في خطوة مفاجئة أحدثت
جدلا واسعا، قرر رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، تعيين اللواء عبد المجيد
صقر، الذي كان يشغل منصب محافظ السويس، والعسكري المتقاعد وزيرا للدفاع وترقيته
ترقية مزدوجة من لواء إلى فريق أول وإعفاء الفريق أول محمد زكي.
وتولى صقر عقب تقاعده
وخروجه من الخدمة العسكرية قبل سنوات منصب محافظ السويس في سبتمبر عام 2018، وشغل
عدة مناصب منها مساعد وزير الدفاع عام 2015، ورئيس إدارة الشرطة العسكرية ثم نائب رئيس
الإدارة.
تزامن هذا التغيير–
غير التقليدي- مع انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، الذي قاده السيسي بدعم من المجلس
العسكري آنذاك، ولعب وزير الدفاع السابق الفريق أول محمد زكي الذي كان يشغل منصب
رئيس الحرس الجمهوري في ذلك الوقت دورا محوريا في القبض على الرئيس الراحل
محمد مرسي واعتقاله ونقله إلى مكان مجهول.
هذا القرار، الذي جاء
بعيدًا عن التوقعات التقليدية بتعيين أحد قادة الجيش الحاليين ومن خارج المجلس
العسكري الحالي أثار العديد من التساؤلات حول دوافع هذا الاختيار وتداعياته على
هيكل القيادة العسكرية في مصر.
وكانت الحكومة الجديدة
بقيادة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أدت اليمين الدستورية أمام السيسي اليوم.
تجاهل القيادات
العسكرية
يأتي قرار تعيين صقر
من خارج المجلس العسكري ومن خارج الخدمة العسكرية بمثابة خطوة غير تقليدية في
تاريخ
الجيش المصري، الذي يعتمد عادة على ترقية ضباط الخدمة الفعلية.
تجاهل السيسي لقيادات
الجيوش والأفرع ورئيس هيئة الأركان يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا
الاختيار.
في غضون ذلك، أصدر
السيسي حركة تنقلات جديدة حيث أطاح بالرجل القوي الفريق أركان حرب أسامة عسكر رئيس
الأركان وتم تعيين الفريق أحمد فتحي إبراهيم خليفة بدلا منه.
كما أصدر السيسي
قرارات جديدة من بينها منح القيادات العسكرية التي قام بتغييرها مناصب شرفية جاءت
كالتالي:
الفريق أول/ محمد أحمد
زكي محمد، مساعداً لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع.
الفريق/ أسامة أحمد
رشدي عبد الله عسكر، مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية.
اللواء/ محسن محمود
علي عبد النبي، مستشاراً لرئيس الجمهورية للإعلام.
دوافع السيسي لاختيار
صقر وتغييرات اللحظة الأخيرة
بحسب خبراء ومراقبين
هناك عدة تفسيرات محتملة لهذه الخطوة:
يُعتقد أن السيسي يبحث
عن ولاء شخصي مطلق من وزير الدفاع لضمان استمرارية سيطرته المطلقة على المؤسسة
العسكرية، وقد يرى في صقر الشخص المناسب لذلك.
قد يتخوف السيسي من
تزايد نفوذ القادة العسكريين الحاليين، ورأى في تعيين شخصية من خارج الخدمة وسيلة
للتحكم في النفوذ المتنامي داخل المؤسسة العسكرية.
من المحتمل أن يكون
هذا الاختيار قد تم بعد تشاور مع أجهزة المخابرات لضمان أن الوزير الجديد لا يمتلك
نفوذا شخصيا قويا داخل الجيش يمكن أن يهدد سلطة الرئيس.
كانت الترتيبات بخصوص
تعيين وزير جديد للدفاع تختلف عن تلك التي حدثت، بحسب مصادر لـ"عربي21"،
والتي كشفت أن وزير الدفاع السابق محمد زكي يعاني من المرض وفي حالة متقدمة وأنه
لا يستطيع الاستمرار حتى حركة تنقلات كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وأوضحت المصادر أن
التعجيل بإعفاء زكي من منصبه جاء لعدة أسباب "من بينها إخراج القائد العسكري
رئيس الأركان الفريق أسامة عسكر من المشهد مع وزير الدفاع حتى لا يثير ذلك تكهنات
بشأن وضع عسكر، والسبب الآخر هو أن زكي حالته الصحية متأخرة ومتدهورة".
المرشح الرئاسي السابق
والسياسي المصري، الدكتور أيمن نور، وصف التعيينات الجديدة بأنها "مفاجأة
الربع ساعة الأخيرة التي تثير تساؤلات حول: موقف المجلس الأعلى في ظل المادة 234
التي تتطلب موافقته أولا فهل عرض الأمر على المجلس أولا أم لم يعرض؟!، هل هناك
علاقة بين هذه المفاجأة وتأخر إعلان الحكومة لمدة شهر؟!".
وأضاف نور في تغريدة
له: "إذا كانت موافقة جهة ما -وفقاً للدستور- وجوبية قبل صدور قرار فهل يجوز أن تكون
الموافقة لاحقة عليه؟! وهو ما يسمى بالتصحيح اللاحق؟! ولو افترضنا وجود موافقة
سابقة من المجلس الأعلى للقوات المسلحه فلماذا تم نشر اسم الفريق محمد ذكي وزيرا للدفاع أمس وحتى دقائق معدودة سابقة".
ويرى الباحث بالشأن
العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، أن
التعيينات الجديدة "غير معتادة وتخرج عن المألوف"، وقال: "تغيير زكي
من وجهة نظري ليس مستغربًا وكان متوقعًا، الملفت أن بديله ضابط متقاعد تارك للمجال العسكري وهذا أمر غير اعتيادي".
مضيفا
لـ"عربي21": "عبد المجيد صقر انحصر عمله في المدفعية والشرطة
العسكرية والحرس الجمهوري، فهل الجيش ليس به شخصية عاملة مؤهلة لمنصب الوزير
قيادات جيوش أو مناطق أو رؤساء أفرع رئيسية بالطبع لا".
وتابع: "السؤال
هنا هل صقر هو يوسف أبو طالب جديد وبعد فترة قصيرة سنرى الوزير الجديد الذي يريده
السيسي في ذلك المنصب في فترة رئاسته الثالثة؟ وذلك كما تم بعد إقالة مبارك
للمشير أبو غزالة في أواخر الثمانينات وأتى مبارك بيوسف صبري أبو طالب وكان محافظا أيضًا لتهدئة الأجواء داخل الجيش إلى أن عين رجله المناسب "طنطاي"
بعد فترة قصيرة من تعيين أبو طالب".
في الختام اعتبر جمال
أن إزاحة الفريق عسكر أيضا من المشهد بالتزامن مع إعفاء وزير الدفاع محمد زكي
"تعني سيطرة مطلقة من السيسي على الجيش، وهذه القرارات بلا شك تثير حفيظة قادة
الجيش المخضرمين الذين لا يعجبهم المجيء بوزير خارج الخدمة وعلى المعاش ومن بينهم
الأجدر والأقدر".
تخوفات السيسي
في تعليقه يقول الباحث
في الشأن الأمني المصري، مهند صبري، إن "تعيين السيسي لوزير دفاع من خارج
دائرة القيادات الحالية في المؤسسة العسكرية لا يفهم إلا من خلال شخصية السيسي
وتخوفاته".
مضيفا
لـ"عربي21": "وزير من خارج دوائر السيطرة داخل المؤسسة العسكرية
معناه ولاء هذا الشخص، أيا كان، لمن أتى به وأغدق عليه بمنصب وزير الدفاع، للسيسي
شخصيا وليس لمهام عمله وما يقسم عليه حين التعيين".
حملة تصفية ومناصب
شرفية
سياسيا، وصف السياسي
المصري والبرلماني السابق، محمد عماد صابر، التعيينات والتغييرات الجديدة بأنها
"انقلاب جديد قام به السيسي هذه المرة على المؤسسة العسكرية نفسها وفي
3/7/2024 بعد 11 سنة من انقلابه الأول، فأطاح بوزير الدفاع ورئيس الأركان في
اللحظات الأخيرة وأتى بعسكري متقاعد ترك الخدمة منذ سنوات تم تسريب اسمه لوسائل
الإعلام بوصفه وزيرا للتنمية المحلية، وبهذا الخداع الاستراتيجي تخلص من آخر
الشخصيات القوية على رأس
وزارة الدفاع، والاختيار بهذا الشكل يعني أن هناك صراعا بين السيسي وقيادات داخل الجيش".
ورأى في حديثه
لـ"عربي21": "الجيش المصري ليس ضمن الجيوش الحديثة التي تختار أو
تتبنى فكرة سياسيين لوزارة الدفاع، وبالتالي وزير الدفاع الحقيقي الآن هو السيسي
نفسه وعبد المجيد صقر مجرد واجهة، وعلينا أن ننتظر الجديد وما يسفر عنه المشهد
لاحقا، وخاصة مع استمرار غياب المعلومات وعدم الشفافية".
وأضاف صابر:
"محمد زكي خان الرئيس الشهيد محمد مرسي- وقت أن كان رئيسا للحرس الجمهوري-
فهو شريك في الانقلاب، والسيسي يعرف تفاصيل اللعبة السابقة.. ويبدو أن أجهزة
مخابرات السيسي شعرت أن هناك احتمالية تحركات ثورية قادمة فأشارت عليه بإقالة
حكومة مدبولي بهدف إقالة وزير الدفاع محمد زكي".
وتصدر القرار منصات
التواصل الاجتماعي عبر أكثر من وسم وانخرط نشطاء وسياسيون في التعليق عليه بعد أن
أحدث جدلا واسعا.
وتفاعل البعض بشكل
ساخر مع نشر المطرب الشعبي المثير للجدل، محمد كمال، صورته مع وزير الدفاع الجديد،
على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.