تحدثت صحيفة "فاينانشال تايمز"
البريطانية عن استراتيجية
السعودية تجاه
التطبيع مع
الاحتلال الإسرائيلي في
المرحلة الحالية، مؤكدة أنها "انقلبت" بسبب الغضب الشعبي من الحرب على
قطاع
غزة.
وقالت الصحيفة في تقرير لها إن "الرياض
وجدت نفسها تقف بين الداعم الشعبي للفلسطينيين والضغوط الأمريكية لتطبيع العلاقات
مع إسرائيل"، منوهة إلى أن السعودية اقتربت قرب الحرب من التوصل إلى اتفاق
للتطبيع، لكن هجوم "حماس" أوقف هذه المساعي.
وتابعت: "يشعر قادة السعودية الآن بالقلق
إزاء التهديد الذي يشكله الصراع المطول في غزة على فرصها في استئناف تلك العملية،
وكذلك على خططها الطموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتماسك المملكة".
وذكرت أن المسؤولين في الرياض دعوا مرارا
وتكرارا إلى وقف الحرب، واتهموا إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، كما أنهم يخشون
من أن الصور الوحشية التي تأتي من غزة قد تؤدي إلى تطرف شباب سعودي.
وأورد التقرير قصة موظف حكومي سعودي أوقفته
الشرطة في الشارع لأنه كان يرتدي قميصا كتب عليه "فلسطين"، وقال له ضباط
الشرطة حينها: "نحن مؤيدون لفلسطين لكن لا تفعل ذلك".
ورحبت السعودية بصدور قرار مجلس الأمن الدولي
الرامي إلى وقف اطلاق النار، مجددة "مطالبتها المجتمع الدولي بالاضطلاع
بمسؤوليته.. والتأكيد على ضرورة إنهاء المعاناة وتوفير الأمل للشعب الفلسطيني
وتمكينه من الحصول على حقوقه".
وحصلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على أموال من السعودية، وفق المفوض العام
للأونروا فيليب لازاريني.
وقال وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، خلال اجتماع
لمجلس حقوق الإنسان عقد في مقر الأمم المتحدة في جنيف، في فبراير إن "أي حوار
مؤسسي بشأن حقوق الإنسان لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، إذا كان يتجاهل الوضع
المأساوي في فلسطين".
ومع ذلك، وحتى مع انتشار الغضب الشعبي في جميع
أنحاء المملكة، فإن الولايات المتحدة تدفع بإمكانية تطبيع المملكة للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لدفع الأخيرة
نحو تسوية تنهي صراعها مع الفلسطينيين، وفق "فاينانشال تايمز".
ولا تعترف السعودية بإسرائيل، ولم تنضم إلى
"اتفاقات إبراهيم" التي طبعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب
علاقاتها مع تل أبيب.
لكن في الأشهر التي سبقت هجوم "حماس" في 7 أكتوبر،
الذي أدى إلى اندلاع الحرب، كانت المملكة تتجه نحو صفقة تطبيع تشمل إبرام معاهدة
دفاع جديدة مع واشنطن، واتفاق لنقل التكنولوجيا النووية.
وكان من المقرر أن يسافر وزير الخارجية
الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى الرياض في أكتوبر للتوصل إلى اتفاق مع الجانب
الفلسطيني، لكن هذه الخطط انقلبت رأسا على عقب عندما شنت "حماس" هجومها، وفق الصحيفة.
ومع ذلك، فقد قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال
فعالية انتخابية، في نيويورك، إن دولا عربية، من بينها السعودية، "مستعدة
للاعتراف الكامل بإسرائيل في اتفاق مستقبلي".
وأوضح بايدن، وفق وكالة بلومبيرغ الأمريكية، ردا
على مقاطعات بعض الحضور وانتقاداتهم لسياسته في الشرق الأوسط المتعلقة بحرب غزة:
"لقد عملت مع السعوديين ومع جميع الدول العربية الأخرى، ومن بينها مصر
والأردن وقطر.. إنهم مستعدون للاعتراف الكامل بإسرائيل".
وتابع حديثه بالقول إنه "يجب أن تكون هناك
خطة لما بعد حرب غزة" بجانب السعي نحو حل الدولتين، مؤكدا أن "هذا لا
يجب أن يحدث اليوم.. يجب أن يكون هناك تقدم وأعتقد أن لدينا القدرة على القيام
بذلك".
وأكد وزير الخارجية الأمريكي، خلال زيارة إلى
السعودية، في فبراير الماضي، أن المملكة "لا تزال مصممة" على مواصلة
الجهود نحو التطبيع، مؤكدا أن ذلك سيتطلب تهدئة الأوضاع في غزة، والدفع نحو حل
الدولتين.
وتقول الصحيفة البريطانية إن السعوديين لم
يستبعدوا التطبيع، لكن المحادثات "لا يمكن تصورها بينما يحتدم القتال في غزة،
وقد وضعت الرياض إقامة الدولة الفلسطينية شرطا مسبقا لأي اتفاق".
وحذرت المملكة أيضا واشنطن من المبالغة في تصور
التوصل إلى اتفاق، ما يؤكد حساسية القضية بالنسبة للرياض وسط حرب غزة.
وقبل بضع سنوات فقط، بدا أن الصراع الإسرائيلي
الفلسطيني قد تم تهميشه في المملكة، وكان هناك شعور متزايد بأن القضية لم تعد
أساسية لدى الشباب في جميع أنحاء المنطقة.
وقالت إلهام فخرو، زميلة برنامج تشاتام هاوس
للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعكف على تأليف كتاب عن التطبيع، إن
"الهجوم على غزة غير هذه الديناميكية بشكل كبير".
وأضافت: "القضية الفلسطينية عادت إلى مركز
الوعي الشعبي، ودعم التطبيع مع إسرائيل في أدنى مستوياته على الإطلاق. هذا سوف
يعيق قدرة السعودية على إقناع مواطنيها والعالم العربي والإسلامي الأوسع
بالصفقة".