ثمة حقائق ماثلة للعيان تؤكد حصول متغيرات نوعية في صورة إسرائيل الراهنة، فعلى رغم قدرة الدبلوماسية الإسرائيلية على بناء علاقات متشعبة مع دول العالم بدعم أمريكي وغربي مطلق، وخاصة بعد عقد مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991؛ ويلحظ المتابع بوضوح تفشي ظاهرة العنصرية الإسرائيلية وارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب
الفلسطينية في كافة أماكن تواجده على مدار الساعة منذ تشرين أول /أكتوبر الماضي، وهي امتداد لعمليات الإبادة التي تقوم به إسرائيل منذ إنشائها عام 1948، وقبل ذلك على يد العصابات الصهيونية.
الحقيقة صورة
أدت عمليات تقتيل الجيش الإسرائيلي للأطفال وتدمير المدارس والمشافي والمساكن على رؤوس ساكنيها في قطاع
غزة وفي الضفة الغربية، وكذلك عمليات الاغتيال الممنهجة، أدت بمجملها إلى توضيح صورة
الاحتلال وفاشيته المتوحشة دون أدنى شك، الأمر الذي دفع الكثير من شعوب العالم إلى التظاهر والاحتجاج في عدد كبير من مدن العالم داعماً للحق الفلسطيني ومناهضة الإرهاب الإسرائيلي؛ وذلك على الرغم من تبنِّي النظم الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للروايات الإسرائيلية، وما تحمله من محاولات لشيطنة كل ما هو فلسطيني بعد “عملية طوفان الأقصى”، والتي قضت على سرديات كاذبة أخرى فيما يخص أسطورة “جيش الاحتلال الذي لا يُقهر”.
اللافت هنا أنه بات للإعلام بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعي أهمية فائقة ودور محوري للفلسطينيين ومناصريهم في المهجر، لإيصال رسائل الحق الفلسطيني جنباً إلى جنب مع التأكيد على أهمية احترام القوانين والآليات والضوابط القانونية لكل بلد.
ينبغي كتابة تقارير مختصرة ومتعددة اللغات لشرح مفاصل القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على الإرهاب الإسرائيلي المنظم.
آلية التواصل
ولذلك، فإن اعتماد آلية التواصل والانفتاح على المجتمعات كاستراتيجية تعتبر أمراً ذا أهمية بالغة. يتطلب الأمر تشكيل مجموعات إعلامية وثقافية فلسطينية في تلك المناطق، تقوم بإنتاج مواد إعلامية تعكس الرواية الفلسطينية وتسعى للتواصل مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على بناء علاقات مستدامة مع المؤسسات والجمعيات في تلك الدول.
يتطلب التحقيق في القضايا الفلسطينية جهداً مكثفاً، مع التركيز على قضايا جوهرية مثل حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم، وقضيتي القدس والمستعمرات.
ينبغي كتابة تقارير مختصرة ومتعددة اللغات لشرح مفاصل القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على الإرهاب الإسرائيلي المنظم.
مجرمو الحرب
هناك سبل عدة لإنجاح دور وحراك الفلسطينيين والمناصرين للحق الفلسطيني في المهاجر البعيدة في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا على كافة الصعد، وفي مقدمتها الوسائل الإعلامية المتاحة، ولا بدَّ من الاعتماد على الجهود والإمكانيات والمهارات الذاتية الكامنة والكبيرة والتي ظهرت بشكل جلي منذ تشرين الأول /أكتوبر ويمكن الاستفادة منها لفضح المجازر الإسرائيلية المستمرة يومياً في غزة والضفة، ووقف سياسته ومحاولاته القمعية في كم الأفواه في الداخل الفلسطيني.
وكان من أبرز تداعيات استمرار مجازر الاحتلال على امتداد الوطن الفلسطيني، ارتفاع وتيرة الضغوط الشعبية وكذلك زيادة المناصرين للقضية أو الحق الفلسطيني في عدد كبير من المدن الغربية وكندا وأستراليا، بل وحتى داخل البرلمانات الغربية ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى أعضاء بعض الأحزاب، ما شكَّل ضغطاً على الأنظمة الغربية الداعمة لدولة الاحتلال الصهيوني وسياساتها المتمثلة بإبادة الشعب الفلسطيني والتي طالت البشر والحجر، وهذ بدوره سيغيّر تدريجياً مواقف بعض الدول المنحازة للاحتلال وسياساته الاحتلالية التوسعية.
ويمكن استشراف ذلك من خلال تصريحات بعض مسؤولي المؤسسات الرسمية في بعض الدول الداعمة، حول ضرورة فتح ممرات إنسانية لقطاع غزة لإيصال الغذاء والماء لأكثر من مليونين وثلاثمائة ألف فلسطيني يتعرضون للإبادة الجماعية.
كل ذلك سيشكل مزاجاً عاماً ضاغطاً على الحكومات الغربية وأستراليا وكندا، الأمر الذي يمهد الطريق لإمكانية تغيير مواقف تلك الدول إزاء دعمها للاحتلال بشكل تدريجي على المدى المتوسط، لكن بلا شك يتطلب أيضاً جهوداً كبيرة شعبية فلسطينية وعربية ومن المناصرين لاستمالة الرأي العام في الغرب وزيادة الضغوط على النظم الغربية لتغيير موقفها تجاه الحق الفلسطيني وإدانة الاحتلال وسياساته التعسفية الإجرامية إزاء الشعب الفلسطيني.
وقد يكون ذلك مقدمات حقيقية لمقاطعة إسرائيل الفاشية على كافة الصعد وعزلها، وتالياً محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين واقتيادهم الى المحاكم الدولية ذات الاختصاص لنيل عقابهم.
المصدر: القدس العربي