

وقاطعت المعارضة كل الاستحقاقات التي تضمنتها إجراءات سعيد الاستثنائية في تموز/ يوليو 2021، وشملت حلّ مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

وتعتبر قوى تونسية تلك الإجراءات "انقلابا على دستور الثورة (عام 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

غياب شروط المنافسة
من جهته، عبّر المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة" عضو جبهة الخلاص الوطني المعارضة، رياض الشعيبي عن أسفه من "أن شروط الانتخابات النزيهة غير متوفرة".

وقال الشعيبي: "صحيح تم تحديد موعد الانتخابات، ولكن الإطار القانوني للترشحات لا يزال غير واضح، فهل من حق هيئة الانتخابات أن تضيف شروطا جديدة في شروط الترشح"، في إشارة لتلك التي أُضيفت استنادا لمواد الدستور لكن دون إدراجها لقانون الانتخابات.

واعتبر أن "أغلب فقهاء القانون يقولون: ليس من صلاحيات الهيئة القيام بذلك".

وأضاف: "الشروط وقع التنصيص عليها ضمن أمر ترتيبي عن الهيئة لم يظهر إلى حد الآن في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية التونسية) ليصبح قانونيا".

وأوضح أنه في "الأصل أن تكون هذه التعديلات (الصادرة عن هيئة الانتخابات) في قانون يصادق عليه مجلس النواب وليس من صلاحيات الرئيس أن يصدر مرسوما يغير بمقتضاه تفسير شروط الترشح، ولا من صلاحيات هيئة الانتخابات إصدار أمر ترتيبي يغير شروط الترشح".

والسبب الثاني لعدم توفر مناخ انتخاب ملائم، وفق الشعيبي هو أن "هناك مرشحين في السجون ومعتقلين وآخرين ممنوعون من العودة إلى البلاد وبقية المترشحين محل ملاحقات قانونية بسبب آرائهم السياسية".

وقال: "لا نعرف كيف سيتم التعاطي مع مثل هذا الموضوع".

ضغط متواصل ومكثف على المعارضة
وحول ما إذا ستكون الانتخابات الرئاسية فرصة لتجاوز الأزمة الراهنة، قال الشعيبي: "المناخات الانتخابية هي هرسلة (عملية ضغط متواصلة ومكثفة) على المعارضة، وخاصة في ظل المرسوم 54 المهدد لحرية التعبير".

واعتبر أنه "من الصعب جدا" أن تجرى حملة انتخابية في ظل هذا المرسوم، مبينا أن المناخ السياسي لا يزال "غير متوفر لنجزم أن الانتخابات ستكون شفافة ونزيهة".

لكنه شدد على أن الحركات والتيارات السياسية في تونس "تناضل من أجل أن تكون الانتخابات فرصة لتجاوز الأزمة السياسية".

وتابع: "رغم التجاوزات والإخلالات الإجرائية والسياسية إلا أننا أعربنا عن موقفنا ورغبتنا في المشاركة بالانتخابات، وقلنا إننا سنناضل من أجل توفير شروط انتخابات نزيهة".

وأوضح: "لا نكتفي بالتحليل والاستشراف، لكننا اعتبرنا أن خطة عملنا في هذه المرحلة تقتضي أن نناضل من أجل الدفاع عن هذه الشروط التي تعتبر مكاسب لجميع التونسيين".

ولفت الشعيبي إلى أن المشاركة في الانتخابات تحتمل مجموعة من الصيغ: "قلنا منذ البداية إننا ندافع عن مبدأ المشاركة في الانتخابات، رغم أننا لم نقدم مرشحا من داخل الحركة (النهضة)".

وأشار إلى البيان الأخير لحركته، قائلا: "فسحنا المجال لكل أبناء الحركة لتقديم التزكيات اللازمة للمرشحين حسب قناعاتهم الشخصية من منطلق الدفاع عن حق الجميع في الترشح للانتخابات القادمة، ومن هذا المنطلق أعطينا ضوءا أخضر لأبناء الحركة دون دعم أي مرشح".

الرئيس ملتزم بدستور 2022
وعلى النقيض، رأى محمود بن مبروك أمين عام حزب "مسار 25 جويلية" (موال للرئيس سعيد) أن رئيس الجمهورية "التزم بدستور 2022 ودعا التونسيين لإجراء الانتخابات قبل 3 أشهر من تاريخها لتجديد الشرعية".

وأوضح أن هذه الخطوة جاءت "ردا على عديد الأشخاص الذين قالوا إن الرئيس يريد الحفاظ على الحكم ولن ينجز انتخابات".

وقال: "الآن هناك 22 مرشحا، والباب مفتوح لكل التونسيين وهناك شروط عامة ستنطبق على الجميع والمفروض أن الترشح لرئاسة الجمهورية يكون بشروط خاصة، وألا تحوم حول المترشحين شبهات حتى لا يترشح أي كان للرئاسة".

واعتبر بن مبروك أن الانتخابات ستتم "في ظروف ديمقراطية".

وحول الشروط الجديدة قال: "أكثر من 40 سنة عمر مقبول جدا لأنه لا يمكن إعطاء مسؤولية البلاد لمن عمره 20 أو 30 سنة".

وتابع: "شروط جمع التزكيات كانت متنوعة ولم تحصر في مجال واحد مثل البرلمان أو غيره، وجمع التزكيات مفتوح للجميع".

وفيما يتعلق بالموانع السياسية أوضح: "هناك بطبيعة الحال، نوع من الجرائم تمنع أخلاقيا الشخص من القيام بدور سياسي".

وأردف: "هناك جرائم معينة تمس من سيادة الشعب التونسي، وهي المتعلقة بالتآمر على أمن الدولة، وهي جرائم كبيرة فيها عقوبات تكميلية تمنع الممارسة السياسية".

وتشهد تونس منذ شباط/ فبراير 2023 حملة توقيفات شملت إعلاميين ونشطاء وقضاة ورجال أعمال وسياسيين، بينهم رئيس "النهضة" راشد الغنوشي وعدد من قياداتها، منهم علي العريض ونور الدين البحيري وسيد الفرجاني.

واتهم الرئيس التونسي بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار"، وهي اتهامات تنفي المعارضة صحتها.

ويقول سعيد إن منظومة القضاء مستقلة ولا يتدخل في عملها، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة رافضي الإجراءات الاستثنائية التي فرضها في 25 تموز/ يوليو2021.

على المعارضة تغيير وجوهها
وردا على مخاوف التيارات المعارضة وبينها تصريحات الشعيبي، قال بن مبروك إن "من بين 12 مليون تونسي وقفنا فقط على بعض الأسماء التي كانت موجودة في الساحة، ممن كانوا وزراء وفي البرلمان".

ورأى بن مبروك أن بعض الأسماء التي تشير إليها المعارضة في حديثها "مرتبطة بحقبة سياسية معينة ومشهد سياسي قاتم كله فلكلور في البرلمان وخصومات رفضها الشعب".

وأعرب عن تأييده لإرساء "منظومة ووجوه سياسية جديدة"، مبينا أن "من تتوفر فيه الشروط، فإن هيئة الانتخابات ستقبل ترشحه ولن تحصل تضييقات بالحملة الانتخابية".

وتحدث بن مبروك عن توافر إجراءات لدى هيئة الانتخابات تدعم أن "كل من له برنامج في كامل تراب الجمهورية لن تتم معارضته من قبل هيئة الانتخابات أو السلطة، والفيصل هو المواطن، الذي سيقرر".

وتابع: "التداول على السلطة أمر مشروع وعليهم (المعارضة) الإيمان بأن الكرسي لا يجب أن يبقى عند شخص معين، وإذا كانت لديهم أحزاب فليرشحوا أشخاصا آخرين ولا نقف عند أشخاص معينين".

وفند متسائلا: "من بلغ عمر 80 سنة ماذا سيضيف ونحن جربنا مع (الرئيس الراحل) الباجي قايد السبسي (2014-2019) هناك حضور ذهني وصحي ضروري للرئاسة".

جبهة لدعم سعيّد
وفي سياق الاستعداد لحملة الانتخابات، قال إن "مسار 25 جويلية" سيقدم الدعم للرئيس الحالي في الانتخابات القادمة، عبر جبهة يتم تشكيلها.

وقال: "الجبهة ستتشكل من أحزاب وجمعيات ونشطاء منها حزب مسار 25 جويلية، وحزب حراك 25 جويلية بقيادة صالح بوكراع وتحالف أنصار الوطن، وتحالف أحرار (الناطق باسمه أحمد الهمامي) وتنسيقيات جهوية ومحلية داعمة للرئيس وجمعيات أخرى".

وأشار إلى أن الإعلان رسميا عن الجبهة "سيكون قريبا" وأنه سيكون (بن مبروك) الناطق باسمها.

مرحلة ما بعد الانتخابات
وتطرق بن مبروك إلى انتظاره حصول انفراجات بعد الانتخابات.

وقال: "رئيس الجمهورية عندما دعا للانتخابات خفف من وطأة أي احتقان سياسي، وكان بإمكانه الاحتكام للدستور واعتبار أن عهدته تبدأ من المصادقة على الدستور في تموز/ يوليو 2022 وحتى 2027، ولكنه اختار تجديد العهدة لأخذ الشرعية".

واعتبر بن مبروك أن قرار سعيد بإجراء الانتخابات "تفنيد لأي احتقان سياسي أو تفرد بالسلطة"، مرجحا أنه "إذا جدد الرئيس العهدة يمكنه أن يعفو عن بعض المساجين وتنقيح المرسوم 54".

وأردف: "متوقع أن يحصل انفراج سياسي حتى لا يقال إننا بصدد إعادة مشهد ما قبل 2011 (نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)".