ما زال الكيان المحتل يمارس غطرسته
وإجرامه النازي بحق أبناء شعبنا في قطاع
غزة، بكثير من الاستهانة بأرواح المدنيين
العزل، وخصوصا الأطفال والنساء، وبكثير من الاستخفاف بالمجتمع الدولي والقوانين
الدولية التي لم يردعه أيّ منها حتى اللحظة، وبكثير من الانتقاص من قدر محكمة
العدل الدولية التي أدانته بجريمة الإبادة الجماعية؛ إلا أنه ما زال يمارس الإبادة
بكل وقاحة وصلافة واستكبار على العالم أجمع، غير آبه بشيء، ولا قلق من شيء؛ فخلفه
الولايات المتحدة التي لم تقصّر في إلحاق نفسها علنا بممارسات الكيان المحتل
الهمجية، وقد صدق الإيرانيون حين سموها الشيطان الأكبر؛ فأفعالها تؤشر على دولة
عنصرية تقطر سما زعافا؛ أفعى في هيئة قطة أليفة..!
لم يتغير أسلوب الاحتلال في حرق الأخضر
واليابس ومهاجمة البيوت والبنايات أو الخيام بمن فيها. وحتى لا نذهب بعيدا؛ فقد
قامت قوات الاحتلال الهمجية ليلة أمس باستهداف مخزن يحتوي على مساعدات تابع لوكالة
الأونروا في جباليا، أسفر عن تخريب للمساعدات وتدمير للمخزن، ناهيك عن التسبب في
استشهاد شخصين؛ فالاحتلال مستمر في نشر الفوضى وإسالة الدماء وتدمير كل ما يحلو له
تدميره، سواء في جنوب عزة أو شمالها أو وسطها؛ فقد استباح كل شيء متحرك أو ثابت،
ولم يترك أحدا في مأمن. وقد قام ليلة أمس أيضا باقتحام مستشفى الشفاء، فتسبب
باستشهاد العميد فايق المبحوح، قائد عمليات الشرطة في قطاع غزة، وجاء استهدافه
انتقاما لفشل العدو في توزيع المساعدات من خلال رؤساء العشائر، وبسبب نجاح المبحوح
رحمه الله في تنظيم عملية توزيع المواد الإغاثية، علما بأن استهداف أفراد الشرطة
وقادتها، مما يخالف القوانين الدولية المعمول بها.
لنا أن نتخيل لو أن منطقة أخرى من العالم تعرضت لما يتعرض له قطاع غزة، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة وحليفاتها؟ لكن غزة الفلسطينية التي يهاجمها الصهيوني لها وضع مختلف ومعايير مختلفة
لم يكتف العدو بقتل المبحوح رحمه الله،
بل قام باعتقال عدد من الصحافيين والعاملين بالمستشفى، وتسبب في ارتقاء 16 شهيدا في قصف مناطق مختلفة في رفح وجباليا، دون أن يقول
له أحد كفى وإلا..!! فلو وجد من يردعه ويهدده؛ لما استمر في عدوانه الهستيري على كل ما هو
فلسطيني؛ وهو مستمر في عدوانه لأنه يعرف أنه يقتل شعبا مقاوما وأطفالا مشاريع
مقاومين، ونساء تلد المقاومين، وتلك هي المعادلة الرياضية التي يطبق عليها هذا
الجيش المنهزم كل حساباته في التعامل مع كل شيء يمت لغزة بصلة..
ولنا أن نتخيل لو أن منطقة أخرى من
العالم تعرضت لما يتعرض له قطاع غزة، ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة وحليفاتها؟
لكن غزة الفلسطينية التي يهاجمها الصهيوني لها وضع مختلف ومعايير مختلفة؛ تلك هي
شريعة الغاب ومنطق المجرمين وقطاع الطرق وعصابات المافيا.. لا ضمير.. لا أخلاق..
لا رحمة.. لا عدالة.. لا إنسانية، بل إجرام وظلم وإرهاب وخسة وتواطؤ واستبطان
للأحقاد الدفينة تجاه التاريخ العربي الإسلامي وتجاه وعي الشعوب العربية بحقوقها،
وما تشهده بلادهم من غليان جراء تواطؤ حكامهم؛ بما يهدد مصالح الكيان المحتل
والغرب بعامة، إن آجلا أو عاجلا..
لقد بات واضحا أن ما قام به الكيان من
قتل وتدمير شامل لقطاع غزة، ما هو إلا انتقام من الشعب العربي متمثلا بالشعب
الفلسطيني، فالعدو يعرف أن الفلسطيني ليس وحده، وأنه لولا خيانة الحكام؛ لاقتحمت
الملايين من الشباب العربي الحدود إلى قطاع غزة. والعدو هنا يبعث رسائل للعرب،
ليوقع في روعهم الخوف إن هم تجرؤوا يوما وفكروا بالاقتراب من فلسطين وقضيتها؛ إلا
أنه لم يتعلم الدرس بعد.
لقد لعبت الولايات المتحدة -وحين أقول
الولايات المتحدة، فأنا أعنيها وشركاءها الغربيين الصغار- دور المدافع الشرس عن
أوكرانيا، وأمدتها بالسلاح والمال والدعم بكل أنواعه، وشوّه إعلامُها روسيا بكل ما
أوتي من قدرة على التشويه، وأوقع عليها عقوبات لا حصر لها، إلا أنه وقف من العدوان
على قطاع غزة موقفا لا يمكن وصفه بأقل من الموقف المخزي والمنحاز، وغير القانوني
ولا الإنساني؛ بما يشي بأكذوبة العدالة والمساواة والإنسانية التي صدعوا بها
رؤوسنا ليل نهار على مدار سنوات طويلة..
خسرت الولايات المتحدة الكثير بانحيازها المفرط للكيان الصهيوني، إن على الصعيد الخارجي أو الداخلي؛ فقد تسبب انحيازها الأعمى للكيان المحتل، بازدياد موجة الكراهية والحنق على سياسات أمريكا، بشكل لم يسبق له مثيل، وتسبب في فقدان كثير من حلفائها العرب الغطاء الكافي الذي يضمن لهم البقاء في السلطة وقتا أطول
لقد خسرت الولايات المتحدة الكثير
بانحيازها المفرط للكيان الصهيوني، إن على الصعيد الخارجي أو الداخلي؛ فقد تسبب
انحيازها الأعمى للكيان المحتل، بازدياد موجة الكراهية والحنق على سياسات أمريكا،
بشكل لم يسبق له مثيل، وتسبب في فقدان كثير من حلفائها العرب الغطاء الكافي الذي
يضمن لهم البقاء في السلطة وقتا أطول، بعد أن اتضح للشعب العربي مدى تورط هؤلاء
الحكام في
المجازر التي ارتكبها العدو ضد أهل غزة، بشكل أو بآخر، وهو ما سيتسبب في
خسارة هؤلاء الحكام ويقلل من اتساع وجود أمريكا في المنطقة، وربما تنحاز دول
عربية فيما بعد للاتحاد الروسي، بعيدا عن إذلال الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد حدث اختلال
في التوازن السياسي والجغرافيا السياسية، وخسر الحزب الديمقراطي الكثير من أنصاره،
عربا ومسلمين وأمريكان، وانقسم المجتمع الأمريكي إلى قسمين؛ مؤيد ومخالف لبايدن
والعدوان على غزة، وبات الشعب الأمريكي ومثله البريطاني أكثر شعب قام بأضخم
التظاهرات، وأعلاها صوتا وتأثيرا على الطبقة السياسية المؤيدة للعدوان، وعلى
الكيان الصهيوني.
إن الحقيقة يعرفها كل سياسي أمريكي، ويدرك
تماما حجم الظلم والعدوان الغاشم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، لكنهم يعرفون
وينكرون؛ تحقيقا لمصالحهم الشخصية، وضمان انتخابهم مرة أخرى، وربما يتضح ذلك بجلاء
من خلال كلام مهم قاله جيمي كارتر (رئيس أمريكي أسبق) في وقت لم أتوصل إليه، في
مقابلة تلفزية: "الأمريكيون لا يريدون أن يعرفوا،
هناك قوى سياسية نافذة في أمريكا تمنع أي تحليل موضوعي للمشكلة في الأرض المقدسة، أو أن يتحدث أحد لإسرائيل مطالبا إياها بالانسحاب إلى حدودها القانونية، أو أن يتحدث عن مأساة الفلسطينيين، أو حتى أن يدعو لإجراء محادثات سلام بحسن نية؛ فالحديث عن السلام أمر محظور
والكثير من
الإسرائيليين لا
يريدون أن يعرفوا حقيقة ما يحدث في فلسطين.. إنه انتهاك مروع لحقوق الإنسان،
يتجاوز كثيرا ما قد يتخيله أي شخص من الخارج".
وهناك قوى سياسية نافذة في أمريكا تمنع
أي تحليل موضوعي للمشكلة في الأرض المقدسة، أو أن يتحدث أحد لإسرائيل مطالبا إياها
بالانسحاب إلى حدودها القانونية، أو أن يتحدث عن مأساة الفلسطينيين، أو حتى أن
يدعو لإجراء محادثات سلام بحسن نية؛ فالحديث عن السلام أمر محظور، وإذا تحدث أي
عضو في الكونغرس عما ذكرته للتو؛ فعلى الأرجح لن يعود إلى الكونغرس في الانتخابات
المقبلة.
وحين ينتقل جو بايدن إلى التقاعد، ربما
يقول كلاما مشابها لو اضطر إلى ذلك.. إنهم كلهم منافقون صغار أمام الكيان
الصهيوني، ولك أن تتخيل ما قاله جو بايدن وهو على سدة الحكم في تشرين الأول/
أكتوبر 2023: "وُلدت إسرائيل لتكون مكانا آمنا للشعب اليهودي في العالم، وإذا
لم تكن موجودة، فسيتعيّن علينا اختراعها.. يجب أن تكون مرّة أخرى مكانا آمنا للشعب
اليهودي".. بهذه الطريقة أكد بايدن تأييده المطلق للكيان المحتل واصطفاف
حكومته إلى جانب القاتل بكل إمكاناتها العسكرية واللوجستية والمادية، وكل إمكانية
تساعده على قتل الفلسطينيين، فماذا بعد؟!